بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾.[1]
أحيانا تذهب المذاهب بالناس الى التشكيك بالخالق عز وجل نتيجة لقصور معتقدهم وتعلقهم بالدنيا، فيكون لديهم تصور بأنه مخلوق مثلهم وضعيف لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ومن هؤلاء اليهود وكما قالوا «يَدُ اَللهِ مَغْلُولَةٌ» حيث حسبوا أنفسهم أغنياء في ذوات أنفسهم وأغنياء عن الله، فلا حاجة لهم إلى جزائه ولا إلى أضعاف مضاعفة يعدها الله لمن ينفق في سبيله، ولقد قالوا بكل وقاحة مقالتهم هذه وأنه: «ما بال الله يطلب إلينا أن نقرضه من أموالنا فيضاعفه لنا وهو ربا شدد النهى عنها والنكير عليها»؟! حاسبين بسوء تصورهم أن الله بحاجة الى ما آتاهم من فضله، رأوا أولياء الله فقراء فقالوا: «لو كان غنيا لأغنى أولياءه ففخروا على الله بالغنى»، ورأوا أن أفضلهم وهو محمد (صلى الله عليه وآله) قد يستقرضهم وسواهم لسد جوعته، فقد تقولوا أقوال وفعلوا أفعال لا نجدها بين سائر الأقوام حتى المشركين رغم أنهم أولاء أهل كتاب.
﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾، نسخة طبق الأصل عما قالوا.
القصد من الكتابة هنا هو واقعها العذاب بعد واقع الكتاب، وكما تلمح له ﴿وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾، فإن هذا القول لا دور لواقعه إلاّ بعد الموت حيث هو بداية العذاب.
فكتابة قولهم هذا وقتلهم الأنبياء بغير حق هي كتابة الملكوت أن تظهر القولة والقتلة وسائر القيلة والغيلة بمظهر الواقع المستور هنا(في الدنيا) المشهور هناك(في الآخرة) لقوله تعالى: ﴿لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾[2].
ولقد حفظ تاريخ بني إسرائيل سلسلة عظيمة أثيمة من قتلهم الأنبياء بغير حق، آخرها محاولة اغتيال المسيح (عليه السلام) زاعمين انهم قتلوه، متباهين بذلك الجرم العظيم ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾[3].
ذلك ومن قتلهم الأنبياء إذاعة أسرارهم المسبّبة لقتلهم حيث المسبب للقتل قاتل مهما اختلف قاتل عن قاتل.
﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾، وهو نفسه المكتوب عليهم من أقوالهم وأعمالهم المسجلة في مختلف سجلاّت الكون.
وترى كيف يتفوه عاقل مهما كان جاهلا بهذه القولة القاحلة الجاهلة مهما كان مشركا فضلا عن اليهود وهم أهل كتاب؟ قد تكون هذه منهم على سبيل الهزء والإلزام، أن لو كان محمد (صلى الله عليه وآله) نبيا وكان القرآن كتابا من الله لما تطلّب إلى ربه قرضا من عبيده، ولا نبيّه قرضا منا، ولا أمته فقراء.
وبتعبير آخر لما ورد محبوبية أن يقرضوا الله، ولم يفهموا معناه قصورا أو تقصيرا بل التقصير قالوا: من باب استهزاء النبي
(صلّى الله عليه وآله) أن الله فقير ونحن اغنياء، ولو لم يكن فقيرا لما طلب القرض منا؛ والقرض هو الانفصال من نفسك، وجعله عند الغير بحيث يختار أن يرد عينه أو عوضه، علما أن الله من باب تكميل النفوس طلب منهم أن يكون تمام قواهم مصروفا لله، وكذا أموالهم وينفصلون من انفسهم باندكاك الانانية، ويجعلوها عند الله حتى يوصل الجميع من الملك الى الملكوت أو الفوق وعلى النحو الكامل يفيض عليهم ويردهم اليهم، فيكون بصرهم يبصر الملكوت وهكذا، واموالهم مصروفة في ازدياد الجنة لكون التجاوز سببا لتكميل درجة انفسهم.
والحاصل أن الله سمع ذلك القول المنكر ويكتب في نفوسهم؛ وكذا قتلهم الأنبياء برضائهم، أو من باب التجريد كما ذكرنا، ويذوقون عذاب الحريق بسبب أعمالهم، والله لا يكون متعديا على عبيده.
[1] سورة آل عمران، الآية: 181.
[2] سورة ق، الآية: 22.
[3] سورة النساء، الآية: 157.