إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
    اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد


    قال الله تعالى: ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ[1].

    ﴿إِلَّا رَسُولٌ﴾، لمّا ذكر سبحانه في الآية السابقة مقالات النصارى عقّبه بالردّ عليهم والحجاج لهم فقال: ليس المسيح إلّا رسول من جنس الّذين مضوا قبله جاء بآيات الله كما أتوا بأمثالها
    هنا ﴿إِلَّا رَسُولٌ﴾، كما في غيره من الرسل يحصر كيان المسيح في رسالة اللّٰه دون زائد ولا ناقص، فإن كان الله أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى على يده فقد أحيا العصا وجعلها حيّة تسعى وفلق البحر على يد موسى، وإن كان خلقه من غير أب وذكر فقد خلق آدم من غير أب وأمّ فمن ادّعى له بالألوهية فهو كمن ادّعى لهم الألوهية لتساويهم في المنزلة.
    ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾، من أعظم المصدّقين بالله والقانتين العابدين المتبتلين له، فهي إذا منزّهة عن كل عيب وعن كل ما يشين الإنسان، فاسألوها (لأنها مصدّقة) عن ابنها وكيف حملت به وكيف ولدته لتعلموا أنه بشر مثلها.
    فإذا ثبت عندكم أن لعيسى عليه السلام أمّا ولدته فكيف تعتبرون البشر إلها ومعبودا والله عزّ وجلّ لم يلد ولم يولد، وهو منزّه عن لوازم البشرية من حمل ووضع وتولّد ورعاية أو حاجة إلى غيره لأنه مستغن بذاته، بينما عيسى وأمه عليهما السلام ﴿كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾، كبقية الناس لأنهما محتاجان إلى الأكل و الشرب كبقية ذوي الأجسام القابلة للتغذية، وهذا يعني (بكناية رفيعة المعنى والمبنى) أنهما يحتاجان لتخلية البطن من ثقل فضلات الطعام، ومضطران للتغوّط، وتعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا، فأكل الطعام دليل الحاجة المستمرة، ثم الخارج منهما من حصيلة الطعام دليل آخر على بعدهما عن ساحة الألوهية ف‍ «من أكل الطعام كان له ثقل (ثفل) ومن كان له ثقل فهو بعيد مما ادعته النصارى لابن مريم (عليه السلام)» ، إذا فكيف يكون المسيح وأمه عليهما السلام إلهين من دون اللّٰه كما في قوله تعالى: ﴿أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ..
    [2]، ولأن أكل الطعام للمسيح وأمه واقعية لا تنكر كخصيصة ضرورية من خصائص الأحياء المخلوقين، تلبية لحاجة جسدية لا مرية فيها، فكيف يكون إلها من يحتاج إلى طعام ليعيش، واللّٰه حيّ بذاته وحيّ قبل أن يخلق طعاما وطاعما.
    ودور ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾، دور التصديق لبشرية المسيح ورسالته حيث قال تعالى: ﴿صَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ
    [3]، وهكذا الرائع كما الشمس في رائعة النهار نبرهن لهم ف‍ ﴿اُنْظُرْ كَيْفَ‌ نُبَيِّنُ لَهُمُ اَلْآياتِ‌﴾، الدالة على كيان الألوهية وكيان المألوهين ككل ﴿ثُمَّ اُنْظُرْ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ‌﴾، وقد أفكهم الذين كفروا وهم ﴿يُضاهِؤُنَ قَوْلَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ‌ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اَللّٰهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ[4]؟
    والمعنى نوضح لهم العلامات ونظهرها، فنبطل زعمهم بالبرهان ﴿ثُمَّ اُنْظُرْ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ‌﴾، فانظر وفكّر كيف نهديهم، وانظر وتفكر كيف يقولون الإفك والباطل ويقولون شططا، وقابل بين هذين الطرفين المتضادين، وتعجّب من هذا التصرف الأخرق!
    وقد ورد فِي كِتَابِ اَلْإِحْتِجَاجِ لِلطَّبْرِسِيِّ رَحِمَهُ اَللهُ حَدِيثٌ طَوِيلٌ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ فِيهِ مُجِيباً لِبَعْضِ اَلزَّنَادِقَةِ وَقَدْ قَالَ: ((وَأَمَّا هَفَوَاتُ اَلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وَمَا بَيَّنَهُ اَللهُ فِي كِتَابِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَدَلِّ اَلدَّلاَئِلِ عَلَى حِكْمَةِ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ اَلْبَاهِرَةِ وَقُدْرَتِهِ اَلْقَاهِرَةِ، وَعِزَّتِهِ اَلظَّاهِرَةِ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ بَرَاهِينَ اَلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ- اَلسَّلاَمُ تَكْبُرُ فِي صُدُورِ أُمَمِهِمْ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ مَنْ يَتَّخِذُ بَعْضَهُمْ إِلَهاً كَالَّذِي كَانَ مِنَ اَلنَّصَارَى فِي اِبْنِ مَرْيَمَ، فَذَكَرَهَا دَلاَلَةً عَلَى تَخَلُّفِهِمْ عَنِ اَلْكَمَالِ اَلَّذِي اِنْفَرَدَ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِهِ فِي صِفَةِ عِيسَى حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَفِي أُمِّهِ: ﴿كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾، يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَكَلَ اَلطَّعَامَ كَانَ لَهُ ثِقْلٌ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ ثِقْلٌ فَهُوَ بَعِيدٌ مِمَّا اِدَّعَتْهُ اَلنَّصَارَى لاِبْنِ مَرْيَمَ))
    [5].


    [1] سورة المائدة، الآية: 75.
    [2] سورة المائدة، الآية: 116.
    [3] سورة التحريم، الآية: 12.
    [4] سورة التوبة، الآية: 30.
    [5] الاحتجاج، ج 1، ص 370.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X