النموذج المجاهد في رواية( قلب بلا قناع) للكاتبة د. رجاء محمد بيطار
علي حسين الخباز
من الامور النادرة ان اقف منبهرا امام قراءة منجز أدبي لكون هذه الرواية من الروايات المتعددة الرؤى المنفتحة على تعددية القراءة المرتكزة على بنى تشكل جواذب التلقي ، سعيت الى هذه المقدمة لأعرف بمكانة المتلقي عند الروائية رجاء محمد بيطار التي منحته سلطة المعنى.
عندما يكون الاهداء الى مولاي علي بن الحسين علي الاكبر سلام الله عليهما ،من المؤكد ان الرواية ستأخذ العديد من المناخات الابداعية مثل انسانية الرؤى ،فلسفة الوجود، الحياة ــ الموت، الحرية، عدالة القضية والدين، وتتسع الرؤى الى مديات اوسع... الى السؤال التاريخي :ـ السنا على الحق؟ ( اذا لا نبالي وقعنا على الموت ام وقع الموت علينا)...
السؤال المهم حين يكون الاهداء بهذا الرقي والرؤية والوجدان المتوثب بالشجاعة، الم يكن الجواب بعوالم منفتحة على قوة انتقاء الفكرة والشخصيات والمفاهيم الحياتية، الايمان والبعد الفكري بناء العلاقات ووقائع الحياة، السلم والحرب والتصور والمعرفة وجوهر الهوية والانتماء، تقول في مقدمتها (هي ليست الا جزءا من الذات ترويه الكلمات).
لهذا صار اختيار القراءة عن النموذج المجاهد، كون هذا الجوهر ينفتح على جميع البنى التدوينية ويكشف عن طبيعة المنجز، فالشخصيات الواقعية باختلاف مكانتها /تفكيرها /رؤاها /الميول /والطباع والثقافة والبنية، وما بين لبنان وامريكا من قيم تختلف، دلائل تهيمن على رسم معالم كل هوية، هنا الجبل واكوام البلان وشجيرات الوزال والمنحدرات الصخرية والبدلات المرقطة والقصف والقذائف واشجار الزيتون وبنادق الثوار والعطر والطيف و(يا الله) التي تشرق في كل صوت مئذنة وصلاة،
قدمت الكاتبة الوطن والوطنية بثوب المقاومة، وعبرت من خلال السرد والحوار إلى اظهار انسانية الانسان، وجعلت من الوطن /البيت / القرية/ المشفى /باعتبارها هوية وطن، وتهتم بشخوصها لترسخ في ذهن المتلقي افكارهم ومواقفهم.
ويبقى سرد التفاصيل رهين المتابعة والحراك الفاعل بين الانسان ومعطيات الطبيعة و حيوية الغصون والشجر، وبطولة الشخصيات بعيدا عن محورية الاحداث؛ ليس هناك بطل محوري ،جميعهم ابطال ولهم ادوار مهمة في مواجهة القوى الغاشمة المعتدية على الوطن مثل صالح، احمد، محمد، الجد ،جميع بنات ضيعة (عين النسر) وهي من المناطق المحررة، تعاملت مع الشخصيات السلبية بهوية انعزالية لها افكارها وغرورها وسلوكها الخشن في الحياة، وسعت الكاتبة رجاء بيطار الى اهمال قصدي للنمطية من الشخصيات والارتكاز على فاعلية التكوين سلبا وايجابا، اي بمعنى انها تعتني بالبعد النفسي والوجداني.
ملخص الرواية في سرد معاناة القرى المحررة، والتي تتعرض دائما الى القصف الاسرائيلي ، فتتعرض عائلة الدكتور صالح وعائلة الدكتور محمد الى القصف ،وقتل الجد وهو مؤذن الجامع وكبير (عين النسر)، وفي جهة اخرى في المشفى تعرض الدكتور صالح الى قصف اثر انقاذه لاحد المقاتلين، يضطر الى الانتقال من بيروت الى امريكا ،الدولة التي امتلكت العلم و ضيعت انسانيتها وصارت بلا هوية، وفي امريكا جرت احداث هي اقرب للخيال، تريد ان تقول ( اذا فقد الانسان هويته يستطيع ان يغلب الشيطان بمكره).
تروي لنا احداث، تعرفنا على ابجديات ذلك الانتماء تعرفنا بالشيخ ابي حسين الجد (او ليس هو من سيرفع الاذان عند الفجر لينبه النائمين ويوقف الغافلين وينفض غبار الكسل عن اجفان الليل وبقايا الندى عن وجنات الزهر)
اذان الفجر له مقام مميز عنده ،كان يشعر بانه يحرك جمود الكائنات وينشر في الظلمة قبسا من ضياء، وان كلمات الاذان المنطلقة ملء انفاسه كانت تكتسح الفضاء بأريجها الفواح
(حي على الصلاة/
حي على الفلاح /
وحي على خير العمل)
وكثيرا ما تداخل النداء القدسي المجلجل من حنجرته المتصلة اوتارها بأوتار فؤاده، مع صرخات المجاهدين مع انسلال النور الى اعماق الظلام، الى مواقع الاحتلال الصهيوني وعملائه.
بالمقابل هناك نماذج مجاهدة تقدم الروائية بيطار هويتهم الحقيقية وايمانهم (لا تغفلي عن الدعاء يا ابنتي ،اننا لا نملك الان سوى الدعاء)
مفهوم السرد يسوق لنا رؤية شاملة للحكاية ملخصات سردية تعطي زوايا متعددة تمنحنا التصور وادراك الحدث ،والراوي هنا الكاتبة (ان الحلم نفسه يحمل لها الرعب نفسه في كل مرة منذ غاب اخوها الاكبر ويتبادر المشهد في مخيلتها ثانية وتخشى ان ترويه لأحد فتجتر مخاوفها الثائرة وتتساءل رباه ما معنى كل هذا؟)
ارتبط سرد الحكاية بما يمثل الحياة اليومية والوطن والتاريخ والكاتبة تروي وتحلل ،تسرد وتشخص ،مهمتها البحث عن الهوية وليس سرد الاحداث، تروي الحكاية، حكاية سالم رجل لبناني هاجر الى امريكا وتزوج بأمريكية انجبت له (كريم) ولد مدلل تعرض الى حادث اربكه عقليا ،لتطرح اراء سالم ورأيه في المقاومة ثم تشرح تفصيلا (العمليات التي يقوم بها اولئك الشبان الاشداء الذين لا يمكنه انكار بطولاتهم وجرأتهم وصدق وطنيتهم، فهي دقيقة في اهدافها، ولذا فان الخوف منها ليس منطقيا على اهل المنطقة ولا حتى على امثال سالم ممن يعيشون على ارض الوطن غرباء وعلى ارض الغربة اشباه مواطنين)
اهم ما تحمله الرواية انها قسمت الشخصيات الى محورين محور ابناء البلاد اصحاب الهوية والانتماء والقدرة على اتخاذ القرارات وقراءة المصطلحات بشكلها الحقيقي ،فلا سلم والبلاد محتلة ولا حرية واسرائيل تسيطر على شبر من جنوب لبنان ولا قوة الا بالجهاد ، وفي المحور الثاني سالم وزوجته الامريكية والعالم الذي يعيش بلا انتماء وبلا هوية، وابنهما كريم يعاني فقدان الذاكرة، تسيطر عليه الاوهام والخيالات وكريم يريد البقاء في لبنان فتعترض امه الامريكية لتكشف عن عمق رؤيتها للبنان (اي مكان هو هذا؟ متى كان هذا المكان يعني لك شيئا؟ انك لم تكن تراه الا مرة في السنة)
تشكل متن الرواية بعض الدلالات الموحية للهوية ،مثل ارتداء ثوب الصلاة الابيض بالنسبة لكريم فاقد الذاكرة، وصوت الاذان ولتوصلنا الى فلسفة الواقع الذهني لفاقد الذاكرة وتعطي للرواية ملحها الفلسفي ، يقول كريم وهو يخاطب هناء ابنة عمه (لديك من الافكار والهموم ما يشغلك ،ومن الذكريات ما يلهيك اما انا فليس لدي شيء من ذلك فلمّ لا اتأمل في كل شيء، بل انني اظن ان علي انا بالذات ان اتأمل في كل شيء، لأكوّن لنفسي بديلا عما فقدت، ولاستطيع ان املأ هذا الفراغ الهائل الذي يجتاح فكري ، نعم ان هذه النمال، لست ادري ان فيها الكثير من ما تستحق التأمل ،حشرات صغيرة ضعيفة تقتلها دوسة قدم ،لكنها في الوقت نفسه قوية مثابرة مقاومة تبذل في سبيل الوصول الى هدفها، طعامها، او منزلها كل ما في وسعها... لا تثنيها ضخامة العقبات ولا تيأس من تكرار الفشل انها تحاول وتحاول وتنجح هي او رفيقاتها في النهاية ويكون النجاح دائما من اجل المجموعة لا من اجل الفرد)
فتجيبه ابنة عمه
(انت تحاول دراسة سلوك الحشرات على ما يبدو، وهو حقل جدير بالاهتمام، يشعرنا بعظمة الخلق وضآلة فكرنا في مقابل التدبير الالهي المحكم ،حتى فيما يتعلق بأدق الكائنات)
كيف يستطيع المتلقي ان يدرك ثراء المنجز؟
من الطبيعي ان يكون الجواب :ـ بما يحمل ذلك المنجز من فحوى انساني، يدرك معنى الهوية/ الانتماء/ معالم الثقافة/ الفكر وكثير من الاسئلة التي طرحتها د. رجاء محمد بيطار في روايتها (قلب بلا قناع ).
يطرح معظم النقاد اهمية المرجعيات الثقافية التي يرتكز عليها المبدع، وكيفية بناء العالم الروائي وتوضيح الخلفيات المعرفية. يقول كريم احدى شخصيات الرواية، وهو ابن سالم اللبناني المتجنس بالهوية الامريكية وابن مادلين الامريكية، فاقد الذاكرة :ـ ( انني ابحث عن جذوري، عن الماضي الذي عشت فيه عمري ،منذ ولدت حتى اليوم ،او ليس هذا جديرا بالبحث؟) هذا الحوار يعرفنا المنهل الذي تستقي منه الرواية، المفاهيم و الآراء والبنية الفكرية والثقافية الانسانية، فلا شيء من هذا دون الهوية الخاصة او العامة، البحث عن الجذور، ومفهوم هذه المرجعية ودلالتها عند المتلقي ، تجيبه ابنة عمه هناء: (بلى هو جدير بالبحث كما تقول ،ولكن ماذا تظنه سيجديك نفعا ؟ وسواء عرفت ام لم تعرف ماضيك فهل هذه المعرفة تستحق منك كل هذه الجهد؟)
اسئلة كثيرة تركتها لنا الكاتبة الباحثة اثر هذا الحوار ،هل الهوية ترتبط بالماضي ؟ كيف بنا وقد ورثنا الماضي مجزءا، كل مذهب يرى الماضي برؤيته ،نحن نحتاج الماضي الذي يؤثر في صنع الحياة بما يؤّمن لنا المستقبل، الحوار القيم في الرواية حدد لنا المفاهيم، ليزيل اللبس التاريخي ويصفو الماضي بكبريائه،
ــ (لا تفرط في البحث عن جذور قد تمد اصابعها يوم اليك وتخنق الخير الذي رايته يتحرك اليوم في وجدانك، دع الماضي يمضي ويدفنه النسيان وعش حاضرك بمعزل عنه، فلعل الله اراد بك خيرا حين اتاح لك بعد ذلك الماضي المشؤوم ان تولد من جديد)
في حقيقه التأويل (ان اسمّي الماضي مشؤوما) هذا يعني اني عينت عيوب الماضي ،عيوب التاريخ الذي ورثناه ،وشذبت منه ما هو الصحيح، ورميت اخطاء الماضي الى النسيان ،وانا اؤمن بان من اولى مستندات الهوية هو الجذر الذي اشار اليه كريم، البحث عن الجذر ،هو البحث عن الوعي ،والبحث عن الهوية، هذا الرجل الممسوح الذاكرة يبحث عن معنى الاذان نداء الصلاة وحين وجد الجواب صار باعتقاده ان هذا الامر كان جزءا بارزا من حياة الذاكرة المفقودة ، وهذا ليس الواقع لهذا تعتقد ابنة العم هناء( ان فقدان الذاكرة لهذا الرجل الشرير جاء رحمة وهداية شاء الله ان يخصه بها بعد طول تخبط في متاهات الضلال) فراحت تشرح له معنى الصلاة وكيفيتها ،وهو ظامئ، وصمم على الصلاة بذاكرته الجديدة ،ومن المؤكد ان الكاتبة تعني واقعية الفطرة الاساسية وهذه المرجعية ،مرجعية الدين وهوية الايمان ،الالمام بكل جوانب الرواية... مسألة بعيدة المنال لأنها انفتحت على جميع المنهجيات ،لكننا سنأخذ احد الجوانب المهمة الا وهو الوصف، كانت جمل الوصف تعتمد على الشعرية العالية باعتبارها تقدم عملا ابداعيا ،وكل ابداع لابد ان يمر عبر الزخم الفكري والدلالي والعصف الذهني والشعري، حتى تصف القمر بالهلال منحني الظهر كالعرجون القديم ، قد اثقل كاهله عويل القذائف يشكو الى الباري ظلامته، نجد ان الاشتغال الشعري الذي اشتغلت عليه الروائية رجاء محمد بيطار ، تعمل لإدراك المضمون وخاصة عند مقاطع الوصف (واشرقت بعيد الفجر شمس لطخها النجيع) ومثل هذا الوصف بروح الشعر يكون قريبا من الفكر والروح، يمنحنا الهوية، الشمس والجراح /الوطن والناس
(الشمس راحت تجر اشلاء اشعتها المهشمة بين اشلاء الدخان وتحزم اعضاءها المتناثرة متهيئة للصعود الى قمتها)
هي تشتغل على الرواية شعرا مع انها تدرك معنى ان تكتب رواية وليست قصيدة، الشعر في الرواية له مهام (امام نظر الشمس التي لطخها النجيع) هناك المقاومة التي واجهت العدو بقوة الايمان وهذا معنى الانتماء الى الوطن الى الجرأة والاقدام الى هوية الحسين عليه السلام، كانت الصلاة والدعاء والجد يردد في المهمات (واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة الا على الخاشعين)
الجبهة التي دارت حروبها في البيوت وميادينها الناس والعوائل، احداث حقيقية لكن لا يعتمد تدوينها على نقل سردية المراسلين الحربيين بل تذهب الى الافكار (البيوت الخاوية والقصف الوحشي) ونصف الجراح واصابة فاطمة والبحث بعد ذلك عن سيارة تنقلها الى المشفى، كل جملة لها دلالاتها في (عين النسر) تريد ان ترفع راية هذا الشعب المضمخ بالجراح والويلات على انه شعب متوكل على الله ويرجو النصرة والعون منه، ومن توكل على الله فهو حسبه،
تميزت هذه الرواية بهويتها، حين اصيب الجد يصف جراحه فيقول ( هذا جرح اواسي به جرح ابي عبد الله الحسين عليه السلام، ولطالما اردت ان يقبلني في ركب احبابه) ولهذا يقرر ان يرفع بصوته الاذان الاخير في حياته ،وهو جريح يعاني من سكرات الموت ،ولا يمكن لمثل هذا المشهد ان يمر دون ان تنفخ فيه روح الشعر، ليعمق المشهد شعوريا ( وما ان رفع الشيخ ابي حسين الاذان الاخير الله اكبر أنصت الصامدون من اهل الضيعة وانصتت الاشجار واحجار الحقول وتراب المروج التي تعرف بذار يديه ومحراثه ومعوله، واستمر الصوت يصدح ويعلو فوق هدير الطائرات)
ابرزت لنا الكاتبة الجانب التضحوي في حياة الاطباء اللبنانين
طبيب جريح يجري عملية لاحد الجرحى من ابناء المقاومة ( هادي )، هل نحن بحاجة إلى ان ندرس الشخصية ام ندرس الفكر الذي انجب مقاومين لدرجة التضحية ، نستقرئ الهوية الدكتور صالح الذي سعى لإنقاذ حياة الشهيد هادي لكنه تعرض الى اصابة خطرة ولابد من بتر قدميه لقد اكمل العملية وهو جريح حتى فقد قواه فقد كانت الانسجة تالفة وشدة النزف ادى الى انقطاع الانسجة عنها لمدة طويلة مما أدى الى تلفها ،تأكيد الهوية يحقق الامان ويحفظ كرامة الثوار ونحن نقرأ الرواية’ في حضور الهوية’ الدينية وكل مفردات حياة الانسان المقاوم من الدين والثقافة والتواصل مع الدعاء والمناجاة،
اسرائيل هي ايضا تقايض الإنسان بين الذلة والسلة لهذا صار المحور الفكري هو محور روحي( هيهات منا الذلة ) البعض يذهب بالهوية الى ابعاد اكثر دقة ، فالكتابة عن الهوية في رواية تعني اننا نستقي الرواية كفن من الفنون الابداعية لتعبر عن هويتنا هويه الرواية.. لا تعني ان نكتب باللغة العربية بل ان نكتب بفكر عربي اسلامي هذه الرواية، رواية جعفرية تنتمي لأهل البيت عليهم السلام محورها العزاء ومواساة الحسين عليه السلام ومقاومة المحتل لآخر نفس ،هوية هذه الرواية (لا اعطيكم بيدي )نحن لا نواجه مذهبا يختلف عنا في بعض الاراء، نحن نواجه صهاينة لا علاقة لهم حتى باليهودية نفسها بل اتخذوها ساترا لعنصريتهم كما فعلت داعش ،الدين لا يرتضي الابادة بهذا الشكل المريع لهذا لا يتردد احد ان يقول ان المقاومة شيعية بهوية حسينية، فالدكتور صالح يرى في خبر وقف العدوان بمفهوم اخر (لعل بطن الغول قد امتلأت فما عادت لها شهية الى المزيد) يجيبه الدكتور محمد( بل قل رضخ لجوعه الذي لا يشبع فعلقت في حلقه شوكة لن يستطيع انتزاعها من فمه، فما عاد قادرا على التهام شيء الحمد لله الحمد لله )،البعض من الكتاب يحدثنا عن فوبيا الهويات عن تعددها وعن الهوية الوطنية التي لابد ان تعلو على باقي الهويات، وهذا لا يختلف بشيء عن الهوية التي تبحث عنها الدكتورة رجاء محمد بيطار انها تبحث عن الهوية المقاومة الرافضة للاستعمار باي انتماء عقائدي كانت، كل الاديان ترفض الظلم والاستعمار فما نفع الدين للمتطبعين والراضخين بالذل
الشعوب تعطي قيمة الوطنية من اجل الحفاظ على تماسك الشعب ولا عزة دون هذا الانتماء، دون الهوية، الدين ، فمنهج اهل البيت عليهم السلام ،هو الالتزام بالدفاع عن الوطن والشعب والقيم وخاصة حين نحن نأخذ حرب الهويات. البعض يتحدث عن الحقوق ليخرق الهوية والدكتورة رجاء تتحدث عن الواجب لضمان تلك الحقوق.
بعد تحليل رواية( قلب بلا قناع )تحليلا فنيا للكشف عن خبايا النص الروائي لنذهب الى معنى الهوية المباشرة، الى الوظائف الجمالية والغايات الفنية في هذه الرواية و سنتحدث عن حبكة النص عن سرديات هذا العمل الروائي وعن بنية التكوين، نقف متأملين امام رواية( قلب بلا قناع) حيث قراءة التجربة على ظاهرها المدون وقراءة التأويل الذي ذهبت اليه
الوجهة الاولى للحبكة كريم مواطن امريكي من أب لبناني وام امريكية يعيش في غيبوبة طويلة الامد في المستشفى وفي الردهة المجاورة يرقد الدكتور صالح اللبناني المضحي الذي يعاني ربما من بتر في الساق ومعه زوجته فاطمة وهي اخت الدكتور محمد ولها اخ مفقود في الجبهات وتحديدا في وادي الموت ،وهناء الممرضة هي ابنة أخ سالم زوج مادلين الامريكية و ابنة عم كريم المريض في غيبوبة، ينادي باسمها فتستدرج الام هناء لتصل إلى امريكا لعلها تساعد على شفاء كريم. وتبدأ هنا الصدفة لتحل لنا المعضلة، الارتكاز على الصدفة رغم ان الفكرة جميلة وجذابة والموضوع يميل الى ترسيخ مذهب اهل البيت عليهم السلام ،لكننا نقع في مصادفات كثيرة، فمن المصادفة ان سالم اللبناني وهو ينقل ابنه كريم قد تعرض الى القصف وقتل كريما، ولكي يتخلص من حرج الموقف مع مادلين زوجته الامريكية استبدله بجسد مقاتل مشوه، الصدفة الاولى ان العملية تنجح في استبدال الوجه واعادة ملامح كريم لهذا الجسد الغريب، والصدفة الثانية ان يكون صاحب الجسد المشوه بديل كريم هو احمد اخو فاطمة زوجة الدكتور صالح. ان رواية بضخامة( قلب بلا قناع )تحتاج الى بناء ادوات تكون ارضية معقولة لرواية تنطلق منها الى عوالم الهوية، فبناء الاحداث على تلك المصادفات تعتبر مأخذا، والرواية لا تحتاج اساسا الى هذا الربط، لو كانت الصلة فقط الهوية اللبنانية الثورية لكفى دون هذا الربط الاسري، الذي يكتشف صدفة عند التبرع بالدم،
لكننا لو تنحينا عن عالم المصادفات، وكان الوعي الانساني الوطني هو القيمة الاسمى دون ان تضطر الكاتبة الى هذه الروابط القسرية ،ويكفي ان تقدم لنا مادلين الوجيهة الامريكية وهي تنظر الى اللبنانيين بانهم ابناء بلد يقتتل اهله على حفنة من تراب ،والكاتبة رجاء محمد بيطار قدمت الهوية عبر مشهد دخول الدكتور عاصي الى غرفة الدكتور صالح في المشفى وشعر فجأة وكانه انتقل الى عالم اخر، رقيق شفاف يرتجف له الفؤاد رأى فاطمة تصلي وصالح يقرأ القران رغم الوجع والالام وتلك الجراح، وهم يتمسكون بهويتهم وبدينهم، هذا كان يكفي ومثل هذه المواقف كثيرة، قد تكون المصادفات في الحياة كثيرة لكنها في القصة والرواية مهلكة، وينظر اهل النقد الى ان اغلب المصادفة تكون بلا معنى، اذ ليس هناك من سبب حقيقي وراءها ـ اللهم ـ ان يكون لتلك الصدف مغزى تأويلي اي هناك حالات استثنائية، الطبيب اكتشف اول خيوط اللعبة عن طريق الصدفة: اتى به ابوه قبل سنة ونصف مجروحا مشوها مختلط الملامح قد امتد تلف الانسجة الى عضلات وجهه المتفحمة اضطررنا الى ازالتها وقمنا بصياغة ملامحه من جديد واستغرق الامر شهورا طويلة.
يقول الدكتور نيلسون لجسد كريم الغائب عن الوعي (لقد استطعت فعلا ان ازرع لك وجها ولكني لم اكن اظن يوما انه ليس وجهك الحقيقي، هذه مفخرة اضمها الى سجل انجازاتي) و اعتراف سالم بعد السؤال:هذا الذي ادعيت يوما انه ولدك من يكون؟
ضحك سالم: ـ لست ادري حتى هو لم يكن يدري ربما وادي الموت يدري اكثر ،فهناك وجدته وهناك تركت ولدي، كان خوفي من العودة من دونه يصعقني، ورأيت امامي انسانا بلا ملامح وبلا ذاكرة، انسانا يمتلك صفات ابني الجسدية ،سولت نفسي ان اصنع له تلك الملامح ،ولكن للانسان قلب لا يكذب وفطرة لا يمكن تزويرها، ه والحرز يدلي على هويته... انه احمد أخو فاطمة المفقود، تقول فاطمة :ـ انا ربطت الحرز حول عضده، السؤال الذي ياخذني الى عوالم مبدعة لماذا استعانت بعالم المصادفات؟
ما هي الغاية؟ ما هي الدلالة التي سعت اليها؟ ما الذي ارادت ان تقوله في حوار هناء مع فاطمة (انه ليس كريما يا فاطمة حتى وان البسه عمي قناعه، انه لم يستطع ان يجعله ذلك الانسان، انه لايمكن ان يكون كريما، هو نقيض له تماما وان حمل ملامحه على وجهه انه وجه زائف مقنع يخفي وراءه قلبا بلا قناع ،والقلب هو الانسان)
هذا يعني ان تلك المصادفات في الرواية لم تكن عن ضعف، وانما كانت لغاية جوهرية مرسومة ارادتها كفرضية تشتغل عليها الرواية، وكانت تعني ان هوية الانسان قلب ومدارك وليس وجها فقط، وحين يكون الحرز هو الدليل على وجود الانسان ماذا يعني الحرز عند رجاء محمد بيطار يعني ما يعنيه عند المتلقي هو الارث الذي تربينا عليه، اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام وهي في تفسير هناء، وهي من الشخصيات الرئيسية في الرواية، ان كل فرد يحمل شخصية خاصة تميزه عن غيره، اعتبرت الهوية احدى السمات المميزة لشخصية الانسان لآدميته ،لمعنى وجوده الشخصي ليست جسدا ووجها بل ميولا ودوافع وقوى فطرية موروثة، سلوك وتقاليد وافكار الخارج من وادي الموت هو مشروع شهيد ،واما تفسير فاطمة زوجة صالح واخت احمد عن تلك المصادفة ان لا مصادفة في الموضوع اطلاقا بل هي دعوات ايمان كنت اردد ليل نهار (يا راد يوسف على يعقوب رد علي اخي يا رب) وتفسير احمد للأحداث المصادفات كانت عبارة عن انفاس انطلقت لتعبر عن مغزى الرواية كلها (يا ولي العافية اسألك العافية عافية الدين والدنيا والاخرة)
وهذا يدل على ان الاثر الادبي مرهون بإدراكه بجمالية ما يبثه من وعي وايمان والكاتبة د. رجاء محمد بيطار مبدعة بما قالت وبما اشارت اليه لها المودة والدعاء
=AZUwy34
كل التفاعلات:
١حميد الحريزي