بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾[1].
اللعن هو الطرد والأبعاد والمراد من كفر بني إسرائيل المعاصرين لنبي داوود عليه السلام هو انتفاضهم في قبال مقررات دينهم وعدم اعتنائهم بها بالمرّة لأنّ المعاصرين منهم لداوود عليه السلام وغيره من أنبيائهم الذين يعززون شريعة موسى لم يكونوا ينكرون اصل الدين أمّا المعاصرون لعيسى عليه السلام فإنه باعتباره نبيّا ذا شرعة مستقلة فكان الكثيرون منهم ينكرون شريعته ولا يعترفون بنبوّته كما هو واضح من معاداتهم له معاداة قائمة على اشدّ ما يمكن في عداوة اليهودي الشرسة ولعن داوود لهم كان عن داعي مناوئتهم عملا لمقررات الدين الموسوي ولعن عيسى عليه السلام لهم كان عن كفرهم به وبشريعته وقيامهم ضدّه قياما حادّا، وقد ورد عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ اَلْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((فِي قَوْلِ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾، قَالَ: اَلْخَنَازِيرُ عَلَى لِسَانَ دَاوُدَ وَاَلْقِرَدَةُ عَلَى لِسَانَ عِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ))[2]. ولا شكّ أن اللعن الصادر عن ألسنة الأنبياء له اهميّته الكبرى في خبث الطرف وعزوبه عن الواقع بخلاف لعن بعض الناس لبعض فانه قد يصدر عن عاطفة محضة وتأثر خاص. وعلّل سبحانه جهة لعنهم على لسان هذين النبيّين بأنهم كانوا عصاة أي أن انحرافهم كان دائمي بلا تقطّع فيه ولا فترة وكانوا من المعتدين على حدود الله وحقوق الأغيار لا يوزعهم عن التجاوز وازع الدين لأن اخافته لهم لم تكن عاجلة حتى يلاحظوها بالخوف الحاضر كما علّل جهة اللعن ايضا بأنهم كانوا يفعلون المنكرات علنا جاهرا إذ لم يكونوا يخشون لومة لائم لعدم اللائم لهم وقد جاء في الأثر مِنْ كَلاَمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِمَا فِي اَلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَاَلنَّهْيِ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَيُرْوَى عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((اِعْتَبِرُوا أَيُّهَا اَلنَّاسُ بِمَا وَعَظَ اَللهُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ سُوءِ ثَنَائِهِ عَلَى اَلْأَحْبَارِ إِذْ يَقُولُ لَوْلا يَنْهاهُمُ اَلرَّبّٰانِيُّونَ وَاَلْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ اَلْإِثْمَ وَقَالَ: ﴿لُعِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾، وَإِنَّمَا عَابَ اَللهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مِنَ اَلظَّلَمَةِ اَلَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ اَلْمُنْكَرَ وَاَلْفَسَادَ فَلاَ يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذَلِكَ رَغْبَةً فِيمَا كَانُوا يَنَالُونَ مِنْهُمْ وَرَهْبَةً مِمَّا يَحْذَرُونَ وَاَللهُ يَقُولُ ﴿فَلا تَخْشَوُا اَلنّٰاسَ وَاِخْشَوْنِ﴾،))[3]. ترى (يا أمير المؤمنين أو كل من تتأتى منه الرؤية) كثيرا من بني إسرائيل على أنهم يقولون بالله صانعا ويعترفون برسالة السماء وينتسبون لكتبه يتولون الذين كفروا ويصادقونهم مصادقة قويّة لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم من الانتساب للدين ومصادقة أعدائه والذي قدّمته لهم نتيجة لذلك الانحراف الشائن سخط الله عليهم وأنهم في عذاب الله خالدون، ضمير الجماعة في قوله تعالى: ولو كانوا يجوز أن يعود الى بني إسرائيل بما هم بنو إسرائيل فيكون المعنى ولو أن بني إسرائيل يؤمنون بالله واقعا ويدينون لنبيّهم وما انزل أليه حقيقة ما اتخذوا المشركين اولياء لهم تضعيفا لجبهة نبي الإسلام فأنهم وإن لم يدينوا بهذا النبي الاّ انهم من وجهة عقائدية يلزم أن يمنعهم من مصادقة المشركين دينهم وعقيدتهم ولكنّ كثيرا منهم فاسقون منحرفون حتى عن نفس عقيدتهم التي يدعونها لأنفسهم، ويجوز أن يعود الضمير المذكور الى منافقي اليهود الذين تظاهروا بالإسلام لأجل أن يقعوا فيه فيكون المراد بالنبي هو نبي الإسلام. وبالخلاصة أطلق تعالى سمة الكفر على الفاسق المصرّ على فسقه لأن الفاسق غير المصرّ قد يتوجه الى دينه أحيانا متناوبة امّا المصرّ على الانحراف فإنه ينسى دينه ومتى نسيه أنكره واستغربه إذا ذكّر به ومتى أنكر المكلّف دينه فقد كفر به وعاد كأنه لم يعترف به أساسا.
[1] سورة المائدة، الآية: 78.
[2] الكافي، ج 8، ص 200.
[3] وسائل الشيعة، ج 16، ص 130.