بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
هناك أسباب لابتعاد الإنسان عن الذنوب والمعاصي، ومنها:
* إدراك القبح والضرر: هناك من الناس من يتجنب الذنوب والمعاصي لوعيه بقبحها وضررها، فهو لا يقترف المعصية لأنه يعي أن ذلك شيء يضره ويؤذيه، تمامًا كما يتجنب الإنسان شرب الماء القذر، أو أكل الشيء الفاسد لأنه يدرك ضرره وتنفر منه نفسه.
* الالتزام بأمر الله تعالى: أهل الورع والتقوى يتجنبون المعصية التزامًا بأمر الله عز وجل، حتى لو لم يعرفوا العلة من هذا المنع، وما هي الفائدة وما هو الضرر. يسلمون بأمر الله عز وجل فينتهون لنهيه، ويلتزمون بما أمرهم به.
* تعذر القيام بالمعصية: وفي الناس من يتجنب المعصية لتعذرها عليه، وهذه درجة من درجات التوفيق. ورد عن الإمام علي «من العصمة تعذر المعاصي».
* وجود الرادع: وفي الناس من يترك المعصية لوجود رادع فلا يمارسها، أو لا يستمر عليها، وأكثر الناس هم من هذا الصنف.
والسؤال هنا: لماذا لا يكون الرادع من قبل الله تعالى فوريا؟
والجواب: إن هذا ينافي حكمة الله تعالى في خلق الإنسان ووجوده في هذه الحياة، فقد خلق الله الإنسان ليبتليه، وليمتحنه، وإذا أتته العقوبة فورًا فلا يكون هناك فرصة كافية للامتحان.
يريد الله تعالى من عباده أن يتجنبوا معصيته باندفاع من داخل أنفسهم, كما يريد تعالى أن تستمر أمور الحياة ضمن ممارسة الإنسان لحريته واختياره.
لذا شاءت حكمة الله عز وجل أن لا تكون الروادع فورية يقول تعالى: ﴿ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة﴾، إنه يمهل العاصين ليؤاخذهم في الوقت المناسب ﴿ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى﴾ وقت الردع قد يكون بعد الموت، أو أن معنى ﴿أجل مسمى﴾ أي محدد بوقت يخصصه الله تعالى وليست عقوبة فورية. الله عز وجل لا يخشى أن يفوته العاصي والقدرة ومجازاته، لأن ذلك من الضعف، تعالى الله عن ذلك، وكما ورد «إنما يعجل من يخاف الفوت». هناك يوم يحاسب الله فيه الناس ﴿فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا﴾ حينما يجتمع الخلق عند الله عز وجل فإن الله يعلم ما قدموا من خير وشر فيحاسبهم ويكافئهم.
قسم من الناس حينما لا يجد ما يردعه، فإنه يستمر في المعصية، وهذا هو الامتحان الكبير، والذي يعبر عنه القرآن الكريم بالاستدراج و الإملاء، كما في قوله تعالى: ﴿والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين﴾.
قد تشاء حكمة الله تعالى أن يكون هناك رادع للمعاصي بمثابة جرس إنذار يدقه لبعض العباد، وهذا من توفيق الله عز وجل. ومع أن هذا الإنذار هو لطف إلهي، لكن البعض من الناس ينزعج من هذا الرادع. ألا ترى كيف تزود بعض السيارات بجهاز إنذار للتنبيه عند تجاوز السرعة، لكن بعض الناس يزعجه هذا الصوت فيعمد إلى إخماده.
ومن لطف الله تعالى بعباده، فإن طرق الإنذار منه عز وجل متعددة، ومن تلك الطرق:
ـ الرؤية المحذرة: بأن يهيئ الله تعالى حلمًا مخيفًا يحمل إشارات معينة للشخص العاصي أو الذي ينوي المعصية حتى يتعظ وينزجر. ورد عن الإمام الصادق : «إذا كان العبد على معصية الله عز وجل وأراد الله به خيرًا أراه في منامه رؤيا تروعه فينزجر بها عن تلك العصية». أخبرني أحد الأشخاص أنه كان ذات مرة في سفر مع بعض الشباب وكانوا ينوون ارتكاب أعمال سيئة لكنه رأى في المنام وكأنه أمام حريق رهيب, والنار تقترب منه، فاعتبر ذلك إنذاراً وقرر التراجع عما كان ينوي فعله من عمل حرام.
ـ العقوبة الدنيوية: ومن أجراس الإنذار الإلهية، مواجهة العقوبة الدنيوية جزاء المعصية. حيث إن من يعصي ويرى أنه ليس هناك ما يردعه، ولا يشعر بمن يراقبه فإنه يستمر في عمل المعصية، ولكن من يتعرض للعقوبة فإنه يعيد النظر في توجهاته وسلوكه. وهذه هي فلسفة الحدود والتعزيرات وأنظمة العقوبات. ولهذا حينما تنتفي العقوبات أو تخف في مجتمع فإن الأمن ينعدم وهذا ما نلحظه فعلاً من كثرة الجرائم بسبب ضعف الرقابة والردع, حيث تسمع عن القبض على مجموعة من المجرمين وثبوت التهمة عليهم، ولكن سرعان ما تسمع أنه تم إطلاق سراحهم بالكفالة، أو بالواسطة، وهذا أمر يشجع على الإجرام، فينعدم الأمن في المجتمع.
ـ المصائب الدنيوية: كذلك مما ينذر الله تعالى به عباده وقوع الإنسان في مشكلة ما حيث يصاب الإنسان بخسارة مالية، أو مرض، أو فشل، أو أي شيء يعكر صفو حياته ويعترض طريقه، فإن ذلك ربما يكون عقوبة لمعصية، عجّلها الله في الدنيا. وهذه من نعم الله عز وجل كما جاء عن الإمام الصادق : «إذا أراد الله بعبد خيرًا عجّل عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبد سوءًا أملى عليه ذنوبه حتى يوافى بها يوم القيامة». كما نقرأ في دعاء كميل: «اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم, اللهم اغفر الذنوب التي تنزل النقم، اللهم اغفر الذنوب التي تغير النعم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء».
وقوع الإنسان في مشكلة قد تكون جرس إنذار وهذه نعمة من الله وعليه أن يتنبه لها. صحيح أن أي مشكلة تسبب إزعاجاً، ولكن إذا انتبه الإنسان الى أن هذا جرس إنذار، وابتعد عن المعصية وتاب منها فإنه سيعلم أن ذلك كان خيرًا له. ورد عن الإمام أمير المؤمنين : (واعلموا أن ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا. فكم من منقوص رابح، ومزيد خاسر). على الإنسان ألا يغتر لعدم نزول العقوبة فكما يقول الإمام علي : «كم من مستدرج بالإحسان إليه، ومغرور بالستر عليه، ومفتون بحسن القول فيه، وما ابتلى الله سبحانه أحدًا بمثل الإملاء له».