بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
قال تعالى: ((الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤذه حفظهما وهو العلي العظيم)).
هذه الآية المباركة التي تعرف بآية الكرسي هي من الآيات التي تم التوجيه إليها قراءة وحفظاً وتدبيراً في روايات المعصومين عليهم السلام.
فآيات القرآن الكريم باعتبارها منزلة من عند الله عز وجل وهي كلام الله واللفظ الوحياني الذي أداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما نزل من السماء، لا يختلف بحسب اعجازه وقداسته وحجيته من موضع إلى موضع آخر.
فالآيات التي في سورة البقرة هي معجزة، والآيات التي في سورة الحج هي معجزة أيضاً بنفس المقدار، كذلك الآيات التي في سورة عمران هي حجة على الناس في تشريعاتها، والآيات التي في سورة النساء حجيتها تساوي حجية آيات سورة عمران وهكذا في قداستها وعدم جواز ملامستها إلا والإنسان على طهارة.
إذاً ما الذي يجعل بعض الآيات وأحياناً بعض السور تختص بمزيد من التوجيه والتنبيه عليها والتأكيد على قراءتها وحفظها، وأحياناً تأتي ف بعض الصلوات مثل صلاة الهدية وهي الصلاة التي يستحب أن تصلى على الميت في الليلة الأولى بعدما يتم دفنه وهي ركعتان يقرا في أحداها آية الكرسي، وقد احتاط العلماء أن تضاف الآيتان الاخريان إلى الآية الأولى فتصبح آية الكرسي إلى ((وهم فيها خالدون))، فآية الكرسي هي جزء من صلاة الهدية. أيضاً في صلاة يوم الغدير ومن جملة ما يقرأ في ركعاتها آية الكرسي.
فلماذا يتم التأكيد على هذه الآيات على هذه الآيات وعلى بعض السور على وجه الخصوص؟ الجواب: هو أن جملة التي تبين لنا هذا الاهتمام هو المضمون والمعنى الذي تحتويه الآيات المباركات، فقد تكو بعض الآيات تتكلم عن حكم شرعي مثل قوله تعالى: ((يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين))، فهذا حكم شرعي خاص بموضوع الإرث وقيمته ومكانته تكون بذلك المقدار.
وهناك آية أخرى تتكلم عن مسألة أكبر وأعظم وهي مسألة عقيدية، فالفقه مهما كان مهماً فهو بحسب الترتيب يكون دون العقيدة، وعندما يتم المقارنة بين الحكم الشرعي الفرعي في الميراث وبين آية الكرسي نجد ان آية الكرسي تتحدث عن مضامين أكبر وأعظم حتى ان المفسرين قالوا أن خلاصة التوحيد موجودة في آية الكرسي.
التوحيد يقسم إلى ثلاث أقسام:
1 – توحيد الذات
2 – توحيد الصفات
3 – توحيد الأفعال
وهذا التقسيم متفق عليه إسلامياً، إذ أنه حتى يتكامل الإيمان بوحدانية الله وتوحيده لا بد أن يكون لدى الإنسان ثلاث فروع.
الفرع الأول: توحيد ذات الله عز وجل وهو الاعتقاد بأن لا إله إلا الله، فالاعتقاد بالأرباب المتفرقين يخالف توحيد الذات، وكذلك الاعتقاد بالثلاثية كما كان عليه بعض التوجهات كما جاء في المجوسية المحرفة.
فالمجوسية كما جاء في بعض الروايات ومنها عن أمير المؤمنين عليه السلام أنهم كان لهم نبي فقتلوه وكان لهم كتاب أحرقوه ومنذ ذلك الوقت بدأ الانحراف في عقائدهم وفي ديانتهم وانتهوا إلى موضوع الثنوية. الثنوية هي: اعتقاد أنه يوجد إلهان في الأرض، إله للخير يخلق الخيرات وإله للشر يخلق الشرور، وأيضاً عقيدة التثليث كما هو عند المسيحين بأنهم قالوا ان الله هو ثالث ثلاثة، وهذه كلها تخالف توحيد الذات، فلا إله إلا الله أصبح ذكراً وهو موجود في آية الكرسي.
الفرع الثاني: توحيد الصفات وهو أن صفات الله سبحانه وتعالى هي عيد ذاته ومعنى ذلك أن الله في عين كونه هو عالم وقادر ورحيم، فلا يوجد هناك طرفان (طرف الذات وطرف الصفات)، والمقصود بطرف الذات وطرف الصفات:
طرف الذات: لو قيل أن فلاناً مهندس فمعناه أنه عندما كان صغيراً كان موجداً ولكن لم يكن مهندساً، أي ذاته كانت موجودة (طرف الذات).
وعندما كبر ودرس الهندسة أصبح مهندساً، وعليه فإن صفة الهندسة اكتسبها بعد فترة من الزمان وهذا يسمى (طرف الصفات).
فلو فصلنا توحيد الصفات عن ذات الله كأن نقول أن الله كان موجوداً ثم بعد ذلك اتصف هذه الصفات، فكأنما نسبنا الجهل لله عز وجل وهذا غير ممكن، فلابد لنا من الغيمان بأن صفات الله هي عين ذاته.
الفرع الثالث: وهو أن يعتقد الإنسان بأنه لا مؤثر في الكون إلا الله سبحانه وتعالى، فلا يوجد شيء في الكون يتحرك إلا بأمر الله عز وجل وهذا امر واضح، ولكن قد يعتقد الإنسان ببعض الاعتقادات التي تخالف توحيد الأفعال كأن يعتقد انه يوجد في الكون من يؤثر في تحصيل الرزق، تحصيل الولد غير الله سبحانه وتعالى، وهذا الاعتقاد عادةً يكون عند من يتعامل مع السحرة، فقد جاء في بعض الروايات أنه من ذهب إلى ساحر او كاهن وصدقه فهو كافر.
السؤال هنا أنه لماذا يكون كافراً؟ لأنه اذا اعتقد أن الساحر يستطيع ان يذهب العقم او يجعل المرء عقيماً، أو أنه يستطيع ان يرزق شخصاً ما وغير ذلك من هذه الأمور فهذا يعني انه لا يوحد الله في أفعاله، وحتى يكون الإنسان موحداً حقيقياً لأفعال الله فلا بد من الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يحرك الكون ويسكنه ويؤمن بقوله عز وجل: ((قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)).
من المؤكد أن ملك الموت يقبض الأرواح ولكنه بفعل ذلك بأمر الله عز وجل وبإذنه، فبأمر من الله يصبح ذلك الملك الضعيف في ذاته له القدرة على قبض أرواح البشر، وكذلك إسرافيل فهو بدون أمر الله وبدون إذنه لا قوة له ولكن إذا أذن الله له وأعطاه القدرة فيكون قادراً بنفخة واحدة على أن يميت كل من على وجه الأرض من أحياء، وفي موضع آخر يعطيه نفس القدرة المنافسة فيحيي كل من على الأرض من أموات.
وقد أعطى الله سبحانه وتعالى القدرة إلى سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أعطاه قدرة بحيث أنه يشر إلى القمر فينقسم نصفين، وكذلك أعطى الأئمة والسادة الاطهار تلك القدرة، فنحن نتوسل بهم ليس بمعزل عن الله عز وجل وإنما لاعتقادنا بأن الله تعالى أذن لهم وارتضى لهم.
إذاً فإن من الأمور التي تجعل آية الكرسي هي انها تحتوي على خلاصة التوحيد الذي هو أعلى العقائد والأصول الإيمانية، وينبغي للإنسان أن يكرر هذه الألفاظ باستمرار حتى تتركز معاني التوحيد في نفسه، فالتوصية بهذه الآية المباركة ليس امراً اعتباطياً، فكما نقل عن الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه في كتابه الأمالي يقول عن أمير المؤمنين عليه السلام: (ما أرى رجلاً أدرك عقله الاسلام أو ولد في الإسلام يبيت ليلة سوادها حتى يقرأ " الله لا إله إلى هو ..., إلى آخر آية الكرسي " فلو تعلمون ما فيها ما تركتموها، وأن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال: أعطيت آية الكرسي من كنز تحت العرش ولم يؤتها نبي قبلي، فما بت ليلة قط منذ سمعتها من رسول الله إلا قرأتها)، وهناك روايات كثيرة تتحدث عن آثارها في الحفظ ودخول الجنة وأنها من الذكر المهم وأنها سيدة سورة البقرة.
تفصيل إجمالي لآية الكرسي:
(( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ))
هذه إشارة إلى توحيد الذات الإلهية وانه لا يوجد إله ولا ارباب متفرقون وإنما هو إله واحد، والقيوم هو مقتضى قيومية الله على كل ما خلق لأن القيوم هي صفة مبالغة من القائم على الشيء، كما لو نقول أن فلان قائم على شركة أو قائم على أمر ما، فالقيوم أي كثير القيام وشديد القيام والله سبحانه وتعالى قيوماً على كل ما خلق، قيوماً على ما في اعماق البحار من كائنات، على ما في بطن الارض من الديدان والحشرات بأنواعها وكمياتها، قيوماً على ذلك الكون بأكمله بما فيه من مجرات وغير ذلك.
((لا تأخذه سنة ولا نوم))
السنة: هي بدايات النوم والغفوة البسيطة.
النوم: هو النوم الغالب على الحواس.
هناك رواية في غير كتب الامامية وفيها تأملاً وملاحظة، وهذه الرواية تقول بأن النبي موسى عليه السلام سال ربه: هل تنام يا رب؟ فأمر جبريل أن ينزل إليه وأن يسهره وأعطاه قارورتين زجاجيتين في يديه، فسهر اليوم الأول والثاني، وفي اليوم الثالث أصبح لا يقاوم النعاس وبدا يغفي وأخذ يضرب القارورة بالأخرى حتى تهشمتا.
هذه الرواية لا نعتقد بها لأننا لا نعتقد أن نبي من أنبياء الله من الممكن أن يفكر بهذا المضمون لأن ذلك مخالف للتوحيد، فعامة المؤمنين لا يمكن أن يفكروا بان الله قد ينام فكيف لنبي الله الذي قال الله فيه: ((وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى))، فإن كان لتلك الرواية وجه تصحيح مع اعتقادنا بعدم صحتها فلا يمكن أن يكون النبي قد يفكر بهذا التفكير ولكن من الممكن أنه قد جاء أحدهم فسأله وأتاه الجواب على هذا النحو، مثلما أن بني اسرائيل طلبوا من النبي موسى ان يريهم الله جهرة فأمره الله أن يأتي بجماعة إلى مكان ما، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً. فالأنبياء لا يختارهم الله إلا بعد أن يكونوا في درجات عقلية وإيمانية عالية ولا يمكن ان يحدث معهم ذلك الأمر.
(( له ما في السموات وما في الارض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ))
أي أنه لا يحصل شيء في الكون إلا بإذن الله، والشفاعة هنا تأتي بمعنيين:
شفاعة تكوينية: وهي تأثير بعض الأسباب ببعضها.
شفاعة بالمعنى المصطلح: كما يكون في يوم القيامة أن الإنسان المخطئ يستشفع ببعض المقربين عند الله تعالى حتى يشفعوا له في مغفرة ذنوبه، فكلتا هاتين الشفاعتين لا تحصلا إلا بإذن الله عز وجل وتحت أمره.
((يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم))
يعلم عن الشافع والمشفوع له، يعلم اعمالهم وأعمال ما قبلهم وما بعدهم، فهو محيط بكل شيء.
(( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ))
الكرسي عند المسلمين فيه رأيان:
الرأي الأول: ما ذهب غليه أهل الحديث في مدرسة الخلفاء وقد قالوا في هذا المعنى اعتماداً على بعض الروايات عندهم أن الكرسي هو الكرسي المعروف ولكن بمقدار كبير جداً بحيث لو توضع فيه السماوات والأرضون يكونون كالحلقة في الصحراء، وهذا الراي عند بعض مدرسة الخلفاء وهم الحنابلة وأهل الحديث عموماً، وهذا الرأي لا يقبله أتباع مدرسة الامامية بل وغيرهم من أصحاب التوجهات العقلية في مدرسة الخلفاء ويعتبرون أن هذا التفسير لكلمة الكرسي ينتهي إلى التجسيم لأنهم يجعلون الله على كرسي أو على عرش وكأنما جعلوا الله عز وجل جسماً وجعلوا الكرسي والعرش أكبر من الله، وهذا مخالف للعقيدة الصحيحة.
الرأي الثاني وهو الصحيح: ما قاله أهل الامامية بأن الله سبحانه وتعالى أراد أن بوصل بعض المعاني التي لا يستوعبها الناس من خلال تشبيهها بأمور حسية قريبة عندهم، فالناس يعلمون أن الكرسي هو عبارة عن مركز السلطنة ومركز الإرادة والقيادة.
والكرسي معناه هنا هو علم الله المحيط بكل شيء وأن علمه وسع الأرض والسماوات ومن فيهما وما بينهما ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض.
(( ولا يؤذه حفظهما وهو العلي العظيم ))
لا يثقله ولا يعجزه ولا يتعبه حفظ السماوات والأرض وإحاطته بكل هذه الأشياء.
بالرغم من أن كلمة آية تنطبق على آية واحدة ولكن ما يرتبط بأمر الصلاة التي ورد فيها قراءة آية الكرسي فإن علمائنا يحتاطون بقراءة الآيات الثلاث التزاماً بما ورد في بعض الروايات من أنه من أراد أن يقرأ آية الكرسي فليقرأ إلى قوله تعالى (( وهم فيها خالدون ))، وهي تحقق حفظ الإنسان من المصائب والمكاره وبعد إذن الله عز وجل فهي أحد المؤثرات التي تحفظ الإنسان مما يكره، وورد أيضاً أن من قرأ آية الكرسي قبل النوم بات في حفظ الله عز وجل، ولهذا لا يستبعد بعضهم أن من أسباب حفظ ركب سبايا أهل البيت عليهم السلام أولاً هو ما كان من دعاء الإمام الحسين عليه السلام لهم، وثانياً أنهم كانوا لا يتركون هذه الأذكار الدينية التي تنتهي إلى الحفظ. فعندما ودع الإمام الحسين عليه السلام أهل بيته يوم عاشوراء قال: واعلموا أن الله حافظكن وحاميكن وأنه سيجعل عاقبة أمركن إلى خير وينتقم لكن من عدوكن.
قد يتساءل البعض إن كان الله حافظهن وحاميهن فكيف أخذوا سبايا؟ الإشارة هنا أن المعروف عند الجنود في سبي المرأة هو الاستفادة منها في الأمور الجنسية وأنها تنتهك من هذه الناحية، وأن الرجال يكونون عبيداً، فنظرة الإمام الحسين بأن الله حافظهن وحاميهن هي وإن كان سيتم سبيهن إلى الكوفة وإلى الشام وإيذاؤهن بالضرب والتجويع إلا أن ذلك الخطر الأكبر الذي يكونون النساء المسبيات معرضات له هم سيكونون في مأمن منه وسيكون الرجال في مأمن من الاستعباد.
وذلك الحفظ حصل وتبين
فقد تمت صيانة تلك النساء وحفظهن من هذا الخطر إلى أن صار موعد رجوعهن إلى كربلاء وإلى المدينة المنورة.
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
قال تعالى: ((الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤذه حفظهما وهو العلي العظيم)).
هذه الآية المباركة التي تعرف بآية الكرسي هي من الآيات التي تم التوجيه إليها قراءة وحفظاً وتدبيراً في روايات المعصومين عليهم السلام.
فآيات القرآن الكريم باعتبارها منزلة من عند الله عز وجل وهي كلام الله واللفظ الوحياني الذي أداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما نزل من السماء، لا يختلف بحسب اعجازه وقداسته وحجيته من موضع إلى موضع آخر.
فالآيات التي في سورة البقرة هي معجزة، والآيات التي في سورة الحج هي معجزة أيضاً بنفس المقدار، كذلك الآيات التي في سورة عمران هي حجة على الناس في تشريعاتها، والآيات التي في سورة النساء حجيتها تساوي حجية آيات سورة عمران وهكذا في قداستها وعدم جواز ملامستها إلا والإنسان على طهارة.
إذاً ما الذي يجعل بعض الآيات وأحياناً بعض السور تختص بمزيد من التوجيه والتنبيه عليها والتأكيد على قراءتها وحفظها، وأحياناً تأتي ف بعض الصلوات مثل صلاة الهدية وهي الصلاة التي يستحب أن تصلى على الميت في الليلة الأولى بعدما يتم دفنه وهي ركعتان يقرا في أحداها آية الكرسي، وقد احتاط العلماء أن تضاف الآيتان الاخريان إلى الآية الأولى فتصبح آية الكرسي إلى ((وهم فيها خالدون))، فآية الكرسي هي جزء من صلاة الهدية. أيضاً في صلاة يوم الغدير ومن جملة ما يقرأ في ركعاتها آية الكرسي.
فلماذا يتم التأكيد على هذه الآيات على هذه الآيات وعلى بعض السور على وجه الخصوص؟ الجواب: هو أن جملة التي تبين لنا هذا الاهتمام هو المضمون والمعنى الذي تحتويه الآيات المباركات، فقد تكو بعض الآيات تتكلم عن حكم شرعي مثل قوله تعالى: ((يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين))، فهذا حكم شرعي خاص بموضوع الإرث وقيمته ومكانته تكون بذلك المقدار.
وهناك آية أخرى تتكلم عن مسألة أكبر وأعظم وهي مسألة عقيدية، فالفقه مهما كان مهماً فهو بحسب الترتيب يكون دون العقيدة، وعندما يتم المقارنة بين الحكم الشرعي الفرعي في الميراث وبين آية الكرسي نجد ان آية الكرسي تتحدث عن مضامين أكبر وأعظم حتى ان المفسرين قالوا أن خلاصة التوحيد موجودة في آية الكرسي.
التوحيد يقسم إلى ثلاث أقسام:
1 – توحيد الذات
2 – توحيد الصفات
3 – توحيد الأفعال
وهذا التقسيم متفق عليه إسلامياً، إذ أنه حتى يتكامل الإيمان بوحدانية الله وتوحيده لا بد أن يكون لدى الإنسان ثلاث فروع.
الفرع الأول: توحيد ذات الله عز وجل وهو الاعتقاد بأن لا إله إلا الله، فالاعتقاد بالأرباب المتفرقين يخالف توحيد الذات، وكذلك الاعتقاد بالثلاثية كما كان عليه بعض التوجهات كما جاء في المجوسية المحرفة.
فالمجوسية كما جاء في بعض الروايات ومنها عن أمير المؤمنين عليه السلام أنهم كان لهم نبي فقتلوه وكان لهم كتاب أحرقوه ومنذ ذلك الوقت بدأ الانحراف في عقائدهم وفي ديانتهم وانتهوا إلى موضوع الثنوية. الثنوية هي: اعتقاد أنه يوجد إلهان في الأرض، إله للخير يخلق الخيرات وإله للشر يخلق الشرور، وأيضاً عقيدة التثليث كما هو عند المسيحين بأنهم قالوا ان الله هو ثالث ثلاثة، وهذه كلها تخالف توحيد الذات، فلا إله إلا الله أصبح ذكراً وهو موجود في آية الكرسي.
الفرع الثاني: توحيد الصفات وهو أن صفات الله سبحانه وتعالى هي عيد ذاته ومعنى ذلك أن الله في عين كونه هو عالم وقادر ورحيم، فلا يوجد هناك طرفان (طرف الذات وطرف الصفات)، والمقصود بطرف الذات وطرف الصفات:
طرف الذات: لو قيل أن فلاناً مهندس فمعناه أنه عندما كان صغيراً كان موجداً ولكن لم يكن مهندساً، أي ذاته كانت موجودة (طرف الذات).
وعندما كبر ودرس الهندسة أصبح مهندساً، وعليه فإن صفة الهندسة اكتسبها بعد فترة من الزمان وهذا يسمى (طرف الصفات).
فلو فصلنا توحيد الصفات عن ذات الله كأن نقول أن الله كان موجوداً ثم بعد ذلك اتصف هذه الصفات، فكأنما نسبنا الجهل لله عز وجل وهذا غير ممكن، فلابد لنا من الغيمان بأن صفات الله هي عين ذاته.
الفرع الثالث: وهو أن يعتقد الإنسان بأنه لا مؤثر في الكون إلا الله سبحانه وتعالى، فلا يوجد شيء في الكون يتحرك إلا بأمر الله عز وجل وهذا امر واضح، ولكن قد يعتقد الإنسان ببعض الاعتقادات التي تخالف توحيد الأفعال كأن يعتقد انه يوجد في الكون من يؤثر في تحصيل الرزق، تحصيل الولد غير الله سبحانه وتعالى، وهذا الاعتقاد عادةً يكون عند من يتعامل مع السحرة، فقد جاء في بعض الروايات أنه من ذهب إلى ساحر او كاهن وصدقه فهو كافر.
السؤال هنا أنه لماذا يكون كافراً؟ لأنه اذا اعتقد أن الساحر يستطيع ان يذهب العقم او يجعل المرء عقيماً، أو أنه يستطيع ان يرزق شخصاً ما وغير ذلك من هذه الأمور فهذا يعني انه لا يوحد الله في أفعاله، وحتى يكون الإنسان موحداً حقيقياً لأفعال الله فلا بد من الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يحرك الكون ويسكنه ويؤمن بقوله عز وجل: ((قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)).
من المؤكد أن ملك الموت يقبض الأرواح ولكنه بفعل ذلك بأمر الله عز وجل وبإذنه، فبأمر من الله يصبح ذلك الملك الضعيف في ذاته له القدرة على قبض أرواح البشر، وكذلك إسرافيل فهو بدون أمر الله وبدون إذنه لا قوة له ولكن إذا أذن الله له وأعطاه القدرة فيكون قادراً بنفخة واحدة على أن يميت كل من على وجه الأرض من أحياء، وفي موضع آخر يعطيه نفس القدرة المنافسة فيحيي كل من على الأرض من أموات.
وقد أعطى الله سبحانه وتعالى القدرة إلى سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أعطاه قدرة بحيث أنه يشر إلى القمر فينقسم نصفين، وكذلك أعطى الأئمة والسادة الاطهار تلك القدرة، فنحن نتوسل بهم ليس بمعزل عن الله عز وجل وإنما لاعتقادنا بأن الله تعالى أذن لهم وارتضى لهم.
إذاً فإن من الأمور التي تجعل آية الكرسي هي انها تحتوي على خلاصة التوحيد الذي هو أعلى العقائد والأصول الإيمانية، وينبغي للإنسان أن يكرر هذه الألفاظ باستمرار حتى تتركز معاني التوحيد في نفسه، فالتوصية بهذه الآية المباركة ليس امراً اعتباطياً، فكما نقل عن الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه في كتابه الأمالي يقول عن أمير المؤمنين عليه السلام: (ما أرى رجلاً أدرك عقله الاسلام أو ولد في الإسلام يبيت ليلة سوادها حتى يقرأ " الله لا إله إلى هو ..., إلى آخر آية الكرسي " فلو تعلمون ما فيها ما تركتموها، وأن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال: أعطيت آية الكرسي من كنز تحت العرش ولم يؤتها نبي قبلي، فما بت ليلة قط منذ سمعتها من رسول الله إلا قرأتها)، وهناك روايات كثيرة تتحدث عن آثارها في الحفظ ودخول الجنة وأنها من الذكر المهم وأنها سيدة سورة البقرة.
تفصيل إجمالي لآية الكرسي:
(( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ))
هذه إشارة إلى توحيد الذات الإلهية وانه لا يوجد إله ولا ارباب متفرقون وإنما هو إله واحد، والقيوم هو مقتضى قيومية الله على كل ما خلق لأن القيوم هي صفة مبالغة من القائم على الشيء، كما لو نقول أن فلان قائم على شركة أو قائم على أمر ما، فالقيوم أي كثير القيام وشديد القيام والله سبحانه وتعالى قيوماً على كل ما خلق، قيوماً على ما في اعماق البحار من كائنات، على ما في بطن الارض من الديدان والحشرات بأنواعها وكمياتها، قيوماً على ذلك الكون بأكمله بما فيه من مجرات وغير ذلك.
((لا تأخذه سنة ولا نوم))
السنة: هي بدايات النوم والغفوة البسيطة.
النوم: هو النوم الغالب على الحواس.
هناك رواية في غير كتب الامامية وفيها تأملاً وملاحظة، وهذه الرواية تقول بأن النبي موسى عليه السلام سال ربه: هل تنام يا رب؟ فأمر جبريل أن ينزل إليه وأن يسهره وأعطاه قارورتين زجاجيتين في يديه، فسهر اليوم الأول والثاني، وفي اليوم الثالث أصبح لا يقاوم النعاس وبدا يغفي وأخذ يضرب القارورة بالأخرى حتى تهشمتا.
هذه الرواية لا نعتقد بها لأننا لا نعتقد أن نبي من أنبياء الله من الممكن أن يفكر بهذا المضمون لأن ذلك مخالف للتوحيد، فعامة المؤمنين لا يمكن أن يفكروا بان الله قد ينام فكيف لنبي الله الذي قال الله فيه: ((وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى))، فإن كان لتلك الرواية وجه تصحيح مع اعتقادنا بعدم صحتها فلا يمكن أن يكون النبي قد يفكر بهذا التفكير ولكن من الممكن أنه قد جاء أحدهم فسأله وأتاه الجواب على هذا النحو، مثلما أن بني اسرائيل طلبوا من النبي موسى ان يريهم الله جهرة فأمره الله أن يأتي بجماعة إلى مكان ما، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً. فالأنبياء لا يختارهم الله إلا بعد أن يكونوا في درجات عقلية وإيمانية عالية ولا يمكن ان يحدث معهم ذلك الأمر.
(( له ما في السموات وما في الارض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ))
أي أنه لا يحصل شيء في الكون إلا بإذن الله، والشفاعة هنا تأتي بمعنيين:
شفاعة تكوينية: وهي تأثير بعض الأسباب ببعضها.
شفاعة بالمعنى المصطلح: كما يكون في يوم القيامة أن الإنسان المخطئ يستشفع ببعض المقربين عند الله تعالى حتى يشفعوا له في مغفرة ذنوبه، فكلتا هاتين الشفاعتين لا تحصلا إلا بإذن الله عز وجل وتحت أمره.
((يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم))
يعلم عن الشافع والمشفوع له، يعلم اعمالهم وأعمال ما قبلهم وما بعدهم، فهو محيط بكل شيء.
(( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ))
الكرسي عند المسلمين فيه رأيان:
الرأي الأول: ما ذهب غليه أهل الحديث في مدرسة الخلفاء وقد قالوا في هذا المعنى اعتماداً على بعض الروايات عندهم أن الكرسي هو الكرسي المعروف ولكن بمقدار كبير جداً بحيث لو توضع فيه السماوات والأرضون يكونون كالحلقة في الصحراء، وهذا الراي عند بعض مدرسة الخلفاء وهم الحنابلة وأهل الحديث عموماً، وهذا الرأي لا يقبله أتباع مدرسة الامامية بل وغيرهم من أصحاب التوجهات العقلية في مدرسة الخلفاء ويعتبرون أن هذا التفسير لكلمة الكرسي ينتهي إلى التجسيم لأنهم يجعلون الله على كرسي أو على عرش وكأنما جعلوا الله عز وجل جسماً وجعلوا الكرسي والعرش أكبر من الله، وهذا مخالف للعقيدة الصحيحة.
الرأي الثاني وهو الصحيح: ما قاله أهل الامامية بأن الله سبحانه وتعالى أراد أن بوصل بعض المعاني التي لا يستوعبها الناس من خلال تشبيهها بأمور حسية قريبة عندهم، فالناس يعلمون أن الكرسي هو عبارة عن مركز السلطنة ومركز الإرادة والقيادة.
والكرسي معناه هنا هو علم الله المحيط بكل شيء وأن علمه وسع الأرض والسماوات ومن فيهما وما بينهما ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض.
(( ولا يؤذه حفظهما وهو العلي العظيم ))
لا يثقله ولا يعجزه ولا يتعبه حفظ السماوات والأرض وإحاطته بكل هذه الأشياء.
بالرغم من أن كلمة آية تنطبق على آية واحدة ولكن ما يرتبط بأمر الصلاة التي ورد فيها قراءة آية الكرسي فإن علمائنا يحتاطون بقراءة الآيات الثلاث التزاماً بما ورد في بعض الروايات من أنه من أراد أن يقرأ آية الكرسي فليقرأ إلى قوله تعالى (( وهم فيها خالدون ))، وهي تحقق حفظ الإنسان من المصائب والمكاره وبعد إذن الله عز وجل فهي أحد المؤثرات التي تحفظ الإنسان مما يكره، وورد أيضاً أن من قرأ آية الكرسي قبل النوم بات في حفظ الله عز وجل، ولهذا لا يستبعد بعضهم أن من أسباب حفظ ركب سبايا أهل البيت عليهم السلام أولاً هو ما كان من دعاء الإمام الحسين عليه السلام لهم، وثانياً أنهم كانوا لا يتركون هذه الأذكار الدينية التي تنتهي إلى الحفظ. فعندما ودع الإمام الحسين عليه السلام أهل بيته يوم عاشوراء قال: واعلموا أن الله حافظكن وحاميكن وأنه سيجعل عاقبة أمركن إلى خير وينتقم لكن من عدوكن.
قد يتساءل البعض إن كان الله حافظهن وحاميهن فكيف أخذوا سبايا؟ الإشارة هنا أن المعروف عند الجنود في سبي المرأة هو الاستفادة منها في الأمور الجنسية وأنها تنتهك من هذه الناحية، وأن الرجال يكونون عبيداً، فنظرة الإمام الحسين بأن الله حافظهن وحاميهن هي وإن كان سيتم سبيهن إلى الكوفة وإلى الشام وإيذاؤهن بالضرب والتجويع إلا أن ذلك الخطر الأكبر الذي يكونون النساء المسبيات معرضات له هم سيكونون في مأمن منه وسيكون الرجال في مأمن من الاستعباد.
وذلك الحفظ حصل وتبين
فقد تمت صيانة تلك النساء وحفظهن من هذا الخطر إلى أن صار موعد رجوعهن إلى كربلاء وإلى المدينة المنورة.