مسلم بن عقيل (ع) يختتم الحياة ويستشهد لقوله الحق أمام السلطان الجائر ابن زياد (لع).
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وآل محمد .
*** روي في حال مسلم بن عقيل (ع) : ( ... فوثب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال: أوص إلي بما تريد يا بن عقيل.
فقال: أوصيك ونفسي بتقوى الله فإن التقوى فيها الدرك لكل خير، وقد علمت ما بيني وبينك من القرابة، ولي إليك حاجة وقد يجب عليك لقرابتي أن تقضي حاجتي. قال: فقال ابن زياد: لا يجب يا بن عمر أن تقضي حاجة ابن عمك وإن كان مسرفا على نفسه فإنه مقتول لا محالة. فقال عمر بن سعد: قل ما أحببت يا بن عقيل! فقال مسلم رحمه الله: حاجتي إليك أن تشتري فرسي وسلاحي من هؤلاء القوم فتبيعه وتقضي عني سبعمائة درهم استدنتها في مصركم، وأن تستوهب جثتي إذا قتلني هذا وتواريني في التراب، وأن تكتب إلى الحسين بن علي أن لا يقدم فينزل به ما نزل بي . قال: فالتفت عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد فقال: أيها الأمير! إنه يقول كذا وكذا. فقال ابن زياد: أما ما ذكرت يا بن عقيل من أمر دينك فإنما هو مالك يقضى به دينك، ولسنا نمنعك أن تصنع فيه ما أحببت، وأما جسدك إذا نحن قتلناك فالخيار في ذلك لنا، ولسنا نبالي ما صنع الله بجثتك، وأما الحسين فإن لم يردنا لم نرده، وإن أرادنا لم نكف عنه، ولكني أريد أن تخبرني يا بن عقيل بماذا أتيت إلى هذا البلد؟ شتت أمرهم وفرقت كلمتهم ورميت بعضهم على بعض!
فقال مسلم بن عقيل: لست لذلك أتيت هذا البلد، ولكنكم أظهرتم المنكر، و دفنتم المعروف، وتأمرتم على الناس من غير رضى، وحملتموهم على غير ماأمركم الله به، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف، وننهاهم عن المنكر، وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنة، وكنا أهل ذلك، ولم تزل الخلافة لنا منذ قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولا تزال الخلافة لنا فإنا قهرنا عليها، لأنكم أول من خرج على إمام هدى، وشق عصا المسلمين، وأخذ هذا الأمر غصبا، ونازع أهله بالظلم والعدوان، ولا نعلم لنا ولكم مثلا إلا قول الله تبارك وتعالى: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } 1 . قال: فجعل ابن زياد يشتم عليا والحسن والحسين رضي الله عنهم، فقال له مسلم: أنت وأبوك أحق بالشتيمة منهم، فاقض ما أنت قاض، فنحن أهل بيت موكل بنا البلاء. فقال عبيد الله بن زياد: الحقوا به إلى أعلى القصر فاضربوا عنقه وألحقوا رأسه جسده .
فقال مسلم رحمه الله: أما والله يا بن زياد! لو كنت من قريش أو كان بيني وبينك رحم أو قرابة لما قتلتني ولكنك ابن أبيك.
قال: فأدخله ابن زياد القصر ثم دعا رجلا من أهل الشام قد كان مسلم بن عقيل ضربه على رأسه ضربة منكرة ، فقال له: خذ مسلما واصعد به إلى أعلى القصر واضرب عنقه بيدك ليكون ذلك أشفى لصدرك.
قال: فأصعد مسلم بن عقيل رحمه الله إلى أعلى القصر وهو في ذلك يسبح الله تعالى ويستغفره وهو يقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وخذلونا. فلم يزل كذلك حتى أتى به إلى أعلى القصر. وتقدم ذلك الشامي فضرب عنقه - رحمه الله -.
ثم نزل الشامي إلى عبيد الله بن زياد وهو مدهوش، فقال له ابن زياد: ما شأنك؟ أقتلته؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير! إلا أنه عرض لي عارض فأنا له فزع مرعوب. فقال: ما الذي عرض لك؟ قال: رأيت ساعة قتلته رجلا حذاي أسود كثير السواد كريه المنظر وهو عاض على إصبعيه - أو قال : شفتيه - ففزعت منه فزعا لم أفزع قط مثله.
قال: فتبسم ابن زياد وقال له : لعلك دهشت، وهذه عادة لم تعتادها قبل ذلك ) . 2
*************************************
1 - سورة الشعراء ، الآية 227 .
2 - كتاب الفتوح ، أحمد بن أعثم الكوفي ، ج 5 ، ص 57 - 59.
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وآل محمد .
*** روي في حال مسلم بن عقيل (ع) : ( ... فوثب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال: أوص إلي بما تريد يا بن عقيل.
فقال: أوصيك ونفسي بتقوى الله فإن التقوى فيها الدرك لكل خير، وقد علمت ما بيني وبينك من القرابة، ولي إليك حاجة وقد يجب عليك لقرابتي أن تقضي حاجتي. قال: فقال ابن زياد: لا يجب يا بن عمر أن تقضي حاجة ابن عمك وإن كان مسرفا على نفسه فإنه مقتول لا محالة. فقال عمر بن سعد: قل ما أحببت يا بن عقيل! فقال مسلم رحمه الله: حاجتي إليك أن تشتري فرسي وسلاحي من هؤلاء القوم فتبيعه وتقضي عني سبعمائة درهم استدنتها في مصركم، وأن تستوهب جثتي إذا قتلني هذا وتواريني في التراب، وأن تكتب إلى الحسين بن علي أن لا يقدم فينزل به ما نزل بي . قال: فالتفت عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد فقال: أيها الأمير! إنه يقول كذا وكذا. فقال ابن زياد: أما ما ذكرت يا بن عقيل من أمر دينك فإنما هو مالك يقضى به دينك، ولسنا نمنعك أن تصنع فيه ما أحببت، وأما جسدك إذا نحن قتلناك فالخيار في ذلك لنا، ولسنا نبالي ما صنع الله بجثتك، وأما الحسين فإن لم يردنا لم نرده، وإن أرادنا لم نكف عنه، ولكني أريد أن تخبرني يا بن عقيل بماذا أتيت إلى هذا البلد؟ شتت أمرهم وفرقت كلمتهم ورميت بعضهم على بعض!
فقال مسلم بن عقيل: لست لذلك أتيت هذا البلد، ولكنكم أظهرتم المنكر، و دفنتم المعروف، وتأمرتم على الناس من غير رضى، وحملتموهم على غير ماأمركم الله به، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف، وننهاهم عن المنكر، وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنة، وكنا أهل ذلك، ولم تزل الخلافة لنا منذ قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولا تزال الخلافة لنا فإنا قهرنا عليها، لأنكم أول من خرج على إمام هدى، وشق عصا المسلمين، وأخذ هذا الأمر غصبا، ونازع أهله بالظلم والعدوان، ولا نعلم لنا ولكم مثلا إلا قول الله تبارك وتعالى: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } 1 . قال: فجعل ابن زياد يشتم عليا والحسن والحسين رضي الله عنهم، فقال له مسلم: أنت وأبوك أحق بالشتيمة منهم، فاقض ما أنت قاض، فنحن أهل بيت موكل بنا البلاء. فقال عبيد الله بن زياد: الحقوا به إلى أعلى القصر فاضربوا عنقه وألحقوا رأسه جسده .
فقال مسلم رحمه الله: أما والله يا بن زياد! لو كنت من قريش أو كان بيني وبينك رحم أو قرابة لما قتلتني ولكنك ابن أبيك.
قال: فأدخله ابن زياد القصر ثم دعا رجلا من أهل الشام قد كان مسلم بن عقيل ضربه على رأسه ضربة منكرة ، فقال له: خذ مسلما واصعد به إلى أعلى القصر واضرب عنقه بيدك ليكون ذلك أشفى لصدرك.
قال: فأصعد مسلم بن عقيل رحمه الله إلى أعلى القصر وهو في ذلك يسبح الله تعالى ويستغفره وهو يقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وخذلونا. فلم يزل كذلك حتى أتى به إلى أعلى القصر. وتقدم ذلك الشامي فضرب عنقه - رحمه الله -.
ثم نزل الشامي إلى عبيد الله بن زياد وهو مدهوش، فقال له ابن زياد: ما شأنك؟ أقتلته؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير! إلا أنه عرض لي عارض فأنا له فزع مرعوب. فقال: ما الذي عرض لك؟ قال: رأيت ساعة قتلته رجلا حذاي أسود كثير السواد كريه المنظر وهو عاض على إصبعيه - أو قال : شفتيه - ففزعت منه فزعا لم أفزع قط مثله.
قال: فتبسم ابن زياد وقال له : لعلك دهشت، وهذه عادة لم تعتادها قبل ذلك ) . 2
*************************************
1 - سورة الشعراء ، الآية 227 .
2 - كتاب الفتوح ، أحمد بن أعثم الكوفي ، ج 5 ، ص 57 - 59.