إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ﴾

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ﴾

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
    اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد


    قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ[1].

    هذا المقطع من سورة الأنعام امتداد لمقطع سابق كان يتحدث عن المنحرفين الذين تطبعهم أربع سمات في مواجهتهم لرسالة الإسلام، وهي سمات: المجادلة، الاستهزاء، النفور وإشراك الغير مع الله تعالى.
    وها هو النص يقدّم نموذجا لسلوك المنحرفين يجسّد من خلاله تطبيعهم بالسمات المذكورة.
    لقد اقترح مشركون ومعهم كتابيون تنزيل كتاب من السماء، فكما لهؤلاء: ﴿.. وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ..
    [2]، كذلك لأولاء ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً ..[3].
    إذا فتجاوبهم في تحقيق آيات مقترحات - ولا سيما التي ليست هي في الحق بآيات - إنه تجاوب معهم في التكذيب والاستهزاء بها وتهديرها وتهذيرها دون اهدائها أو تحذيرها.

    وأوضح نموذج يقدّمه النص هو قوله تعالى: ﴿ولَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ..﴾، هذا النموذج يعتمد على صورة فنية هي: لمس الكتاب باليد كما أنه - من حيث عمارة النص - يشكّل نموّا عضويا لسمة المجادلة التي تطبع سلوكهم حيث وصفهم في مقطع سابق بقوله في الآية الثانية من نفس السورة: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾‌.
    إن الشخصية الشاذة التي تجادل وتمتري وتشكك، لا سبيل لعلاجها حتى لو واجهت أوضح الأدلّة الحسيّة.
    فلو نزل كتاب في قرطاس ولمسته بيدها لقالت(تلك الشخصية): هذا سحر مبين
    .

    إنّ هذه الصورة الفنية التي اعتمدت ما هو مألوف من تجارب الإنسان وخبراته، تنطوي على أسرار مدهشة في لغة الفن. فأوّلا قارنت بين القرآن الذي نزل كلاما مسموعا وبين الكلام المكتوب في صحيفة، ثم قارنت بين الكلام المكتوب في صحيفة وبين لمسه باليد بدلا من القراءة بالعين.
    إن أهميّة القسم الأول من هذه الصورة ﴿كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ﴾، هي: تجسيد الشيء في أوضح مستوياته، فقد كان من الممكن أن يقول لهم ﴿ولَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً﴾، مقابل الكلام المسموع الذي نزل على محمد (صلى الله عليه وآله)، لكانت الصورة محقّقة للغرض، إلا أنّه تعالى فصّل في هذا الجانب الحسّي فجعل الكتابة في عيّنة حسيّة هي القرطاس حتى يوضّح التجربة في أبرز معالمها ليدلّل بعد ذلك على عناد المنحرفين الّذين يواجهون أبرز التجارب الحسية ثم يشككون فيها أو يجادلون في صحتها.
    وليس هذا فحسب بل نجد أنّ النص القرآني الكريم لم يكتف بتقديم صورة الكتاب في قرطاس بل أردفها بصورة أخرى هي ﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ‌﴾، فالمفروض - كما أشرنا - أنّ الكتابة في قرطاس أن تقرأ لا أن تلمس فلماذا استخدم النص عبارة اللمس باليد بدلا من القراءة بالعين؟ هذا سر فني آخر. إنّ لمس الكتاب باليد يظلّ - تجريبيا - أمرا لا سبيل له إلى أيّ‌ تشكيك بعكس ما لو كان معروضا للقراءة فحسب حيث البصر قد يعشو، أو قد يلتبس عليه الأمر.
    أمّا اللمس باليد فيظلّ غير خاضع لأيّ لبس في هذا الصدد.

    والمعنى تبيّن أن هؤلاء الحسيين الناكرين لما وراء الحس بلغوا في عناد النكران لدرجة أنهم ينكرون المحسوس الملموس كما ينكرون غير المحسوس، لأن تصديق ذلك المحسوس ذريعة إلى تصديق لغير المحسوس.
    وترى تنزيل كتاب في قرطاس مستحيل كما تدل عليه ﴿وَلَوْ﴾؟ واللّٰه على كل شيء قدير! إنه مستحيل مصلحيا في أبعاد: أن نزول كتاب الوحي من السماء لمحة إلى أن المنزل هو ساكن السماء وليس به، وأن منزل الوحي هو قلب الرسول وليس حسّه حتى ينزل عليه كتاب في قرطاس، ثم في تحقيق اقتراحهم هذا مسايرة معهم في باطل حيث هم بعد منكرون. ذلك! وكما ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ* لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ
    [4].

    [1] سورة الأنعام، الآية: 7.
    [2] سورة الإسراء، الآية: 93.
    [3] سورة النساء، الآية: 153.
    [4] سورة الحجر، الآيتان: 14-15.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X