بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.[1]
أراد الله تعالى بهذا البيان الصريح بأن النفوس الإنسانية بجميع مشاربها ستقف في يوم تنتهي الحياة الدنيا وتحشر فيها كما قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾[2]، ولكن هناك مصاحبة مع المحشورين من قبل لصيق لهم كان معهم في الدنيا من خلال ما قاموا به وهو العمل وكما ورد عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ : سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيَّ يَقُولُ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله فِي وَفْدٍ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ .
فَدَخَلْتُ وَعِنْدَهُ اَلصَّلْصَالُ بْنُ اَلدَّلَهْمَسِ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اَللهِ عِظْنَا مَوْعِظَةً نَنْتَفِعْ بِهَا فَإِنَّا قَوْمٌ نَعْبُرُ [نُعَمَّرُ] فِي اَلْبَرِّيَّةِ
فَقَالَ: ((يَا قَيْسُ إِنَّ مَعَ الْعِزِّ ذُلًّا، وإِنَّ مَعَ الْحَيَاةِ مَوْتاً، وإِنَّ مَعَ الدُّنْيَا آخِرَةً، وإِنَّ لِكُلِّ شيء حَسِيباً، وعَلَى كُلِّ شيء رَقِيباً، وإِنَّ لِكُلِّ حَسَنَةٍ ثَوَاباً، ولِكُلِّ سَيِّئَةٍ عِقَاباً، وإِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً.
وإِنَّهُ يَا قَيْسُ: لَا بُدَّ لَكَ مِنْ قَرِينٍ يُدْفَنُ مَعَكَ وهُوَ حَيٌّ، وتُدْفَنُ مَعَهُ وأَنْتَ مَيِّتٌ، فَإِنْ كَانَ كَرِيماً أَكْرَمَكَ، وإِنْ كَانَ لَئِيماً أَسْلَمَكَ، لَا يُحْشَرُ إِلَّا مَعَكَ، ولَا تُحْشَرُ إِلَّا مَعَهُ، ولَا تُسْأَلُ إِلَّا عَنْهُ، ولَا تُبْعَثُ إِلَّا مَعَهُ، فَلَا تَجْعَلْهُ إِلَّا صَالِحاً، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صَالِحاً لَمْ تَأْنَسْ إِلَّا بِهِ، وإِنْ كَانَ فَاحِشاً لَا تَسْتَوْحِشْ إِلَّا مِنْهُ، وهُوَ عَمَلُكَ)).[3]
فالظاهر أنّ قوله - تعالى -: ﴿يَوْمَ﴾، ظرف لوجدان ما عمل من خير وسوء. وقوله تعالى: ﴿مُّحْضَرًا﴾، بصيغة المفعول، فيه عناية على أنّه كان فاقدا ثمّ أحضر لديه، لا أنّه كان حاضرا عنده من قبل. فهذا إخبار منه - سبحانه - على شيء من أخبار القيامة وأهوالها، وأنّ كلّ نفس تجد ما عملت من أعمال الخير حاضرا.
والمراد من الحاضر إحضاره عند عامله، فأعمال السوء والأخلاق الرذيلة يواجه بها العامل، ولا يقدر دفعها عن نفسه كي يتخلّص من عارها ونكالها، ويودّ ويتمنّى أن يكون بينه وبين هذه الأعمال أمدا بعيدا، هيهات، هيهات ما ذلك بيديه، فلا محالة يعذّب بما عمل، ويبتلى بعارها ونكالها.
﴿تَوَدّ﴾، وتحبّ وتتمنّى يوم تجد صحائف الأعمال من الخير والشرّ أو أجزيتها حاضرة، وعن قريب يغلق الباب بغتة و يؤخذ فلتة فليسارع العبد إلى دفع الموبقات وطلب المحسّنات قبل الإغلاق، وهذا هو مَا أَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِقَوْلِهِ: ((أَتَدْرُونَ مَا اَلْمُفْلِسُ فَقِيلَ اَلْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ لَهُ فَقَالَ اَلْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي اَلنَّارِ)).[4]
﴿تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ﴾، أي بين النفس وبين ذلك اليوم وهو له أو بين النفس والعمل السوء ﴿أَمَدًا بَعِيدًا﴾، أي مسافة واسعة كما بين المشرق والمغرب ولم يعمل ذلك السوء قطّ.
﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ﴾، ترهيب آخر للحثّ على الأعمال الخيرية، وتجنّب الأعمال السيئة، وهو كالتحذير السابق من موالاة الكفّار، ولا تكرار لاختلاف الموضوعين.
﴿وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾، أي رحيم، من مصاديق رحمته تحذيره مما يلازم عقابه.
فلا بد من عمل يرجى به الثواب: كما أنه لا بد من تجنّب ما يخشى منه العقاب، ونبتهل إليه أن يوفقنا لذلك.
[1] سورة آل عمران، الآية: 30.
[2] سورة يونس، الآية: 45.
[3] الأمالي (للصدوق)، ج 1، ص 2.
[4] بحار الأنوار، ج 69، ص 5.