إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ضيافة هاني بن عروة لمسلم بن عقيل

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ضيافة هاني بن عروة لمسلم بن عقيل

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بمناسبة شهادة مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ، نعزي جميع المؤمنين بهذه الرزية العظيمة


    يذكر بعضُ المؤرِّخين أنَّ هاني بن عروة لم يكن راغبًا في نزول مسلم بن عقيل في داره ولكنَّه حين جاء مسلم إلى داره وطلبَ منه النزول في جواره وضيافته وجدَ من غير اللائق صرفه وعدم إجارته لأنَّ ذلك منافٍ للأصول والأعراف العربيَّة، ويدلُّ على ذلك قولُه لمسلم بعد أنْ طلب منه إجارته وضيافته: "لقد كلَّفتني شططًا بهذا الأمر، ولولا دخولُك منزلي لأحببتُ أنْ تنصرفَ عنِّي، غير أنَّه قد لزِمني ذِمامٌ لذلك فأدخله دارَ نسائه، وأفرد له ناحيةً منها"([1]).

    فقبولُ هاني باستضافة مسلم كان جريًا على مقتضى العادات والأعراف العربيَّة التي تستهجنُ وتستقبحُ الامتناع عن إجارة واستضافة من استضافك واستجار بك، وعليه لا يُمكن اعتبار هاني بن عروة شهيدًا فهو إنَّما كان يحمي شرفَه والجاه الذي كان يتمتَّع به.

    الجواب:

    الخبر الذي ابتنى عليه الإشكال أوردَه عددٌ من مؤرِّخي العامَّة ولم يرد في شيءٍ من مصادرنا وبقطع النظر عن ذلك فإنَّ الخبر تشوبُه العديد من الموهِّنات المانعة من الوثوق بصحَّته وسلامتِه من الوضع.

    تهافتُ الخبر في نفسِه:

    الموهِّن الأول: إنَّ الخبر متهافتٌ في نفسِه، ففي الوقت الذي يظهرُ منه أنَّ هاني بن عروة قد ضاق ذرعًا من مجيْ مسلم له وطلبِه النزول في داره والاستجارة به واضطراره إلى أنْ يُنزله في بعض دور نسائه فإنَّ تتمَّة الخبر اشتمل على أنَّ دار هاني أصبحتْ بعد نزول مسلم فيها موضعًا تختلفُ إليها الشيعة.

    فتمامُ الخبر الذي جاء في السؤال أوردَه ابنُ قتيبة الدينوري في كتابه الأخبار الطوال قال: "وبلغ مسلم بن عقيل قدوم عبيد الله بن زياد وانصراف النعمان، وما كان من خطبة ابن زياد ووعيده، فخافَ على نفسه. فخرجَ من الدار التي كان فيها بعد عتمة حتى أتى دار هانئ بن ورقة المذحجي، وكان من أشراف أهل الكوفة، فدخلَ دارَه الخارجة، فأرسل إليه وكان في دار نسائه، يسألُه الخروج إليه، فخرجَ إليه. وقام مسلم، فسلَّم عليه، وقال: إنِّي أتيتُك لتُجيرني وتُضيفني فقال له هانئ: لقد كلَّفتني شططًا بهذا الأمر، ولولا دخولُك منزلي لأحببتُ أن تنصرف عنِّي، غير أنَّه قد لزِمني ذِمامٌ لذلك، فأدخلَه دار نسائه، وأفردَ له ناحيةً منها، وجعلتِ الشيعة تختلفُ إليه في دار هانئ"([2]).

    وقريبٌ من هذا النصِّ لفظًا ومعنىً ما أورده الطبري في تاريخه وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين والكامل في التأريخ لابن الأثير([3]).

    وقريبُ منه أيضًا ما أورده ابن أعثم في الفتوح وأضاف: "وجعلت الشيعةُ تختلفُ إلى مسلم رحمه الله في دار هانئ ويبايعون للحسين سرًّا، ومسلم بن عقيل يكتب أسماءهم ويأخذُ عليهم العهود والمواثيق لا يركنون ولا يعذرون، حتى بايع مسلمَ بن عقيل نيفٌ وعشرون ألفا"([4]).

    فإذا لم يكن هاني راغبًا في نزول مسلم في داره وكان كارهًا لاستضافته وإيوائه فإنَّ منشأ ذلك هو خشيته على نفسه ومصالحِه من أنْ تكون في معرَضِ الاستهداف من قِبَل السلطان، وعليه كيف قَبِل بأنْ تكون دارُه موضعًا تختلفُ إليها الشيعة لإعطاء البيعة لمسلم والتخطيط لقدوم الإمام الحسين (ع) إلى الكوفة أو للوثوب على قصر الأمارة وما يستتبع ذلك من تدوين أسماء المبايعين وجمع الأموال وشراء السلاح وتوزيع الأدوار وإرسال الرُسل واستقبالها وبثِّ العيون واستقبالها لمتابعة الأوضاع والمستجدَّات، فلو كان قبول هاني لاستضافة مسلم ناشئًا عن رعايته للأعراف والتقاليد العربيَّة لما كان ذلك مقتضيًا لأكثر من إيواء مسلم في داره مع التكتُّم على وجوده عنده، ولو طلب مسلمٌ من هاني أنْ تكون داره موئلًا للشيعةِ المناوئين للسلطة لكان لهاني أنْ يعتذرَ لمسلم(رحمه الله) بأنَّ الضيافة والإجارة التي تفرضُها الأعراف والتقاليد العربية لا تقتضي أكثر من إيوائه وحمايته شخصيًا، وعليه فهو في سعةٍ عرفًا وليس عليه في ذلك مِن عارٍ لو امتنع من استقبال الشيعة في داره أو اعتذر من استضافة مسلم إذا أصرَّ على استقبال الشيعة في داره. فصيرورة دار هاني موئلًا ومعقلًا تختلفُ إليه الشيعة لإعطاء البيعة منافٍ لصدر الخبر الذي يظهرُ منه أنَّ قبول هاني بضيافة مسلم وإيوائه كان بسبب التحرُّج من مخالفة ما عليه الأعراف والتقاليد العربيَّة القاضية باستهجان وتقبيح الامتناع عن ضيافة مَن طلب الضيافة والإجارة- إذ لا تستقيمُ دعوى أنَّ هاني كان كارهاً لنزول مسلم في داره ثم يفتح داره على مصراعيها لاستقبال الشيعة لأخذ البيعة منهم وجمع الأسلحة والإعداد لقدوم الإمام الحسين (ع).

    منافاةُ الخبر لواقع المُخبَر عنه علامةُ وهْنِه:

    الموهِّن الثاني: إنَّ مقتضى مؤدَّى الخبر المذكور هو أنَّ مسلم بن عقيل قَبِل على نفسه أنْ يكون ضيفًا ثقيلًا على هاني، فرغم أنَّه تلقَّى من هاني -بحسب الخبر- ما هو صريح في أنَّه كارهٌ لاستضافته وإيوائه وأنَّ في قبوله لاستضافته وإيوائه كُلفةً ومشقة شديدة كما هو مفاد قوله: "كلَّفتني شططًا" رغم ذلك قبِل أنْ يحلَّ ضيفًا ثقيلًا وابتلع الإهانة التي تلقَّاها من هاني!!

    وهذا ما لا يُمكن قبوله على مثل مسلم بن عقيل بل لا يقبلُه على نفسه مَن هو دونه في العزِّة والشرف والكرامة، فإذا كان هاني قد قبِل باستضافة مسلم حمايةً لشرفه ووجاهته ولأنَّه خشي أنْ يلحقَه من الامتناع عارٌ ومسبَّة فهل يقبلُ مسلم بن عقيل أنْ يلحقَه من طلب الاستضافة ذلٌّ ومهانة؟!

    ثم إنَّ الخبر المذكور يُصوِّر أنَّ مسلم بن عقيل قد تعمَّد إحراج هاني واِلجائه على قبول ضيافته وإيوائه، وذلك بأنْ دخل داره الخارجة وبعد دخوله أرسَلَ إلى هاني وطلب منه الاستضافة وهو في داره، وهل يفعلُ ذلك إلا أهلُ الضِعة والمهانة؟! فيستغل الأعراف والتقاليد لمصلحتِه دون أنْ يعبأ بما سوف يُوقعُه مِن أذىً وكُلفة ومشقَّة على الطرف الآخر، فمثلُ هذه الوقاحة لا تصدرُ إلا مِن ذوي الضِّعة والصَغار الذين لا يشغلُهم سوى التحصيل لمصالحِهم وإنْ كان ذلك على حساب ضياع مصالح الآخرين بل وإنْ علموا أنْ ذلك سيُفضي لوقوع الآخرين في المضار.

    فالعلم بسموِّ أخلاق مسلم وما يتمتَّع به من عزَّةٍ وكرامةٍ وأنَفة يمنع من القبول بهذا الخبر الذي يُظهِرُ مسلم بن عقيل في مظهر الوضيع، فإنَّ المحرَّر في علم الأصول وكذلك ما عليه العقلاء أنَّ الخبر حين لا يكون متناسبًا مع ما هو معلوم من طبيعة الشخصيَّة المخبَر عنها فإنَّ ذلك يمنعُ من الوثوق بصحَّة الخبر، ويُوجب الارتياب في صدقِه ومطابقته للواقع.

    الخبر لا يعدو الاستخفاف بالعقول:

    الموهِّنُ الثالث: إنَّ مقتضى مؤدَّى الخبر هو أنَّ مسلم بن عقيل قَبِل بأنْ يلجأ إلى دار رجلٍ لا يُؤمن بقضيتِه، وليس مستعدًّا للتضحية من أجل نجاحها، وكلُّ ما في الأمر أنَّه قبل باستضافة مسلم خوفًا على وجاهته وشرفِه مِن أنِ يَلحقَ بهما عارٌ ومسبَّة، أليس ذلك من الاستخفاف بالعقول؟!

    فكيف يأمنُ مسلم بن عقيل على نفسِه وقضيته وهو في كنَفِ رجلٍ لا يحجزُه ورعٌ ولا يردعُه خوفٌ من الله تعالى، وكلُّ ما يشغلُه هو أنْ لا يلحقُه عارٌ ومسبَّة، ألا يخشى مسلمٌ وهو العاقلُ الحصيف المحنَّك والذي اقترب عمرُه من الخمسين إنْ لم يكن قد تجاوزها ألا يخشى على نفسِه وقضيته مِن مثل هذا الرجل الذي قد يضعف فيتخلَّى عمَّا تقتضيه الأعراف والعادات أو يحتال فيُرسِل إلى السلطان فيعتذر إليه بأنَّه قبل بإيواء مسلم رعايةً للأعراف العربيَّة فلك أنْ تأتي بقوةٍ لاعتقاله ليظهر للناس أنَّ ذلك وقع خارجًا عن إرادتي فيَسلَم شرفي من الهتك، فلا أكونُ سُبةً في ألسنةٍ العرب، فإذا كان الرجل لا يشغلُه إلا الجاهُ والشرف بين الناس فإنَّه قد يضحِّي بأخلاقه ودينِه من أجل حماية جاهِه ومكانتِه بين الناس، ومثله لا يُمكن أنْ يُستأمَن على قضية خطِرة مثل قضيَّة الحسين (ع) وعلى شخصيَّةٍ مثل شخصية مسلم الذي استنفرتِ السلطةُ من الشام إلى الكوفة كلَّ امكانياتها من أجل الوصول إليه وتصفيتِه، فلولا أنَّ مسلمَ بن عقيل علِم من هاني ورعَه وتقواه وسموَّ أخلاقِه وإيمانَه الشديد بقضيَّة الحسين (ع) لمَا قبِل -وهو في هذا الظرف الدقيق والحرج- أنْ ينزل في داره ويدخلَ في أمانه وإلا كان مجازفًا بنفسِه وبقضيته.



    ​وخلاصة القول:
    إنَّ دعوى كراهة هاني لاستضافة مسلم وإيوائه وأنَّه إنَّما قبِل باستضافته حياءً وحتى لا يلحقُه بسبب امتناعه عارٌ ومسبَّة هذه الدعوى باطلةٌ، وتُكذِّبُها الشواهدُ التاريخيَّة المُجمَع عليها من قِبَل المؤرِّخين والتي نصَّت على أنَّ دار هاني لم تكن مأوىً لمسلمٍ وحسب بل كانت معقلًا للشيعة الذين بايعوا مسلم بن عقيل على نصرة الحسين (ع) وحرب بني أميَّة، فكانت الموضع الذي تُؤخذ فيه البيعة، وفيها تُدوَّن أسماءُ المبايعين، وفيها تُجمع الأموال والأسلحة استعدادًا لقدوم الحسين (ع)، ومنها تنطلقُ الرُسل للمهمَّات، وفيها يتمُّ استقبال الرُسل، ومنها تُبثُّ العيون والمراصد، وفيها يتمُّ استقبالها ومتابعة الأوضاع والمستجدَّات، فهل يصحُّ بعد ذلك توهُّم أنَّ هاني (رضوان الله عليه) إنَّما استضاف مسلم بن عقيل حياءً وخشيةً من العار والمسبَّة؟!

    هاني كان من عظماء الشهداء:

    إنَّ هاني بن عروة من عظماء شهداء النهضة الحسينيَّة، فقد آوى ونصرَ وآثر، واعتُقل وعُذِّب أقسى العذاب رغم شيخوخته فصبر واحتسب، فما تضعضع أو خنع، واستعصى على بني أميَّة إرغامه على تسليم مسلم بن عقيل، ثم قُتل صبرًا، ومُثَّل بجثمانه وسُحب في الأسواق ثم صُلب وبعده اُجتُزَّ رأسه وحُمل إلى الشام

    فهو بحقٍّ مصداقٌ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾(الانفال/74) وهو بحقٍّ مصداقٌ لقوله تعالى:
    ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾(الاحزاب/23).


    آجركم الله وأحسن اليكم العزاء
    -------------------------
    [1]- الأخبار الطوال -الدينوري- ص233.

    [2]- الأخبار الطوال -الدينوري- ص233

    [3]- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص270، مقاتل الطالبيين -أبو الفرج الأصفهاني- ص64، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص25.

    [4]- الفتوح -ابن أعثم الكوفي- ج5 / ص40.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X