[ 48 موعظة عن السيد المسيح عليه السلام ]
1 - طُوبى لِلمُتَراحِمينَ ! اُولئكَ هُمُ المَرحومونَ يَومَ القِيامَةِ .
2 - طُوبى لِلمُصلِحينَ بَينَ النّاسِ ! اُولئكَ هُمُ المُقَرَّبونَ يَومَ القِيامَةِ .
3 - يا عَبيدَ السُّوءِ ! تَلُومونَ النّاسَ علَى الظَّنِّ ولا تَلُومونَ أنفُسَكُم علَى اليَقينِ ؟!
4 - يا عَبيدَ الدُّنيا ! تَحلِقونَ رُؤوسَكُم ، وتُقَصِّرونَ قُمُصَكُم ، وتُنَكِّسونَ رُؤوسَكُم ، ولا تَنزِعونَ الغِلَّ مِن قُلوبِكُم ؟!
5 - يا عَبيدَ الدُّنيا ! مَثَلُكُم كمَثَلِ القُبورِ المُشَيَّدةِ ؛ يُعجِبُ النّاظِرَ ظَهرُها ، وداخِلُها عِظامُ المَوتى ، مَملُوءةً خَطايا .
6 - ياعَبيدَ الدُّنيا ! إنّما مَثَلُكُم كمَثَلِ السِّراجِ ، يُضِيءُ لِلنّاسِ ويُحرِقُ نَفسَهُ !
7 - يابَني إسرائيلَ ! زاحِموا العُلَماءَ في مَجالِسِهِم ولَو حَبْواً علَى الرُّكَبِ ؛ فإنّ اللهَ يُحيي القُلوبَ المَيتَةَ بنُورِ الحِكمَةِ كما يُحيي الأرضَ المَيتَةَ بِوابِلِ المَطرِ .
8 - يا صاحِبَ العِلمِ ! عَظِّمِ العُلَماءَ لِعِلمِهِم ودَعْ مُنازَعَتَهُم ، وصَغِّرِ الجُهّالَ لِجَهلِهِم ولا تَطرُدْهُم ، ولكن قَرِّبْهُم وعَلِّمْهُم .
9 - عيسى عليه السلام - لأصحابِهِ - : أرَأيتُم لَو أنّ أحَداً مَرَّ بأخيهِ فرَأى ثَوبَهُ قَدِ انكَشفَ عَن عَورَتِهِ ، أكانَ كاشِفاً عَنها أم يَرُدَّ على ما انكَشَفَ مِنها ؟ قالوا : بَل يَرُدُّ على ما انكشَفَ مِنها . قالَ : كلّا ! بَل تَكشِفونَ عَنها ! فعَرَفوا أنّهُ مَثَلٌ ضَربَهُ لَهُم ، فقالوا : يا رُوحَ اللهِ ! وكيفَ ذاكَ ؟ قالَ : ذاكَ الرّجُلُ مِنكُم يِطَّلِعُ علَى العَورَةِ مِن أخيهِ فلا يَستُرُها .
10 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! اُعلِّمُكُم لِتَعلَموا ولا اُعلِّمُكُم لِتُعجَبوا بأنفُسِكُم : إنّكُم لَن تَنالوا ما تُريدونَ إلّا بِتَركِ ما تَشتَهونَ ، ولَن تَظفَروا بما تأملونَ إلّا بِالصَّبرِ على ما تَكرَهونَ .
11 - إيّاكُم والنَّظرَةَ ! فإنّها تَزرَعُ في
القُلوبِ الشَّهوَةَ ، وكَفى بِها لِصاحِبِها فِتنَةً .
12 - طوبى لِمَن جَعَلَ بَصَرَهُ في قَلبهِ ، ولَم يَجعَلْ قَلبَهُ في نَظَرِ عَينِهِ ! ، لا تَنظُروا في عُيوبِ النّاسِ كالأربابِ ! وانظُروا في عُيوبِهِم كهَيئَةِ عَبيدِ النّاسِ ! إنّما النّاسُ رجُلانِ : مُبتلىً ومُعافىً ، فارحَموا المُبتلى ! واحمَدوا اللهَ علَى العافِيَةِ !
13 - يا بَني إسرائيلَ ! أمَا تَستَحيونَ مِن اللهِ ؟ ! إنّ أحَدَكُم لايَسُوغُ لَهُ شَرابُهُ حتّى يُصَفِّيَهِ مِن القَذى ، ولايُبالِي أن يَبلُغَ أمثالَ الفِيَلَةِ مِن الحَرامِ ! ألَم تَسمَعوا أنّهُ قِيلَ لَكُم في التَّوراةِ : صِلُوا أرحامَكُم ، وكافِئوا أرْحامَكُم ؟! وأنا أقولُ لَكُم : صِلوا مَن قَطَعَكُم ! واعطَوا مَن مَنَعَكُم ! وأحسِنوا إلى مَن أساءَ إلَيكُم ! وسَلِّموا على مَن سَبَّكُم ! وأنصِفوا مَن خاصَمَكُم ! واعفُوا عَمَّن ظَلَمَكُم ! كما أنّكُم تُحِبّونَ أن يُعفى عَن إساءتِكُم فاعتَبِروا بعَفوِ اللهِ عَنكُم . ألاَ تَرَونَ أنّ شَمسَهُ أشرَقَت علَى الأبرارِ والفُجّارِ مِنكُم ، وأنّ مَطرَهُ يَنزِلُ علَى الصّالِحينَ والخاطِئينَ مِنكُم ؟! فإن كُنتُم لا تُحِبّونَ إلّا مَن أحَبَّكُم ولا تُحسِنونَ إلّا إلى مَن أحسَنَ إلَيكُم ولا تُكافِئونَ إلّا مَن أعطاكُم فما فَضلُكُم إذاً على غَيرِكُم ؟! وقَد يَصنَعُ هذا السُّفَهاءُ الّذينَ لَيسَت عِندَهُم فُضُولٌ ولا لَهُم أحلامٌ ، ولكنْ إن أرَدتُم أن تَكونوا أحِبّاءَ اللهِ وأصفِياءَ اللهِ فأحسِنوا إلى مَن أساءَ إلَيكُم ، واعفُوا عَمَّن ظَلَمَكُم ! وسَلِّموا على مَن أعرَضَ عَنكُم ! إسمَعوا قَولي ! واحفَظوا وَصِيَّتي ! وارعَوا عَهدي كَيما تَكُونوا عُلَماءَ فُقَهاءَ !
14- بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنَّ قُلوبَكُم بِحَيثُ تَكونُ كُنوزُكُم ، ولِذلكَ النّاسُ يُحِبّونَ أموالَهُم وتَتُوقُ إلَيها أنفُسُهُم ، فضَعوا كُنوزَكُم في السَّماءِ حيثُ لا يَأكُلُها السُّوسُ ، ولا يَنالُها اللُّصوصُ .
15 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ العَبدَ لا يَقدِرُ على أن يَخدِمَ رَبَّينِ ، ولا مَحالَةَ أنّهُ يُؤثِرُ أحدَهُما علَى الآخَرِ وإن جَهِدَ ، كذلكَ لا يَجتَمِعُ لَكُم حُبُّ اللهِ وحُبُّ الدُّنيا .
16 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ شَرَّ النّاسِ لَرجُلٌ عالِمٌ آثَرَ دُنياهُ على عِلمِهِ ، فأحَبَّها وطَلَبَها وجَهِدَ علَيها ؛ حتّى لَوِ استَطاع أن يَجعَلَ النّاسَ في حَيرَةٍ لَفَعَلَ ، وماذا يُغني عَنِ الأعمى سَعَةُ نُورِ الشَّمسِ وهُو لا يُبصِرُها ؟! كذلكَ لايُغني عَنِ العالِمِ عِلمُهُ إذ هُو لَم يَعمَلْ بهِ . ما أكثَرَ ثِمارَ الشَّجَرِ ولَيسَ كُلُّها يَنفَعُ ويُؤكَلُ ! وما أكثَرَ العُلَماءَ ولَيسَ كُلُّهُم يَنتَفِعُ بماعَلِمَ ! وما أوسَعَ الأرضَ ولَيسَ كُلُّها تُسكَنُ ! وما أكثَرَ المُتَكلِّمِينَ ولَيسَ كُلُّ كَلامِهِم يُصَدَّقُ ! فاحتَفِظوا مِن العُلَماءِ الكَذَبَةِ الّذينَ علَيهِم ثِيابُ الصُّوفِ ، مُنَكِّسي رُؤوسِهِم إلَى الأرضِ ، يُزَوِّرونَ بهِ الخَطايا ، يَرمُقونَ مِن تَحتِ حَواجِبِهِم كما تَرمُقُ الذِّئابُ ، وقَولُهُم يُخالِفُ فِعلَهُم ، وهَل يُجتَنى مِن العَوسَجِ العِنَبُ ؟! ومِنَ الحَنظَلِ التِّينُ ؟! وكذلكَ لا يُؤَثِّرُ قَولُ العالِمِ الكاذِبِ إلّا زُوراً ، ولَيس كُلُّ مَن يَقولُ يَصدُقُ .
17 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ الزَّرعَ يَنبُتُ في السَّهلِ ولا يَنبُتُ في الصَّفا ، وكذلك الحِكمَةُ تَعمُرُ في قَلبِ المُتَواضِعِ ولاتَعمُرُ في قَلبِ المُتَكبِّرِ الجَبّارِ . ألَم تَعلَموا أنّهُ مَن شَمَخَ برَأسِهِإلَى السَّقفِ شَجَّهُ ، ومَن خَفَضَ برَأسِهِ عَنهُ استَظَلَّ تَحتَهُ وأكنَّهُ ؟! وكذلكَ مَن لَم يَتَواضَعْ للهِ خَفَضَهُ ، ومَن تَواضَعَ للهِ رَفَعَهُ ، إنّهُ لَيسَ على كُلِّ حالٍ يَصلُحُ العَسَلُ في الزِّقاقِ ، وكذلكَ القُلوبُ لَيسَ على كُلِّ حالٍ تَعمُرُ الحِكمَةُ فيها . إنّ الزِّقَّ مالَم يَنخَرِقْ أو يَقحَلْ أو يَتفُلْ فسَوفَ يَكونُ لِلعَسَلِ وِعاءً ، وكذلكَ القُلوبُ مالَم تَخرِقْها الشَّهَواتُ ويُدَنِّسْها الطَّمَعُ ويُقَسِّها النَّعيمُ فسَوفَ تَكونُ أوعِيَةً للحِكمَةِ .
18 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! مَن نَظَرَ إلَى الحَيَّةِ تَؤُمُّ أخاهُ لِتَلدَغَهُ ولَم يُحَذِّرْهُ حتّى قَتَلَتْهُ فلا يَأمَنْ أن يَكونَ قَد شَرِكَ في دَمِهِ ! وكذلكَ مَن نَظَرَ إلى أخيهِ يَعمَلُ الخَطيئةَ ولَم يُحَذِّرْهُ عاقِبَتَها حتّى أحاطَت بهِ فلا يأمَنْ أن يَكونَ قَد شَرِكَ في إثمِهِ ! ومَن قَدَرَ على أن يُغَيِّرَ الظّالِمَ ثُمّ لَم يُغَيِّرْهُ فهُو كفاعِلِهِ ! (....)
19 - وَيلَكُم ياعَبيدَ السَّوءِ ! كَيفَ تَرجُونَ أن يؤمِنَكُمُ اللهُ مِنفَزَعِ يَومِ القِيامَةِ وأنتُم تَخافُونَ النّاسَ في طاعَةِ الله ، وتُطيعونَهُم في مَعصيَتِهِ ، وتَفُونَ لَهُم بِالعُهودِ النّاقِضَةِ لِعَهدِهِ ؟! بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! لايُؤمِنُ الله مِن فَزَعِ ذلكَ اليَومِ مَنِ اتّخَذَ العِبادَ أرباباً مِن دُونِهِ .
20 - وَيلَكُم يا عَبيدَ السَّوءِ ! مِن أجلِ دُنيا دَنِيَّةٍ وشَهوَةٍ رَدِيَّةٍ تُفَرِّطونَ في مُلكِ الجَنَّةِ ، وتَنسَونَ هَولَ يَومِ القِيامَةِ !
21 - وَيلَكُم يا عَبيدَ الدّنيا ! مِن أجلِ نِعمَةٍ زائلَةٍ وحَياةٍ مُنقَطِعَةٍ تَفِرُّونَ مِن
اللهِ وتَكرَهونَ لِقاءهُ ؟! فكَيفَ يُحِبُّ اللهُ لِقاءكُم وأنتُم تَكرَهونَ لِقاءهُ ؟! فإنّما يُحِبُّ اللهُ لِقاءَ مَن يُحِبُّ لِقاءهُ ، ويَكرَهُ لِقاءَ مَن يَكرَهُ لِقاءهُ ، وكَيفَ تَزعُمون أنَّكُم أولياءُ اللهِ مِندُونِ النّاسِ وأنتُم تَفِرُّونَ مِن المَوتِ وتَعتَصِمونَ بِالدُّنيا ؟ (....)
22 - ماذا يُغني عَنِ البَيتِ المُظلِمِ أن يُوضَعَ السِّراجُ فَوقَ ظَهرِهِ وجَوفُهُ وَحشٌ مُظلِمٌ ؟! كذلكَ لا يُغني عَنكُم أن يَكونَ نُورُ العِلمِ بأفواهِكُم وأجوافُكُم مِنهُ وَحشَةٌ مُعَطّلَةٌ !
فأسْرِعوا إلى بُيوتِكُم المُظلِمَةِ فأنِيروا فيها ، كذلكَ فأسرِعوا إلى قُلوبِكُمُ القاسِيَةِ بِالحِكمَةِ قَبلَ أن تَرِينَ علَيها الخَطايا فتَكونَ أقسى مِن الحِجارَةِ .
23 - كَيفَ يُطيقُ حَملَ الأثقالِ مَن لا يَستَعينُ على حَملِها ؟! أم كَيفَ تُحَطُّ أوزارُ مَن لا يَستَغفِرُ اللهَ مِنها ؟! أم كَيفَ تَنقى ثِيابُ مَن لا يَغسِلُها ؟! وكَيفَ يَبرأُ مِن الخَطايا مَن لا يُكفِّرُها ؟! أم كَيفَ يَنجو مِن غَرَقِ البَحرِ مَن يَعبُرُ بِغَيرِ سَفينَةٍ ؟! وكَيفَ يَنجُو مِن فِتَنِ الدُّنيا مَن لَم يُداوِها بِالجِدِّ والاجتِهادِ ؟! وكَيفَ يَبلُغُ مَن يُسافِرُ بغَيرِ دَليلٍ ؟! وكَيفَ يَصيرُ إلَى الجَنَّةِ مَن لا يُبصِرُ مَعالِمَ الدِّينِ ؟! وكَيفَ يَنالُ مَرضاةَ اللهِ مَن لا يُطيعُهُ ؟! وكَيفَ يُبصِرُ عَيبَ وَجهِهِ مَن لا يَنظُرُ في المِرآةِ ؟! وكَيفَ يَستَكمِلُ حُبَّ خَليلِهِ مَن لا يَبذُلُ لَهُ بَعضَ ما عِندَهُ؟! وكَيفَ يَستَكمِلُ حُبَّ رَبِّهِ مَن لا يُقرِضُهُ بَعضَ ما رَزقَهُ ؟!
24 - بحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّهُ كما لا يَنقُصُ البَحرَ أن تَغرَقَ فيهِ السَّفينَةُ ولا يَضُرُّهُ ذلكَ شيئاً ، كذلكَ لا تَنقُصونَ اللهَ بِمَعاصِيكُم شيئاً ولا تَضُرُّونَهُ ، بَل أنفسَكُم تَضُرُّونَ وإيّاها تَنقُصونَ . وكما لا تَنقُصُ نورُ الشَّمسِ كَثرَةُ مَن يَتَقَلَّبُ فيها بَل بهِ يَعيشُ ويَحيى ، كذلكَ لا يَنقُصُ اللهَ كثَرَةُ ما يُعطيكُم ويَرزُقُكُم ، بَل برِزقِهِ تَعيشُونَ وبهِ تَحيَونَ ، يَزيدُ مَن شَكرَهُ إنّهُ شاكِرٌ عَلِيمٌ .
25 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّهُ كما يَنظُرُ المَريضُ إلى طَيِّبِ الطَّعامِ فلا يَلتَذُّهُ مَع ما يَجِدُهُ مِن شِدَّةِ الوَجَعِ ، كذلكَ صاحِبُ الدُّنيا لا يَلتَذُّ بِالعِبادَةِ ولا يَجِدُ حَلاوَتَها مَع ما يَجِدُ مِن حُبِّ المالِ ! (....)
26 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنَّ كُلَّ النّاسِ يُبصِرُ النُّجومَ ولكنْ لا يَهتَدي بِها إلّا مَن يَعرِفُ مَجارِيَها ومَنازِلَها ، وكذلكَ تَدرُسونَ الحِكمَةَ ولكنْ لا يَهتَدي لَها مِنكُم إلّا مَن عَمِلَ بِها . وَيلَكُم ياعَبيدَ الدُّنيا ! نَقُّوا القَمحَ وطَيِّبُوهُ ! وأدِقُّوا طَحنَهُ تَجِدوا طَعمَهُ [وَ] يَهْنِئكُم أكلُهُ ، كذلكَ فأخلِصوا الإيمانَ ! تَجِدوا حَلاوَتَهُ ويَنفَعْكُم غِبُّهُ .
27 - وَيلَكُم يا عَبيدَ الدُّنيا ! لا كَحُكَماءَ تَعقِلونَ ، ولا كَحُلَماءَ تَفقَهونَ ، ولا كَعُلَماءَ تَعلَمونَ ، ولا كَعَبيدٍ أتقِياءٍ ، ولا كأحرارٍ كِرامٍ ، تُوشِكُ الدُّنيا أن تَقتَلِعَكُم من اُصولِكُم فتَقلبَكُم على وُجوهِكُم ، ثُمّ تَكُبَّكُم على مَناخِرِكُم ، ثُمّ تأخُذَ خَطاياكُم بِنَواصِيكُم ويَدفَعَكُم العِلمُ مِن خَلفِكُم حتّى يُسَلِّماكُم إلَى المَلِكِ الدَّيّانِ عُراةً فُرادى ، فيَجزِيَكُم بِسُوءِ أعمالِكُم .
28 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنَّ صِغارَ الخَطايا ومُحَقَّراتِها لَمِن مَكائدِ إبليسَ ، يُحَقِّرُها لَكُم ويُصَغِّرُها في أعيُنِكُم ، فتَجتَمِعُ فتَكثُرُ وتُحيطُ بِكُم ! .
29 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ المِدحَةَ بِالكِذبِ والتَّزكِيَةَ في الدِّينِ لَمِن رأسِ الشُّرورِ المَعلومَةِ ، وإنّ حُبَّ الدُّنيا لَرأسُ كُلِّ خَطيئَةٍ .
30 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ كُلَّ عَمَلِ المَظلومِ الّذي لَم يَنتَصِرْ بِقَولٍ ولا فِعلٍ ولا حِقدٍ هُو في مَلَكوتِ السَّماءِ عَظيمٌ ، أيُّكُم رأى نُوراً اسمُهُ ظُلمَةٌ أو ظُلمَةً اسمُها نُورٌ ؟! كذلكَ لا يَجتَمِعُ لِلعَبدِ أنْ يَكونَ مُؤمِناً كافِراً ، ولا مُؤثِراً لِلدُّنيا راغِباً في الآخِرَةِ . وهَل زارِعُ شَعيرٍ يَحصِدُ قَمحاً ؟ أو زارِعُ قَمحٍ يَحصِدُ شَعيراً ؟! كذلكَ يَحصِدُ كُلُّ عَبدٍ في الآخِرَةِ ما زَرَعَ ، ويُجزى بما عَمِلَ .
31 - بحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ الناسَ في الحِكمَةِ رجُلانِ : فَرجُلٌ أتقَنَها بقَولِهِ وضَيَّعَها بسُوءِ فِعلِهِ ، ورجُلٌ أتقَنَها بقَولِهِ وصَدَّقَها بفِعلِهِ ، وشَتّانَ بَينَهُما ! فطُوبى لِلعُلَماءِ بِالفِعلِ ، ووَيلٌ لِلعُلَماءِ بِالقَولِ !
32 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! مَن لا يُنَقِّي مِن زَرعِهِ الحَشيشَ يَكثُرُ فيهِ حتّى يَغمُرَهُ فيُفسِدَهُ ، وكذلكَ مَن لا يُخرِجُ مِن قَلبِهِ حُبَّ الدُّنيا يَغمُرُهُ حتّى لا يَجِدَ لِحُبِّ الآخِرَةِ طَعماً . وَيلَكُم ياعَبيدَ الدُّنيا ! اتَّخِذوا مَساجِدَ ربِّكُم سُجوناً لأجسادِكُم ! واجعَلوا قُلوبَكُم بُيوتاً لِلتَّقوى ! ولا تَجعلوا قُلوبَكُم مَأوىً لِلشَّهَواتِ !
33 - وَيلَكُم يا عُلَماءَ السَّوءِ ! ألَم تَكونوا أمواتاً فأحياكُم فلَمّا أحياكُم مِتُّم ؟! وَيلَكُم ، ألَم تَكونوا اُمِّيّينَ فَعَلَّمَكُم فلَمّا عَلَّمَكُم نَسِيتُم ؟! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا جُفاةً فَفَقَّهَكُمُ اللهُ فلَمّا فَقَّهَكُم جَهِلتُم ؟! وَيلَكُم! ألَم تَكونوا ضُلّالاً فَهَداكُم فلَمّا هَداكُم ضَلَلتُم ؟! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا عُمياً فبَصَّرَكُم فلَمّا بَصَّركُم عَمِيتُم ؟! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا صُمّاً فأسمَعَكُم فلَمّا أسمَعَكُم صَمَمتُم؟! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا بُكماً فأنطَقَكُم فلَمّا أنطَقَكُم بَكِمتُم ؟! وَيلَكُم ، ألَم تَستَفتِحوا فلَمّا فُتِحَ لَكُم نَكَصتُم على أعقابِكُم ؟! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا أذِلَّةً فأعَزَّكُم فلَمّا عَزَزتُم قَهَرتُم واعتَدَيتُم وعَصَيتُم ؟! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا مُستَضعَفِينَ في الأرضِ تَخافُونَ أن يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ فنَصَرَكُم وأيَّدَكُم فلَمّا نَصَرَكُمُ استَكبَرتُم وتَجَبَّرتُم ؟! فيا وَيلَكُم مِن ذُلِّ يَومِ القِيامَةِ ! كَيفَ يُهِينُكُم ويُصَغِّرُكُم ؟! ويا وَيلَكُم يا عُلَماءَ السَّوءِ ! إنَّكُم لَتَعمَلونَ عَمَلَ المُلحِدينَ ، وتأمُلونَ أمَلَ الوارِثينِ ، وتَطمَئنّونَ بِطُمَأنِينَةِ الآمِنينَ ، ولَيس أمرُ اللهِ على ما تَتَمَنَّونَ وتَتَخَيَّرونَ ، بَل لِلمَوتِ تَتَوالَدُونَ ، ولِلخَرابِ تَبنُونَ وتَعمُرونَ ، ولِلوارِثينَ تُمَهِّدونَ .
34 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ موسى عليه السلام كانَ يأمُرُكُم أن لا تَحلِفوا باللهِ كاذِبينَ ، وأنا أقولُ : لاتَحلِفوا باللهِ صادِقينَ ولا كاذِبينَ ! ولكنْ قُولوا : لا ، ونَعَم .
35 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! ماذا يُغني عن الجَسَدِ إذا كانَ ظاهِرُهُ صَحيحاً وباطِنُهُ فاسِداً ؟ وما تُغني عَنكُم أجسادُكُم إذا أعجَبَتكُم وقد فَسَدَت قُلوبُكُم ؟! وما يُغني عَنكُم أن تُنَقُّوا جُلودَكُم وقُلوبُكُم دَنِسَةٌ ؟!
36 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! لا تَكُونوا كالمُنخُلِ يُخرِجُ الدَّقيقَ الطَّيِّبَ ويُمسِكُ النُّخالَةَ ، كذلكَ أنتُم تُخرِجونَالحِكمَةَ مِن أفواهِكُم ويَبقَى الغِلُّ فيصُدورِكُم !
37 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! اِبدَؤوا بِالشَّرِّ فاترُكوهُ ، ثُمّ اطلُبوا الخَيرَ يَنفَعْكُم ، فإنَّكُم إذا جَمَعتُمُ الخَيرَ مَع الشَّرِّ لَم يَنفَعْكُم الخَيرُ .
38 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! طُوبى لِلّذينَ يَتَهَجَّدونَ مِن اللَّيلِ ! اُولئكَ الّذين
يَرِثونَ النُّورَ الدّائمَ ؛ مِن أجلِ أنّهُم قامُوا في ظُلمَةِ اللَّيلِ على أرجُلِهِم في مَساجِدِهِم يَتَضَرَّعونَ إلى ربِّهِم رَجاءَ أن يُنَجِّيَهُم في الشِّدَّةِ غَداً .
39 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ الدُّنيا خُلِقَت مَزرَعةً تَزرَعُ فيها العِبادُ الحُلوَ والمُرَّ والشَّرَّ والخَيرَ ، والخَيرُ لَهُ مَغَبَّةٌ نافِعَةٌ يَومَ الحِسابِ ، والشَّرُّ لَهُ عَناءٌ وشَقاءٌ يَومَ الحَصادِ .
40 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ الحَكيمَ يَعتَبِرُ بِالجاهِلِ ، والجاهِلَ يَعتَبِرُ بِهَواهُ ، اُوصِيكُم أن تَختِموا على أفواهِكُم بِالصَّمتِ حتّى لايَخرُجَ مِنها ما لا يَحِلُّ لَكُم .
41 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنَّكُم لا تُدرِكونَ ما تَأمَلونَ إلّا بِالصَّبرِ على ماتَكرَهونَ ، ولا تَبتَغونَ ما تُريدونَ إلّا بِتَركِ ماتَشتَهونَ .
42 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! يا عَبيدَ الدُّنيا ! كَيفَ يُدرِكُ الآخِرَةَ مَن لاتَنقُصُ شَهوَتُهُ مِن الدُّنيا ولا تَنقَطِعُ مِنها رَغبَتُهُ ؟ !
43 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : ياعَبيدَ الدُّنيا ! إنّ أحَدَكُم يُبغِضُ صاحِبَهُ علَى الظَّنِّ ، ولا يُبغِضُ نَفسَهُ علَى اليَقينِ . بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ أحَدَكُم لَيَغضَبُ إذا ذُكِرَ لَهُ بَعضُ عُيوبِهِ وهِي حَقٌّ ، ويَفرَحُ إذا مُدِحَ بما لَيسَ فيهِ .
44 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ الزَّرعَ لا يَصلُحُ إلّا بِالماءِ والتُّرابِ ، كذلكَ الإيمانُ لا يَصلُحُ إلّا بِالعِلمِ والعَمَلِ .
45 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ الماءَ يُطفِئُ النّارَ ، كذلكَ الحِلمُ يُطفِئُ الغَضَبَ .
46 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّهُ لا يَكونُ مَطَرٌ بِغَيرِ سَحابٍ ، كذلكَ لا يَكونُ عَمَلٌ في مَرضاةِ الرَّبِّ إلّا بِقَلبٍ نَقِيٍّ .
47 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ نَقلَ الحِجارَةِ مِن رُؤوسِ الجِبالِ أفضَلُ مِن أن تُحَدِّثَ مَن لا يَعقِلُ عَنكَ حَديثَكَ ، كمَثَلِ الّذي يَنقَعُ الحِجارَةَ لِتَلِينَ ، وكمَثَلِ الّذي يَصنَعُ الطَّعامَ لأهلِ القُبورِ ! (....) طُوبى لِمَن تَعَلَّمَ مِن العُلَماءِ ما جَهِلَ ! وعَلَّمَ الجاهِلَ مِمّا عَلِمَ . طُوبى لِمَن عَظَّمَ العُلَماءَ لِعِلمِهِم وتَرَكَ مُنازَعَتُهم ! وصَغَّرَ الجُهّالَ لِجَهلِهِم ولا يَطرُدُهُم ولكنْ يُقَرِّبُهُم ويُعَلِّمُهُم .
48 - وقالَ عليه السلام : يَقولُ اللهُ تباركَ وتعالى : يَحزَنُ عَبدِي المؤمنُ أن أصرِفَ عَنهُ الدُّنيا ، وذلكَ أحَبُّ ما يَكونُ إلَيَّ وأقرَبُ ما يَكونُ مِنّي ، ويَفرَحُ أن اُوَسِّعَ علَيهِ في الدُّنيا ، وذلَكَ أبغَضُ ما يَكونُ إلَيَّ وأبعَدُ ما يَكونُ مِنّي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
[ لا تنسوني ووالِدَيّ من خالص دعائكم ]
وآخِرُ دَعْوانا
۞.... أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلهِ رَبِّ ٱلۡعَالَمِین ۞
1 - طُوبى لِلمُتَراحِمينَ ! اُولئكَ هُمُ المَرحومونَ يَومَ القِيامَةِ .
2 - طُوبى لِلمُصلِحينَ بَينَ النّاسِ ! اُولئكَ هُمُ المُقَرَّبونَ يَومَ القِيامَةِ .
3 - يا عَبيدَ السُّوءِ ! تَلُومونَ النّاسَ علَى الظَّنِّ ولا تَلُومونَ أنفُسَكُم علَى اليَقينِ ؟!
4 - يا عَبيدَ الدُّنيا ! تَحلِقونَ رُؤوسَكُم ، وتُقَصِّرونَ قُمُصَكُم ، وتُنَكِّسونَ رُؤوسَكُم ، ولا تَنزِعونَ الغِلَّ مِن قُلوبِكُم ؟!
5 - يا عَبيدَ الدُّنيا ! مَثَلُكُم كمَثَلِ القُبورِ المُشَيَّدةِ ؛ يُعجِبُ النّاظِرَ ظَهرُها ، وداخِلُها عِظامُ المَوتى ، مَملُوءةً خَطايا .
6 - ياعَبيدَ الدُّنيا ! إنّما مَثَلُكُم كمَثَلِ السِّراجِ ، يُضِيءُ لِلنّاسِ ويُحرِقُ نَفسَهُ !
7 - يابَني إسرائيلَ ! زاحِموا العُلَماءَ في مَجالِسِهِم ولَو حَبْواً علَى الرُّكَبِ ؛ فإنّ اللهَ يُحيي القُلوبَ المَيتَةَ بنُورِ الحِكمَةِ كما يُحيي الأرضَ المَيتَةَ بِوابِلِ المَطرِ .
8 - يا صاحِبَ العِلمِ ! عَظِّمِ العُلَماءَ لِعِلمِهِم ودَعْ مُنازَعَتَهُم ، وصَغِّرِ الجُهّالَ لِجَهلِهِم ولا تَطرُدْهُم ، ولكن قَرِّبْهُم وعَلِّمْهُم .
9 - عيسى عليه السلام - لأصحابِهِ - : أرَأيتُم لَو أنّ أحَداً مَرَّ بأخيهِ فرَأى ثَوبَهُ قَدِ انكَشفَ عَن عَورَتِهِ ، أكانَ كاشِفاً عَنها أم يَرُدَّ على ما انكَشَفَ مِنها ؟ قالوا : بَل يَرُدُّ على ما انكشَفَ مِنها . قالَ : كلّا ! بَل تَكشِفونَ عَنها ! فعَرَفوا أنّهُ مَثَلٌ ضَربَهُ لَهُم ، فقالوا : يا رُوحَ اللهِ ! وكيفَ ذاكَ ؟ قالَ : ذاكَ الرّجُلُ مِنكُم يِطَّلِعُ علَى العَورَةِ مِن أخيهِ فلا يَستُرُها .
10 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! اُعلِّمُكُم لِتَعلَموا ولا اُعلِّمُكُم لِتُعجَبوا بأنفُسِكُم : إنّكُم لَن تَنالوا ما تُريدونَ إلّا بِتَركِ ما تَشتَهونَ ، ولَن تَظفَروا بما تأملونَ إلّا بِالصَّبرِ على ما تَكرَهونَ .
11 - إيّاكُم والنَّظرَةَ ! فإنّها تَزرَعُ في
القُلوبِ الشَّهوَةَ ، وكَفى بِها لِصاحِبِها فِتنَةً .
12 - طوبى لِمَن جَعَلَ بَصَرَهُ في قَلبهِ ، ولَم يَجعَلْ قَلبَهُ في نَظَرِ عَينِهِ ! ، لا تَنظُروا في عُيوبِ النّاسِ كالأربابِ ! وانظُروا في عُيوبِهِم كهَيئَةِ عَبيدِ النّاسِ ! إنّما النّاسُ رجُلانِ : مُبتلىً ومُعافىً ، فارحَموا المُبتلى ! واحمَدوا اللهَ علَى العافِيَةِ !
13 - يا بَني إسرائيلَ ! أمَا تَستَحيونَ مِن اللهِ ؟ ! إنّ أحَدَكُم لايَسُوغُ لَهُ شَرابُهُ حتّى يُصَفِّيَهِ مِن القَذى ، ولايُبالِي أن يَبلُغَ أمثالَ الفِيَلَةِ مِن الحَرامِ ! ألَم تَسمَعوا أنّهُ قِيلَ لَكُم في التَّوراةِ : صِلُوا أرحامَكُم ، وكافِئوا أرْحامَكُم ؟! وأنا أقولُ لَكُم : صِلوا مَن قَطَعَكُم ! واعطَوا مَن مَنَعَكُم ! وأحسِنوا إلى مَن أساءَ إلَيكُم ! وسَلِّموا على مَن سَبَّكُم ! وأنصِفوا مَن خاصَمَكُم ! واعفُوا عَمَّن ظَلَمَكُم ! كما أنّكُم تُحِبّونَ أن يُعفى عَن إساءتِكُم فاعتَبِروا بعَفوِ اللهِ عَنكُم . ألاَ تَرَونَ أنّ شَمسَهُ أشرَقَت علَى الأبرارِ والفُجّارِ مِنكُم ، وأنّ مَطرَهُ يَنزِلُ علَى الصّالِحينَ والخاطِئينَ مِنكُم ؟! فإن كُنتُم لا تُحِبّونَ إلّا مَن أحَبَّكُم ولا تُحسِنونَ إلّا إلى مَن أحسَنَ إلَيكُم ولا تُكافِئونَ إلّا مَن أعطاكُم فما فَضلُكُم إذاً على غَيرِكُم ؟! وقَد يَصنَعُ هذا السُّفَهاءُ الّذينَ لَيسَت عِندَهُم فُضُولٌ ولا لَهُم أحلامٌ ، ولكنْ إن أرَدتُم أن تَكونوا أحِبّاءَ اللهِ وأصفِياءَ اللهِ فأحسِنوا إلى مَن أساءَ إلَيكُم ، واعفُوا عَمَّن ظَلَمَكُم ! وسَلِّموا على مَن أعرَضَ عَنكُم ! إسمَعوا قَولي ! واحفَظوا وَصِيَّتي ! وارعَوا عَهدي كَيما تَكُونوا عُلَماءَ فُقَهاءَ !
14- بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنَّ قُلوبَكُم بِحَيثُ تَكونُ كُنوزُكُم ، ولِذلكَ النّاسُ يُحِبّونَ أموالَهُم وتَتُوقُ إلَيها أنفُسُهُم ، فضَعوا كُنوزَكُم في السَّماءِ حيثُ لا يَأكُلُها السُّوسُ ، ولا يَنالُها اللُّصوصُ .
15 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ العَبدَ لا يَقدِرُ على أن يَخدِمَ رَبَّينِ ، ولا مَحالَةَ أنّهُ يُؤثِرُ أحدَهُما علَى الآخَرِ وإن جَهِدَ ، كذلكَ لا يَجتَمِعُ لَكُم حُبُّ اللهِ وحُبُّ الدُّنيا .
16 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ شَرَّ النّاسِ لَرجُلٌ عالِمٌ آثَرَ دُنياهُ على عِلمِهِ ، فأحَبَّها وطَلَبَها وجَهِدَ علَيها ؛ حتّى لَوِ استَطاع أن يَجعَلَ النّاسَ في حَيرَةٍ لَفَعَلَ ، وماذا يُغني عَنِ الأعمى سَعَةُ نُورِ الشَّمسِ وهُو لا يُبصِرُها ؟! كذلكَ لايُغني عَنِ العالِمِ عِلمُهُ إذ هُو لَم يَعمَلْ بهِ . ما أكثَرَ ثِمارَ الشَّجَرِ ولَيسَ كُلُّها يَنفَعُ ويُؤكَلُ ! وما أكثَرَ العُلَماءَ ولَيسَ كُلُّهُم يَنتَفِعُ بماعَلِمَ ! وما أوسَعَ الأرضَ ولَيسَ كُلُّها تُسكَنُ ! وما أكثَرَ المُتَكلِّمِينَ ولَيسَ كُلُّ كَلامِهِم يُصَدَّقُ ! فاحتَفِظوا مِن العُلَماءِ الكَذَبَةِ الّذينَ علَيهِم ثِيابُ الصُّوفِ ، مُنَكِّسي رُؤوسِهِم إلَى الأرضِ ، يُزَوِّرونَ بهِ الخَطايا ، يَرمُقونَ مِن تَحتِ حَواجِبِهِم كما تَرمُقُ الذِّئابُ ، وقَولُهُم يُخالِفُ فِعلَهُم ، وهَل يُجتَنى مِن العَوسَجِ العِنَبُ ؟! ومِنَ الحَنظَلِ التِّينُ ؟! وكذلكَ لا يُؤَثِّرُ قَولُ العالِمِ الكاذِبِ إلّا زُوراً ، ولَيس كُلُّ مَن يَقولُ يَصدُقُ .
17 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ الزَّرعَ يَنبُتُ في السَّهلِ ولا يَنبُتُ في الصَّفا ، وكذلك الحِكمَةُ تَعمُرُ في قَلبِ المُتَواضِعِ ولاتَعمُرُ في قَلبِ المُتَكبِّرِ الجَبّارِ . ألَم تَعلَموا أنّهُ مَن شَمَخَ برَأسِهِإلَى السَّقفِ شَجَّهُ ، ومَن خَفَضَ برَأسِهِ عَنهُ استَظَلَّ تَحتَهُ وأكنَّهُ ؟! وكذلكَ مَن لَم يَتَواضَعْ للهِ خَفَضَهُ ، ومَن تَواضَعَ للهِ رَفَعَهُ ، إنّهُ لَيسَ على كُلِّ حالٍ يَصلُحُ العَسَلُ في الزِّقاقِ ، وكذلكَ القُلوبُ لَيسَ على كُلِّ حالٍ تَعمُرُ الحِكمَةُ فيها . إنّ الزِّقَّ مالَم يَنخَرِقْ أو يَقحَلْ أو يَتفُلْ فسَوفَ يَكونُ لِلعَسَلِ وِعاءً ، وكذلكَ القُلوبُ مالَم تَخرِقْها الشَّهَواتُ ويُدَنِّسْها الطَّمَعُ ويُقَسِّها النَّعيمُ فسَوفَ تَكونُ أوعِيَةً للحِكمَةِ .
18 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! مَن نَظَرَ إلَى الحَيَّةِ تَؤُمُّ أخاهُ لِتَلدَغَهُ ولَم يُحَذِّرْهُ حتّى قَتَلَتْهُ فلا يَأمَنْ أن يَكونَ قَد شَرِكَ في دَمِهِ ! وكذلكَ مَن نَظَرَ إلى أخيهِ يَعمَلُ الخَطيئةَ ولَم يُحَذِّرْهُ عاقِبَتَها حتّى أحاطَت بهِ فلا يأمَنْ أن يَكونَ قَد شَرِكَ في إثمِهِ ! ومَن قَدَرَ على أن يُغَيِّرَ الظّالِمَ ثُمّ لَم يُغَيِّرْهُ فهُو كفاعِلِهِ ! (....)
19 - وَيلَكُم ياعَبيدَ السَّوءِ ! كَيفَ تَرجُونَ أن يؤمِنَكُمُ اللهُ مِنفَزَعِ يَومِ القِيامَةِ وأنتُم تَخافُونَ النّاسَ في طاعَةِ الله ، وتُطيعونَهُم في مَعصيَتِهِ ، وتَفُونَ لَهُم بِالعُهودِ النّاقِضَةِ لِعَهدِهِ ؟! بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! لايُؤمِنُ الله مِن فَزَعِ ذلكَ اليَومِ مَنِ اتّخَذَ العِبادَ أرباباً مِن دُونِهِ .
20 - وَيلَكُم يا عَبيدَ السَّوءِ ! مِن أجلِ دُنيا دَنِيَّةٍ وشَهوَةٍ رَدِيَّةٍ تُفَرِّطونَ في مُلكِ الجَنَّةِ ، وتَنسَونَ هَولَ يَومِ القِيامَةِ !
21 - وَيلَكُم يا عَبيدَ الدّنيا ! مِن أجلِ نِعمَةٍ زائلَةٍ وحَياةٍ مُنقَطِعَةٍ تَفِرُّونَ مِن
اللهِ وتَكرَهونَ لِقاءهُ ؟! فكَيفَ يُحِبُّ اللهُ لِقاءكُم وأنتُم تَكرَهونَ لِقاءهُ ؟! فإنّما يُحِبُّ اللهُ لِقاءَ مَن يُحِبُّ لِقاءهُ ، ويَكرَهُ لِقاءَ مَن يَكرَهُ لِقاءهُ ، وكَيفَ تَزعُمون أنَّكُم أولياءُ اللهِ مِندُونِ النّاسِ وأنتُم تَفِرُّونَ مِن المَوتِ وتَعتَصِمونَ بِالدُّنيا ؟ (....)
22 - ماذا يُغني عَنِ البَيتِ المُظلِمِ أن يُوضَعَ السِّراجُ فَوقَ ظَهرِهِ وجَوفُهُ وَحشٌ مُظلِمٌ ؟! كذلكَ لا يُغني عَنكُم أن يَكونَ نُورُ العِلمِ بأفواهِكُم وأجوافُكُم مِنهُ وَحشَةٌ مُعَطّلَةٌ !
فأسْرِعوا إلى بُيوتِكُم المُظلِمَةِ فأنِيروا فيها ، كذلكَ فأسرِعوا إلى قُلوبِكُمُ القاسِيَةِ بِالحِكمَةِ قَبلَ أن تَرِينَ علَيها الخَطايا فتَكونَ أقسى مِن الحِجارَةِ .
23 - كَيفَ يُطيقُ حَملَ الأثقالِ مَن لا يَستَعينُ على حَملِها ؟! أم كَيفَ تُحَطُّ أوزارُ مَن لا يَستَغفِرُ اللهَ مِنها ؟! أم كَيفَ تَنقى ثِيابُ مَن لا يَغسِلُها ؟! وكَيفَ يَبرأُ مِن الخَطايا مَن لا يُكفِّرُها ؟! أم كَيفَ يَنجو مِن غَرَقِ البَحرِ مَن يَعبُرُ بِغَيرِ سَفينَةٍ ؟! وكَيفَ يَنجُو مِن فِتَنِ الدُّنيا مَن لَم يُداوِها بِالجِدِّ والاجتِهادِ ؟! وكَيفَ يَبلُغُ مَن يُسافِرُ بغَيرِ دَليلٍ ؟! وكَيفَ يَصيرُ إلَى الجَنَّةِ مَن لا يُبصِرُ مَعالِمَ الدِّينِ ؟! وكَيفَ يَنالُ مَرضاةَ اللهِ مَن لا يُطيعُهُ ؟! وكَيفَ يُبصِرُ عَيبَ وَجهِهِ مَن لا يَنظُرُ في المِرآةِ ؟! وكَيفَ يَستَكمِلُ حُبَّ خَليلِهِ مَن لا يَبذُلُ لَهُ بَعضَ ما عِندَهُ؟! وكَيفَ يَستَكمِلُ حُبَّ رَبِّهِ مَن لا يُقرِضُهُ بَعضَ ما رَزقَهُ ؟!
24 - بحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّهُ كما لا يَنقُصُ البَحرَ أن تَغرَقَ فيهِ السَّفينَةُ ولا يَضُرُّهُ ذلكَ شيئاً ، كذلكَ لا تَنقُصونَ اللهَ بِمَعاصِيكُم شيئاً ولا تَضُرُّونَهُ ، بَل أنفسَكُم تَضُرُّونَ وإيّاها تَنقُصونَ . وكما لا تَنقُصُ نورُ الشَّمسِ كَثرَةُ مَن يَتَقَلَّبُ فيها بَل بهِ يَعيشُ ويَحيى ، كذلكَ لا يَنقُصُ اللهَ كثَرَةُ ما يُعطيكُم ويَرزُقُكُم ، بَل برِزقِهِ تَعيشُونَ وبهِ تَحيَونَ ، يَزيدُ مَن شَكرَهُ إنّهُ شاكِرٌ عَلِيمٌ .
25 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّهُ كما يَنظُرُ المَريضُ إلى طَيِّبِ الطَّعامِ فلا يَلتَذُّهُ مَع ما يَجِدُهُ مِن شِدَّةِ الوَجَعِ ، كذلكَ صاحِبُ الدُّنيا لا يَلتَذُّ بِالعِبادَةِ ولا يَجِدُ حَلاوَتَها مَع ما يَجِدُ مِن حُبِّ المالِ ! (....)
26 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنَّ كُلَّ النّاسِ يُبصِرُ النُّجومَ ولكنْ لا يَهتَدي بِها إلّا مَن يَعرِفُ مَجارِيَها ومَنازِلَها ، وكذلكَ تَدرُسونَ الحِكمَةَ ولكنْ لا يَهتَدي لَها مِنكُم إلّا مَن عَمِلَ بِها . وَيلَكُم ياعَبيدَ الدُّنيا ! نَقُّوا القَمحَ وطَيِّبُوهُ ! وأدِقُّوا طَحنَهُ تَجِدوا طَعمَهُ [وَ] يَهْنِئكُم أكلُهُ ، كذلكَ فأخلِصوا الإيمانَ ! تَجِدوا حَلاوَتَهُ ويَنفَعْكُم غِبُّهُ .
27 - وَيلَكُم يا عَبيدَ الدُّنيا ! لا كَحُكَماءَ تَعقِلونَ ، ولا كَحُلَماءَ تَفقَهونَ ، ولا كَعُلَماءَ تَعلَمونَ ، ولا كَعَبيدٍ أتقِياءٍ ، ولا كأحرارٍ كِرامٍ ، تُوشِكُ الدُّنيا أن تَقتَلِعَكُم من اُصولِكُم فتَقلبَكُم على وُجوهِكُم ، ثُمّ تَكُبَّكُم على مَناخِرِكُم ، ثُمّ تأخُذَ خَطاياكُم بِنَواصِيكُم ويَدفَعَكُم العِلمُ مِن خَلفِكُم حتّى يُسَلِّماكُم إلَى المَلِكِ الدَّيّانِ عُراةً فُرادى ، فيَجزِيَكُم بِسُوءِ أعمالِكُم .
28 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنَّ صِغارَ الخَطايا ومُحَقَّراتِها لَمِن مَكائدِ إبليسَ ، يُحَقِّرُها لَكُم ويُصَغِّرُها في أعيُنِكُم ، فتَجتَمِعُ فتَكثُرُ وتُحيطُ بِكُم ! .
29 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ المِدحَةَ بِالكِذبِ والتَّزكِيَةَ في الدِّينِ لَمِن رأسِ الشُّرورِ المَعلومَةِ ، وإنّ حُبَّ الدُّنيا لَرأسُ كُلِّ خَطيئَةٍ .
30 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ كُلَّ عَمَلِ المَظلومِ الّذي لَم يَنتَصِرْ بِقَولٍ ولا فِعلٍ ولا حِقدٍ هُو في مَلَكوتِ السَّماءِ عَظيمٌ ، أيُّكُم رأى نُوراً اسمُهُ ظُلمَةٌ أو ظُلمَةً اسمُها نُورٌ ؟! كذلكَ لا يَجتَمِعُ لِلعَبدِ أنْ يَكونَ مُؤمِناً كافِراً ، ولا مُؤثِراً لِلدُّنيا راغِباً في الآخِرَةِ . وهَل زارِعُ شَعيرٍ يَحصِدُ قَمحاً ؟ أو زارِعُ قَمحٍ يَحصِدُ شَعيراً ؟! كذلكَ يَحصِدُ كُلُّ عَبدٍ في الآخِرَةِ ما زَرَعَ ، ويُجزى بما عَمِلَ .
31 - بحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ الناسَ في الحِكمَةِ رجُلانِ : فَرجُلٌ أتقَنَها بقَولِهِ وضَيَّعَها بسُوءِ فِعلِهِ ، ورجُلٌ أتقَنَها بقَولِهِ وصَدَّقَها بفِعلِهِ ، وشَتّانَ بَينَهُما ! فطُوبى لِلعُلَماءِ بِالفِعلِ ، ووَيلٌ لِلعُلَماءِ بِالقَولِ !
32 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! مَن لا يُنَقِّي مِن زَرعِهِ الحَشيشَ يَكثُرُ فيهِ حتّى يَغمُرَهُ فيُفسِدَهُ ، وكذلكَ مَن لا يُخرِجُ مِن قَلبِهِ حُبَّ الدُّنيا يَغمُرُهُ حتّى لا يَجِدَ لِحُبِّ الآخِرَةِ طَعماً . وَيلَكُم ياعَبيدَ الدُّنيا ! اتَّخِذوا مَساجِدَ ربِّكُم سُجوناً لأجسادِكُم ! واجعَلوا قُلوبَكُم بُيوتاً لِلتَّقوى ! ولا تَجعلوا قُلوبَكُم مَأوىً لِلشَّهَواتِ !
33 - وَيلَكُم يا عُلَماءَ السَّوءِ ! ألَم تَكونوا أمواتاً فأحياكُم فلَمّا أحياكُم مِتُّم ؟! وَيلَكُم ، ألَم تَكونوا اُمِّيّينَ فَعَلَّمَكُم فلَمّا عَلَّمَكُم نَسِيتُم ؟! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا جُفاةً فَفَقَّهَكُمُ اللهُ فلَمّا فَقَّهَكُم جَهِلتُم ؟! وَيلَكُم! ألَم تَكونوا ضُلّالاً فَهَداكُم فلَمّا هَداكُم ضَلَلتُم ؟! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا عُمياً فبَصَّرَكُم فلَمّا بَصَّركُم عَمِيتُم ؟! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا صُمّاً فأسمَعَكُم فلَمّا أسمَعَكُم صَمَمتُم؟! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا بُكماً فأنطَقَكُم فلَمّا أنطَقَكُم بَكِمتُم ؟! وَيلَكُم ، ألَم تَستَفتِحوا فلَمّا فُتِحَ لَكُم نَكَصتُم على أعقابِكُم ؟! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا أذِلَّةً فأعَزَّكُم فلَمّا عَزَزتُم قَهَرتُم واعتَدَيتُم وعَصَيتُم ؟! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا مُستَضعَفِينَ في الأرضِ تَخافُونَ أن يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ فنَصَرَكُم وأيَّدَكُم فلَمّا نَصَرَكُمُ استَكبَرتُم وتَجَبَّرتُم ؟! فيا وَيلَكُم مِن ذُلِّ يَومِ القِيامَةِ ! كَيفَ يُهِينُكُم ويُصَغِّرُكُم ؟! ويا وَيلَكُم يا عُلَماءَ السَّوءِ ! إنَّكُم لَتَعمَلونَ عَمَلَ المُلحِدينَ ، وتأمُلونَ أمَلَ الوارِثينِ ، وتَطمَئنّونَ بِطُمَأنِينَةِ الآمِنينَ ، ولَيس أمرُ اللهِ على ما تَتَمَنَّونَ وتَتَخَيَّرونَ ، بَل لِلمَوتِ تَتَوالَدُونَ ، ولِلخَرابِ تَبنُونَ وتَعمُرونَ ، ولِلوارِثينَ تُمَهِّدونَ .
34 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ موسى عليه السلام كانَ يأمُرُكُم أن لا تَحلِفوا باللهِ كاذِبينَ ، وأنا أقولُ : لاتَحلِفوا باللهِ صادِقينَ ولا كاذِبينَ ! ولكنْ قُولوا : لا ، ونَعَم .
35 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! ماذا يُغني عن الجَسَدِ إذا كانَ ظاهِرُهُ صَحيحاً وباطِنُهُ فاسِداً ؟ وما تُغني عَنكُم أجسادُكُم إذا أعجَبَتكُم وقد فَسَدَت قُلوبُكُم ؟! وما يُغني عَنكُم أن تُنَقُّوا جُلودَكُم وقُلوبُكُم دَنِسَةٌ ؟!
36 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! لا تَكُونوا كالمُنخُلِ يُخرِجُ الدَّقيقَ الطَّيِّبَ ويُمسِكُ النُّخالَةَ ، كذلكَ أنتُم تُخرِجونَالحِكمَةَ مِن أفواهِكُم ويَبقَى الغِلُّ فيصُدورِكُم !
37 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! اِبدَؤوا بِالشَّرِّ فاترُكوهُ ، ثُمّ اطلُبوا الخَيرَ يَنفَعْكُم ، فإنَّكُم إذا جَمَعتُمُ الخَيرَ مَع الشَّرِّ لَم يَنفَعْكُم الخَيرُ .
38 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! طُوبى لِلّذينَ يَتَهَجَّدونَ مِن اللَّيلِ ! اُولئكَ الّذين
يَرِثونَ النُّورَ الدّائمَ ؛ مِن أجلِ أنّهُم قامُوا في ظُلمَةِ اللَّيلِ على أرجُلِهِم في مَساجِدِهِم يَتَضَرَّعونَ إلى ربِّهِم رَجاءَ أن يُنَجِّيَهُم في الشِّدَّةِ غَداً .
39 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ الدُّنيا خُلِقَت مَزرَعةً تَزرَعُ فيها العِبادُ الحُلوَ والمُرَّ والشَّرَّ والخَيرَ ، والخَيرُ لَهُ مَغَبَّةٌ نافِعَةٌ يَومَ الحِسابِ ، والشَّرُّ لَهُ عَناءٌ وشَقاءٌ يَومَ الحَصادِ .
40 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ الحَكيمَ يَعتَبِرُ بِالجاهِلِ ، والجاهِلَ يَعتَبِرُ بِهَواهُ ، اُوصِيكُم أن تَختِموا على أفواهِكُم بِالصَّمتِ حتّى لايَخرُجَ مِنها ما لا يَحِلُّ لَكُم .
41 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنَّكُم لا تُدرِكونَ ما تَأمَلونَ إلّا بِالصَّبرِ على ماتَكرَهونَ ، ولا تَبتَغونَ ما تُريدونَ إلّا بِتَركِ ماتَشتَهونَ .
42 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! يا عَبيدَ الدُّنيا ! كَيفَ يُدرِكُ الآخِرَةَ مَن لاتَنقُصُ شَهوَتُهُ مِن الدُّنيا ولا تَنقَطِعُ مِنها رَغبَتُهُ ؟ !
43 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : ياعَبيدَ الدُّنيا ! إنّ أحَدَكُم يُبغِضُ صاحِبَهُ علَى الظَّنِّ ، ولا يُبغِضُ نَفسَهُ علَى اليَقينِ . بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ أحَدَكُم لَيَغضَبُ إذا ذُكِرَ لَهُ بَعضُ عُيوبِهِ وهِي حَقٌّ ، ويَفرَحُ إذا مُدِحَ بما لَيسَ فيهِ .
44 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ الزَّرعَ لا يَصلُحُ إلّا بِالماءِ والتُّرابِ ، كذلكَ الإيمانُ لا يَصلُحُ إلّا بِالعِلمِ والعَمَلِ .
45 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ الماءَ يُطفِئُ النّارَ ، كذلكَ الحِلمُ يُطفِئُ الغَضَبَ .
46 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّهُ لا يَكونُ مَطَرٌ بِغَيرِ سَحابٍ ، كذلكَ لا يَكونُ عَمَلٌ في مَرضاةِ الرَّبِّ إلّا بِقَلبٍ نَقِيٍّ .
47 - بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ! إنّ نَقلَ الحِجارَةِ مِن رُؤوسِ الجِبالِ أفضَلُ مِن أن تُحَدِّثَ مَن لا يَعقِلُ عَنكَ حَديثَكَ ، كمَثَلِ الّذي يَنقَعُ الحِجارَةَ لِتَلِينَ ، وكمَثَلِ الّذي يَصنَعُ الطَّعامَ لأهلِ القُبورِ ! (....) طُوبى لِمَن تَعَلَّمَ مِن العُلَماءِ ما جَهِلَ ! وعَلَّمَ الجاهِلَ مِمّا عَلِمَ . طُوبى لِمَن عَظَّمَ العُلَماءَ لِعِلمِهِم وتَرَكَ مُنازَعَتُهم ! وصَغَّرَ الجُهّالَ لِجَهلِهِم ولا يَطرُدُهُم ولكنْ يُقَرِّبُهُم ويُعَلِّمُهُم .
48 - وقالَ عليه السلام : يَقولُ اللهُ تباركَ وتعالى : يَحزَنُ عَبدِي المؤمنُ أن أصرِفَ عَنهُ الدُّنيا ، وذلكَ أحَبُّ ما يَكونُ إلَيَّ وأقرَبُ ما يَكونُ مِنّي ، ويَفرَحُ أن اُوَسِّعَ علَيهِ في الدُّنيا ، وذلَكَ أبغَضُ ما يَكونُ إلَيَّ وأبعَدُ ما يَكونُ مِنّي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
[ لا تنسوني ووالِدَيّ من خالص دعائكم ]
وآخِرُ دَعْوانا
۞.... أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلهِ رَبِّ ٱلۡعَالَمِین ۞