بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا ۖ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾[1].
من الواضح أن للكفّار عاقبة سيئة لذا قال تعالى: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ﴾، أي دعهم وأعرض عنهم والمراد من الإعراض الإنكار لأنّه قال: بعد ذلك و «ذكّر» يريد: دع ملاطفتهم ولا تدع مذاكرتهم نظير قوله تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ﴾[2]، والمراد بالموصول الخائضون في الآيات.
ويجوز أن يكون تهديدا لهم، كقوله: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾[3]. والمعنى: أعرض عنهم، ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم، ولا تشغل قلبك بهم.
و ﴿دِينَهُمْ﴾، أي دين الّذي أمروا بإقامته وهو دين الإسلام الّذي هم مكلّفون به وقد أخذوه لعبا ولهوا، واللعب عمل يشغل النفس وينفرها عمّا تنتفع به، واللهو صرف النفس عن الجدّ إلى الهزل ﴿ورَضُوا بِالْحَياةِ اَلدُّنْيا واِطْمَأَنُّوا بِها﴾[4].
﴿وغَرَّتْهُمُ اَلْحَياةُ اَلدُّنْيا﴾، يعني: اغترّوا بحياتهم حتى أنكروا البعث وذلك قوله تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾[5].
﴿وذَكِّرْ بِهِ﴾، بالقرآن من تحتمل فيه اللين والاقتناع قبل أن تسلّمه نفسه الى الهلكة بما تكسب من باطل، تلك النفس التي ليس لها من دون الله وليّ ولا شفيع كما تقدم هذا المعنى مكررا، ﴿وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ﴾، يعنى تعطي في الذبّ عن نفسها كل فداء لا يؤخذ منها ذلك بل لا بدّ وأن تنوش جزائها موفورا، وبذل الفداء يومذاك فرض يفترض إذ لا وجود في ذاك اليوم لفداء وغيره. وقيل: بيوم القيامة ذكّرهم وقيل: بالحساب.
﴿أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ﴾ أي: مخافة أن تسلم نفس إلى الهلاك والعذاب، وترتهن بسوء كسبها. وأصل الإبسال المنع، لأنّ المسلّم إليه يمنع المسلّم. ومنه أسد باسل، لأنّ فريسته لا تفلت منه. والباسل: الشجاع، لامتناعه من قرنه. وهذا بسل عليك، أي: حرام.
وهي لأقل تقدير حجة متواصلة على هؤلاء الّذين قال عز وجل عنهم: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[6]، فإنما على المنذرين إلقاء الذكر متواصلا دون إلغاءه لقوله تعالى: ﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا* عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾[7].
إذا فعليه (صلى الله عليه وآله) بالنسبة لهؤلاء الأغباش الأوباش جامع الإعراض عنهم عشرة وملاطفة وقعودا معهم، تركا لمسايرتهم وتحفظا على كرامة الإيمان ونهيا عمليا عن منكراتهم، ثم وذكراهم رغم إعراضهم عنها كمسؤولية رسولية، وأما الرسالية فهي أخف وطأة منها.
﴿لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اَللّٰهِ وَلِيٌّ﴾، ناصر ينجيها من العذاب ﴿ولا شَفِيعٌ﴾ يشفع لها ويدفع عنها العقاب.
﴿وإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ﴾، وإن تفد كلّ فداء. والعدل: الفدية، لأنّها تعادل المفدى. وهاهنا الفداء. ونصب «كلّ» على المصدر.
﴿لا يُؤْخَذْ مِنْها﴾، الفعل مسند إلى «منها» لا إلى ضمير العدل، لأنّه هاهنا مصدر فلا يسند إليه الأخذ، بخلاف قوله: ﴿ولا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ﴾[8]، فإنّه بمعنى المفدى به، فصحّ إسناده إليه. ﴿أُولئِكَ﴾، إشارة إلى الّذين اتّخذوا دينهم لعبا ﴿اَلَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا﴾، أي: سلّموا إلى العذاب بسبب كسبهم الأعمال القبيحة والعقائد الزائغة.
ثمّ أكّد وفصّل ذلك بقوله: ﴿لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾، أي: بالله، أو «يكفرون» بنعمة الله، كفرا أو كفرانا قد تعنيهما «يكفرون».
صحيح أن مصب هذه الآيات الأصيل هم المشركون الوثنيون، ولكن سائر المشركين كتابيين كانوا أو مسلمين أليسوا هم مبسلين بما كسبوا من تطرفهم بالإشراك؟ سواء أكان إشراكا بتقديم شعائر تعبدية لأحد مع الله كأن يسجدوا أو يركعوا لغير الله احتراما فإنه اخترام لساحة الله، أو بتقبل الحاكمية والشرعة من أحد مع الله؟
[1] سورة الأنعام، الآية: 70.
[2] سورة النساء، الآية: 63.
[3] سورة المدثر، الآية: 11.
[4] سورة يونس، الآية: 7
[5] سورة الحجر، الآية: 3.
[6] سورة يس، الآية: 10.
[7] سورة المرسلات، الآيتان: 5-6.
[8] سورة البقرة، الآية: 48.