بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾.[1]
﴿وَ﴾، إذا كانت المرأة في العدة ف ﴿لا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾، أيها الراغبون في الزواج منهن ﴿فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ اَلنِّساءِ﴾، بأن تلمحوا إلى رغبتكم في الزواج منهن وتعرضوا على ذلك تعريضا وإشارة من طرف خفي، لا تصريحا فإن ذلك خلاف الجو الذي يحيط بالمرأة المعتدة من الربط الباقي بينها و بين زوجها الأول ﴿أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ﴾، بأن أضمرتم إرادة زواجهن بدون أن تصرحوا أو تلمحوا بذلك فإن الكناية اللفظية والإضمار القلبي لا جناح فيهما ﴿عَلِمَ اَللهُ أَنَّكُمْ﴾، أيها الرجال ﴿سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾، وهن في العدة إرادة للزواج بهن ﴿وَلكِنْ﴾، لا تصرحوا بالخطبة و﴿لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾، في الخلوة فتبدوا رغبتكم في الزواج بهن في منأى من الناس ﴿إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾، بالكناية والتلميح لا بالتصريح وذكر ما يقبح ذكره كما كانت عادة بعض الناس. ﴿وَلا تَعْزِمُوا﴾، أي لا تقصدوا ﴿عُقْدَةَ اَلنِّكاحِ﴾، أي إجراء الصيغة التي هي كعقدة تعقد النكاح بين الجانبين، وقد نهى عن العزم على ذلك مبالغة، كقوله: ﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ اَلْيَتِيمِ﴾.
﴿حَتّى يَبْلُغَ اَلْكِتابُ﴾، الذي كتبناه في باب العدة من أربعة أشهر وعشرا ﴿أَجَلَهُ﴾، أي أمده، بأن تنقضي العدة.
المستفاد من الآية الشريفة يكون على طبق العقل، اذ الغرض من التزويج الانس ما دام الحياة، وما لم يكن فيه الحب بين الزوج والزوجة لا يصير الانس حاصلا، فالعقل يحكم بان من أراد الراحة في مدة طويلة لا بد من اول الامر ان يشاهد ان في ذلك الفعل تحصل الراحة ام لا، وذلك في امر التزويج يحصل من حيث الحسن والجمال بالرؤية او رؤية من يثق بإخباره، ولأجل ذلك رخص الشارع النظر اليها لأجل التزويج والتفحص في اخلاقها، اذ لو لم يكن ذلك لم يكن التتبع في اخلاق المرأة بمستحسن، واما في صورة إرادة التزويج فذلك التتبع يكون مستحسنا، ولكن اجتماعهما سرا لمّا يكون فيه الفتنة فلعل بعض المطالب يقع، ثم يحصل الصارف للزوج وذلك ظلم على الزوجة فنهى الله تعالى شأنه عنه.
والمراد العزم على حل عقدة النكاح وبلوغ الكتاب اجله، فان كان المراد عقد الانقطاع فالمعنى يكون واضحا، اذ الآية تكون ارشادا الى الثبات في الارادات، فاذا عين الاجل يتمتع الى حين الاجل، وان كان المراد عقد الدوام يكون المراد حل الأثر، أي لا تعزموا على عدم ترتيب آثار الزوجية ما لم يحصل طلاق او ظهار او إيلاء، فان هذه الأمور يمكن ان يقال انها آجال، والله يعلم الباطن فلا تعزموا بالعزم الثابت على ذلك الحل او عدم الترتيب، واحذروا من ذلك العزم الذى هو نية السوء ولأجل الامتنان على هذه الامة ما كتبت، فانه غفور حليم وعلى أي التقديرين فجميع مفاد الآية منطبق مع العقل فان العاقل لتدبره او لا يكون ثابتا على ما صدر منه ويترتب عليه الاثار، وبعد المراجعة ظهر لي ان المراد عدم البت على عقد النكاح في المتوفى عنهن ازواجهن حتى تنقضي العدة، وهذا أيضا من الاحترام ولا يخالف العقل.
وفِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ : قَوْلُهُ: (﴿وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ اَلنِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ﴾، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ اَلرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا: لاَ تُحْدِثي حَدَثاً وَلاَ يُصَرِّحُ لَهَا اَلنِّكَاحَ وَاَلتَّزْوِيجَ، فَنَهَى اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ وَاَلسِّرِّ فِي اَلنِّكَاحِ فَقَالَ: ﴿وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾، وَقَالَ: مِنَ اَلسِّرِّ أَيْضاً أَنْ يَقُولَ اَلرَّجُلُ فِي عِدَّةِ اَلْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ: وَعْدُكَ بَيْتُ فُلاَنٍ).[2]
[1] سورة القرة، الآية: 235.
[2] تفسير القمي، ج 1، ص 77.