بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾.[1]
بداية نذكر المراد من بعض المصطلحات الواردة في الآية الشريفة: -
«الرجال» مثل قيام جمع راجل وتجار جمع تاجر أي إن كان بكم خوف من عدوّ أو غير ﴿فَرِجَالًا﴾، منصوب على الحال وعامله محذوف تقديره فصلّوا راجلين «والراجل» هو الكائن على رجله ماشيا كان أو واقفا ﴿أَوْ رُكْبَانًا﴾، أي راكبين على ظهور دوابّكم وعنى سبحانه وتعالى صلاة الخوف وهي ركعتان في السفر إلّا في المغرب فإنّها ثلاث ركعات.
ويروى ﴿فَرِجَالًا﴾، بضمّ الراء والتخفيف و«رجّال» بالتشديد وضمّ الراء و«رجّلا» وشرح صلاة الخوف مبسوط في كتب الفقه وهي تختلف أيضا في حال الحرب وفي غير حال الحرب وعن ابن عبّاس أنّ صلاة الخوف ركعة.
قال الرازيّ: وهو قول متروك والجمهور على خلافه.
وبعد ذلك بتعبير واضح لتفسير قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾، بعد تشديد الأمر بالمواظبة والمراقبة في شأن الصلوات سيّما الوسطى، والتذكير والإرشاد بعظم الموقف، والتحذير عن الإضاعة والاستخفاف بها وشؤونها، والإتيان بها بجميع أجزائها وشروطها مستوفيا قانتا مطمئنّا راغبا من خلال الآية السابقة، أجاز ورخّص في حال الخوف إتيان الصلاة ماشيا وراكبا، فالخوف موضوع تامّ للترخيص والإرفاق في كيفيّة الصلاة من غير فرق بين أنحاء الخوف، سواء كان من لصّ أو من سبع أو من عدوّ، في موقف الحرب وغيره.
ففي الآية إرشاد إلى أنّ الصلاة والحضور بين يدي الله سبحانه لا يختصّ بحال الاطمئنان والرفاه والفراغ بل العبادة حيث إنّها عهد بين الله وبين عباده، وذكر وخضوع، وتعظيم وتكريم، وإقرار بالرّبوبيّة والوحدانيّة لا تختصّ بحال دون حال. ولا فرق في ذلك في الأحوال سواء كان في السرّاء أو الضرّاء أو الأمن أو الخوف، أو الصحة أو المرض، أو الفقر أو الغناء.
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ﴾، أي إذا حصل الأمن والسكون يجب إتيان الصلاة مستوفيا جميع أجزائها وشروطها. والتعبير عن الصلاة بالذكر لجهة أنّها من أفضل مصاديق الذكر التكوينيّ.
وإن قلنا إنّ المراد من الذكر هو الذكر اللّساني فلا بدّ من التكلّف بأنّ تسمية الصلاة ذكرا باعتبار اشتماله على الذكر اللّساني.
وأوضح من ذلك ﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ﴾، من الخوف وزال ﴿فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُم﴾، أي صلّوا على الترتيب المبيّن لكم في الأوقات المتعارفة كما علّمكم في أمور صلاتكم ودينكم.
قوله تعالى: ﴿كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾، أي علّمكم بتعليم الكتاب والسنّة ما لا تعرفون من الصلاة وأحكامها.
وتعرضت الروايات لهذه الآية الشريفة وبيّنت تفسيرها مثلا: عَنْ أَبَانٍ عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اَللهِ قَالَ: ((سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾، كَيْفَ يُصَلِّي وَمَا يَقُولُ إِذَا خَافَ مِنْ سَبُعٍ أَوْ لِصٍّ كَيْفَ يُصَلِّي قَالَ: يُكَبِّرُ وَيُومِئُ إِيمَاءً بِرَأْسِهِ)).[2]
وعَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((قُلْتُ لَهُ صَلاَةُ اَلْمُوَاقَفَةِ فَقَالَ: إِذَا لَمْ يَكُنِ اَلنَّصَفُ مِنْ عَدُوِّكَ صَلَّيْتَ إِيمَاءً رَاجِلاً كُنْتَ أَوْ رَاكِباً فَإِنَّ اَللهَ يَقُولُ: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾، يَقُولُ فِي اَلرُّكُوعِ لَكَ رَكَعْتُ وَأَنْتَ رَبِّي، وَفِي اَلسُّجُودِ لَكَ سَجَدْتُ وَأَنْتَ رَبِّي، أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِكَ دَابَّتُكَ غَيْرَ أَنَّكَ تَتَوَجَّهُ إِذَا كَبَّرْتَ أَوَّلَ تَكْبِيرَةٍ)).[3]
وعَنْ أَبَانِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((فَاتَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَاَلنَّاسَ يَوْماً بِصِفِّينَ يَعْنِي صَلاَةَ اَلظُّهْرِ وَاَلْعَصْرِ وَاَلْمَغْرِبِ وَاَلْعِشَاءِ، فَأَمَرَهُمْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يُسَبِّحُوا وَيُكَبِّرُوا وَيُهَلِّلُوا، قَالَ: وَقَالَ اَللهُ: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾، فَأَمَرَهُمْ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَصَنَعُوا ذَلِكَ رُكْبَاناً وَرِجَالاً)).[4]
[1] سورة القرة، الآية: 239.
[2] الكافي، ج 3، ص 457.
[3] وسائل الشيعة، ج 8، ص 446.
[4] تفسير العياشي، ج 1، ص 128.