بسم الله الرحمن الرحيم
وبه تبارك وتعالى نستعين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
عن ابن عباس
قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان جالسا ذات يوم إذا أقبل الحسن
( عليه السلام ) فلما رآه بكى
ثم قال : إلى إلى يا بنى ، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى ، ثم أقبل
الحسين ( عليه السلام ) فلما رآه بكى ثم قال إلى إلى يا بني فما زال يدنيه حتى أجلسه
على فخذه اليسرى ، ثم أقبلت فاطمة عليها السلام فلما رآها بكى ثم قال إلى إلى يا بنية
فأجلسها بين يديه ، ثم أقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فلما رآه بكى ، ثم قال إلى إلى يا
أخي فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن .
فقال له أصحابه : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت ، أو
ما فيهم من تسر برؤيته ؟ فقال ( عليه السلام ) : والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع
البرية إني وإياهم لاكرم الخلق على الله عز وجل ، وما على وجه الأرض
نسمة أحب إلى منهم .
أما علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فإنه أخي وشقيقي ، وصاحب الامر بعدي
وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، وصاحب حوضي وشفاعتي ، وهو مولى كل
مسلم وإمام كل مؤمن ، وقائد كل تقي ، وهو وصيي وخليفتي على أهلي و
أمتي في حياتي وبعد موتي ، محبه محبي ، ومبغضه مبغضي ، وبولايته صارت
أمتي مرحومة ، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة ، وإني بكيت حين أقبل
لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتى أنه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله
له بعدي ، ثم لا يزال الامر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته
في أفضل الشهور " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من
الهدى والفرقان " .
وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، وهي
بضعة مني ، وهي نور عيني ، وهي ثمرة فؤادي ، وهي روحي التي بين جنبي ،
وهي الحوراء الا نسية متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها
لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ، ويقول الله عز وجل لملائكته يا
ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي
وقد أقبلت بقلبها على عبادتي ، أشهدكم أني قد آمنت شيعتها من النار ، وإني
لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأني بها وقد دخل الذل بيتا وانتهكت
حرمتها ، وغصبت حقها ، ومنعت إرثها ، وكسرت جنبتها ، وأسقطت جنينها ،
وهي تنادي يا محمداه ، فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة
مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة ، وتتذكر فراقي أخرى ، و
تستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن
ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة ، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى
ذكره بالملائكة ، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة " إن الله
اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين " يا فاطمة " اقنتي لربك واسجدي .
واركعي من الراكعين " .
ثم يبتدى بها الوجع ، فتمرض فيبعث الله عز وجل إليها مريم بنت عمران
تمرضها وتؤنسها في علتها ، فتقول عند ذلك : يا رب إني قد سئمت الحياة ، و
تبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي ، فيلحقها الله عز وجل بي فتكون أول من
يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم على محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة ، فأقول
عند ذلك " اللهم العن من ظلمها ، وعاقب من غصبها ، وذلل من أذلها ،
وخلد في نارك من ضرب جنبيها ، حتى ألقت ولدها " فتقول الملائكة عند ذلك
آمين .
وأما الحسن ( عليه السلام ) فإنه ابني وولدي ، ومني وقرة عيني ، وضياء قلبي ، وثمرة
فؤادي ، وهو سيد شباب أهل الجنة ، وحجة الله على الأمة ، أمره أمري ، وقوله
قولي ، من تبعه فإنه مني ، ومن عصاه فليس منى ، وإني لما نظرت إليه تذكرت
ما يجري عليه من الذل بعدي ، فلا يزال الامر به حتى يقتل بالسم ظلما وعدوانا
فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته ، ويبكيه كل شئ حتى الطير
في جو السماء ، والحيتان في جوف الماء ، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون
ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه
على الصراط ، يوم تزل فيه الاقدام .
وأما الحسين ( عليه السلام ) فإنه منى ، وهو ابني وولدي ، وخير الخلق بعد أخيه
وهو إمام المسلمين ، ومولى المؤمنين ، وخليفة رب العالمين ، وغياث المستغيثين ،
وكهف المستجيرين ، وحجة الله على خلقه أجمعين ، وهو سيد شباب أهل الجنة
وباب نجاة الأمة ، أمره أمري ، وطاعته طاعتي ، من تبعه فإنه مني ، ومن عصاه
فليس مني ، وإني لما رأيته تذكرت ما يصنع به بعدي ، كأني به وقد استجار
بحرمي وقربي فلا يجار ، فأضمه في منامي إلى صدري وآمره بالرحلة عن دار
هجرتي ، وأبشره بالشهادة فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه ، أرض .
كرب وبلاء ، وقتل وفناء ، تنصره عصابة من المسلمين أولئك من سادة شهداء أمتي
يوم القيامة ، كأني أنظر إليه وقد رمي بسهم فخر عن فرسه صريعا ثم يذبح كما
يذبح الكبش مظلوما ، ثم بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبكى من حوله ، وارتفعت أصواتهم
بالضجيج ثم قام ( عليه السلام ) وهو يقول اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي ،
ثم دخل منزله
المصادر
رواه الشيخ الصدوق في الأمالي ص 175 ، والديلمي في إرشاد القلوب ص 295 ، وابن قولويه في كامل الزيارات 145 ، وابن شاذان في الفضائل ص 9 ، والحلي في المحتضر ص110 ، وأبن نما في مثير الأحزان ص 12 والطبري في بشارة المصطفى ص 306 ، والمجلسي في البحار ج 28 ص 27 والحر العاملي في إثبات الهداية ج 1 ص 280 .