بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾.[1]
نلاحظ أن الله تعالى؛ على حسب دأبه في الكتاب العزيز، أرفد الوعد بالوعيد بقوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ﴾.
أما معنى الآية فهو عامّ لكل من آمن وعمل صالحا ولا ينافي ذلك ما يستفاد منها بملاحظة السياق وهو أنّ الإيمان إيمانهم بالملك العظيم في قبال كفر غيرهم به.
والعمل الصالح هو حبّ الناس بما آتاهم الله من فضله في قبال حسد غيرهم عليه، ولا يخفى أنّ السياق، كالمورد لا يخصّص معنى الآية، والله العالم.
وممّا يستفاد من جريان الأنهار من تحت الجنّات بقاء طراوتها ونضارتها وعدم ظهور الكسالة من الخلود الأبدي فيها؛ كما قال تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾[2]، ثمّ قال: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾[3]، وذلك لتكميل العيش في مشاهدة جمال الرّب؛ لأنّ خلق الأزواج لسكونة النفس ومبادلة المودّة والرّحمة؛ كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[4]، إلاّ أنّهنّ في الدنيا مبتليات بالآفات والأدناس، كسائر الأمور الدنيويّة، وفي الجنّة مطهّرات منها.
طهرت من الحيض والنفاس، ومن سائر العيوب والأدناس، والأخلاق الذميمة والطباع الرديئة، ولا يفعلن ما يوحش أزواجهنّ، ولا يوجد فيهنّ ما ينفّر عنهنّ.
﴿وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾، الظل الظليل الغامر بظلّه البارد على الإنسان في قبال حرّ الشمس الضاحية او المحجوبة بحجاب شفّاف.
وهو صفة مشتقّة من الظلّ لتأكيده، كقولهم: شمس شامس، ويوم أيوم، وليل أليل، وداهية دهياء.
والمعنى: ندخلهم فينانا لا جوب فيه، أي: كثير الأفنان منبسطا متّصلا لا فرج فيه، لشدّة التفاف الأشجار دائما لا تنسخه الشمس. وهو إشارة إلى النعمة التامّة الدائمة.
﴿لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾، من كافة الأدناس والأرجاس المادية كالحيض والنفاس والمرض والهرم والمعنوية كسوء الأخلاق وعدم السلوك ﴿ونُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً﴾، غامرا لهم براحته فلا يضحون فتتأثر أبدانهم ولا يخالطهم فيها إيذاء من أي نوع كان فيتمنون زواله بغيره ممّا يريحهم.
ويمكن أن يكون المراد من الظلّ قرب الوصول إليه تعالى في الجنّة، فإنّ المؤمن في هذه الدنيا وإن كان قريب الوصول إليه تعالى، ولكنّه في عالم الجنّة أقرب، فادخله في ظلاله وإن ظلّه جلّ شأنه عليه دائما لا ينفع. كما يمكن أن يكون المراد من الظلّ خلع المؤمن الكثافات الجسمانيّة عن نفسه وتنزّهه عنها في ذلك العالم، فكما أنّ الظلّ شيء، ولكنّه مجرّد عن الكثافة كذلك المؤمن لتناسب المكين مع المكان، وإنّ شرف المكان بالمكين، فيدخل اللّه تعالى المؤمن الجنّة بعد تطهيره عن الكثافات الجسمانيّة، كما دلّت عليه آيات شريفة وروايات كثيرة في وصف أهل الجنة يأتي التعرّض لهما إن شاء اللّه تعالى.
وقد عبّر عن المجرّدات بالظلّ في لسان الأئمة عليهم السّلام كثيرا؛ للإشارة إلى أنّ المجرّدات قد يكون من الجواهر، فإنّها شيء لا كالأشياء، فعبّر عن عالم الذرّ بعالم الظلّ.
وقال السيد عبد الأعلى السبزواري(ره) في تفسير المقطع: {ففي حديث مفضل: "كَيْفَ كُنْتُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي اَلْأَظِلَّةِ فَقَالَ يَا مُفَضَّلُ كُنَّا عِنْدَ رَبِّنَا لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ غَيْرُنَا فِي ظُلَّةٍ خَضْرَاءَ[5]"، فهو كناية عن قدسية أرواحهم الشريفة، وأنّها كانت من القرب المعنوي الى المبدأ الأعلى، وفي حديث صفات الباري جلّ شأنه: "أزليّا صمديّا لا ظلّ يمسكه، وهو يمسك الأشياء بأظلّتها"}[6].
وكيف كان، فإنّ الآية المباركة تبيّن عظيم جزاء أهل الجنّة، وتصوّره بأعظم صورة في أحسن أسلوب وأبدع عبارة، تنشرح النفوس عند سماعها، ويشتاق الإنسان الى تلك النعمة العظيمة، رزقنا الله تعالى التفيؤ في تلك الظلال الوارفة برحمته الواسعة، فإنّه أرحم الراحمين.
[1] سورة النساء، الآية: 57.
[2] سورة الكهف، الآية: 108.
[3] سورة البقرة، الآية: 25.
[4] سورة الروم، الآية: 21.
[5] الكافي، ج 1، ص 441.
[6] مواهب الرحمن في تفسير القرآن، ج 8، ص 290.