بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ..﴾.[1]
قوله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ﴾، يدّل على كونهم أمّة أي جماعة واحدة قبل البعثة ثمّ بعث الله النبيّين مبشّرين ومنذّرين، سواء قلنا بأنّ المراد من كونهم أمّة واحدة أنّهم كانوا على الحقّ أم على الضّلالة، وسواء قلنا أنّهم كانوا قبل البعثة متمسّكين بالشّرائع العقّلية أم لا وهكذا القول بكونهم مدنيّين طبعا؛ وذلك لأنّ البحث ليس في هذه الأمور وانّما الكلام في المراد بالناس وانّه كيف يجوز شرعا وعقلا ان يكون الاجتماع خاليا عن الحجة ولو في مدة قليلة؟ وقد ورد في الحديث انّه ((لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها))، وقوله الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق فالقول بأنّ النّاس كانوا بدون الحجة ولو في مدة قليلة لا يساعده العقل والنقل، وهذا الإشكال هو الّذي أوقع المفسّرين في الحيص والبيص فقالوا ولم يعلموا ما قالوا ألا ترى أنّ القائل منهم صرّح بأنّ الفاء تفيد التّراخي فقوله تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ﴾، يفيد أنّ بعثته جميع الأنبياء كانت متأخّرة عن كون النّاس أمّة واحدة، فتلك الوحدة المتقدّمة على بعثته جميع الشّرائع لا بدّ وأن تكون وحدة في شريعة غير مستفادة من الأنبياء فوجب أن تكون في شريعة مستفادة من العقل، ولقائل أن يقول لو كان الأمر كذلك يلزم أن لا تكون الحجّة قد تمت عليهم قبل البعثة، فهم كانوا غير مكلّفين لأنّ التّكليف لا يكون إلاّ بعد إتمام الحجّة والعقل وحدة لا يكفي في المقام فقد ورد عَنْ هِشَامِ بْنِ اَلْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ : ((يَا هِشَامُ إِنَّ للهِ عَلَى اَلنَّاسِ حُجَّتَيْنِ حُجَّةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً بَاطِنَةً فَأَمَّا اَلظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَاَلْأَنْبِيَاءُ وَاَلْأَئِمَّةُ، وَأَمَّا اَلْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ))[2]، هذا بحسب النقل وأمّا عقلا فلأنّ العقل لا حكم له في ما رواء المحسوسات والمدركات ولأجل هذا لا يكون مستغنيا عن حجّة ظاهرة هي النّبي أو الوصّي.
ولو كان العقل كافيا ولو في برهة من الزّمان فلم لا يكون كافيا في كلّ الإعصار اليس حكم الأمثال واحد، فثبت وتحقّق أنّ الشّريعة المستفادة من العقل كلام لا طائل تحته ضرورة أنّ الشّريعة لا تستفاد من العقل أصلا، القول بأنّ الحجّة كانت موجودة في النّاس باطنا لا ظاهرا للتّقية! فهو أيضا غير معقول إذ لم يدّل على هذا القول دليل من العقل أو النّقل مضافا الى كونه مخالفا لظاهر الآية.
وممّن تصدّى لدفع الإشكال السيد محمد حسين الطباطبائي (قدّس سرّه) فقال: ({بيان} الآية تبين السبب في تشريع أصل الدين وتكليف النوع الإنساني به، وسبب وقوع الاختلاف فيه ببيان: ان الانسان - وهو نوع مفطور على الاجتماع والتعاون - كان في أول اجتماعه أمة واحدة ثم ظهر فيه بحسب الفطرة الاختلاف في اقتناء المزايا الحيوية، فاستدعى ذلك وضع قوانين ترفع الاختلافات الطارئة، والمشاجرات في لوازم الحياة فألبست القوانين الموضوعة لباس الدين، وشفعت بالتبشير والانذار:
بالثواب والعقاب، وأصلحت بالعبادات المندوبة إليها ببعث النبيين، وإرسال المرسلين، ثم اختلفوا في معارف الدين أو أمور المبدأ والمعاد، فاختل بذلك أمر الوحدة الدينية، وظهرت الشعوب والأحزاب، وتبع ذلك الاختلاف في غيره، ولم يكن هذا الاختلاف الثاني إلا بغيا من الذين أوتوا الكتاب، وظلما وعتوا منهم بعد ما تبين لهم أصوله ومعارفه، وتمت عليهم الحجة، فالاختلاف اختلافان: اختلاف في أمر الدين مستند إلى بغي الباغين دون فطرتهم وغريزتهم، واختلاف في أمر الدنيا وهو فطري وسبب لتشريع الدين، ثم هدى الله سبحانه المؤمنين إلى الحق المختلف فيه بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. فالدين الإلهي هو السبب الوحيد لسعادة هذا النوع الإنساني)[3].
[1] سورة البقرة، الآية: 213.
[2] وسائل الشيعة، ج 15، ص 206.
[3] تفسير الميزان، ج 2، 111.