إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
    اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد


    قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾.[1]

    كان النص القرآني الكريم يتحدث عن سلوك الكتابيين، وها هو الآن يتقدم إلى الحديث عن المنافقين في شريحة خاصة من سلوكهم تتصل بقضية (التحاكم) بعد أن مهّد لها (من حيث المبنى الهندسي للمقطع) حديثا عن الحكم والقضاء والعدل، كما لحظنا. هنا، يعرض النص لنفر منهم يزعم أنه يؤمن برسالة الإسلام وبالرسالات السابقة، لكنه (من حيث السلوك) يتحاكم إلى الطاغوت في خصوماته، والطاغوت هو رمز فنيّ للباطل كما هو واضح. أي أن هذا النفر تحقيقا لمكاسبه الذاتية يتّجه إلى المرتشين مثلا في خصوماته حتى يحكموا لصالحه، ولا يتّجه إلى الحاكم الإسلامي في ذلك، للسبب نفسه. إن (المنافق) يتميّز عن سواه بكونه أشد الناس حرصا على إشباع رغباته غير المشروعة، لأن إبطان الكفر وإظهار الإيمان لا مسوّغ له إلا في حالة الحرص الشديد على تحقيق الشهوات، وهو ما يميز (المنافق) في الدرجة الأولى. لذلك نجد أن النص استثمر هذا الجانب من سلوك المنافق فطرحه من خلال أهمّ الوظائف الاجتماعية في ظاهرة الحكم، ونعني بها قضية (العدالة) في الحكم (ومنه: القضاء) حيث طالب الإسلاميين بتطبيق (العدل)، وأبرز نموذجا مضادا هو: سلوك المنافقين الذي ينزع إلى الحيف فيتحاكم في قضاياه إلى الطاغوت بدلا من التحاكم إلى الإسلاميين، تحقيقا لمصالحه المضادة للعدالة في الحكم.
    فخاطب النبي صلّى الله عليه وآله تعجبا من الأشخاص الذين يقولون إنا مؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك، ويرجحون التحاكم الى الطاغوت أي من طغى وجاوز الحد، ويطلق على كل رئيس في الضلالة عليك أو اتباعك، مع أن الاعراض عن الطاغوت كان واجبا في هذه الشريعة؛ لإرادة الشيطان اضلالهم البعيد عن الحق، فهذا القول والزعم مع هذه الإرادة والفعل متنافيان، وإذا قيل لهذه الأشخاص ارجعوا الى القرآن والرسول يعرضون عنك اعراضا لكون دعواهم باطلة. وارادتهم تثبيت الباطل وابطال الحق؛ فما حالهم إذا نزل عليهم البلاء لأفعالهم المنكرة، أيفرون الى غيرك لدفع البلاء عنهم.
    والعجب انهم يتوهمون أن يخدعوك بحلفهم، على أن رجوعنا الى بعض رؤساء الضلالة ككعب ابن أشرف او غيره ممن هو مثله لم يكن للأعراض، بل لم نرد الا الصلح بيننا والله يعلم باطنهم؛ ولكن اعرض عن ذنبهم واصفح عنهم؛ وانصح لهم؛ وتكلم معهم بليغا لينا، بما لا يخالفها العقل وموافقا للسياسة والتدبير مما لا يخفى.
    وقد ورد عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخٍ لَهُ مُمَارَاةٌ فِي حَقٍّ فَدَعَاهُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَأَبَى إِلاَّ أَنْ يُرَافِعَهُ إِلَى هَؤُلاَءِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ اَلَّذِينَ قَالَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾))
    [2].
    ويلاحظ أن النص (في معرض حديثه عن التحاكم إلى الطاغوت) يعلّق على هذه القضية قائلا وقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ‌ - أي الطاغوت -﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾. هذا التعليق له أهمية فنية كبيرة من حيث علاقته بعمارة السورة الكريمة، حيث لحظنا في القسم الأول من سورة النساء (وهو القسم الخاص بالعلاقة بين الجنسين) من النصّ يطرح مثل هذا التعليق أيضا.
    ومن الواضح أن الرابط الفنّي أو الفكرة المشتركة بين الموضوعات تتجسّد في أمثلة هذا التعليق الذي يوجد صلات بين موضوع (كالجنس مثلا) وبين موضوع آخر لا علاقة له بالجنس (كالعدالة في الحكم مثلا) مما يفصح مثل هذا الربط عن جمالية البناء الهندسي للسورة من حيث تلاحم أقسامه وجزئياته بعضا مع الآخر.




    [1] سورة النساء، الآية: 60.
    [2] الكافي، ج 7، ص 411.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X