بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا للهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا للهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللهِ ۖ وَمَا كَانَ للهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾[1].
في هذه الآية المباركة يوجد عرض لشريحة جديدة من الانغلاق والجدب والتعطّل الذهني لدى المشركين حيث جعلوا لله مما خلق من الزرع والأنعام نصيبا في الأوثان، ﴿فَقَالُوا هَذَا للهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا﴾، وهنا يتصاعد الانغلاق الذهني لديهم إلى درجة التعطّل التام حينما يحتالون لأصنامهم في عملية فرز الحصص ﴿فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللهِ ۖ وَمَا كَانَ للهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ﴾.
إن أمثلة هذا السلوك الذهني المعطّل لا يحتاج إلى الردّ، نظرا لهول السخافة التي يصدر عنها ذهنهم.
لذلك لم يناقشهم النص القرآني الكريم، بل علّق عليه بالقول: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾، أصلا وفصلا، فأصل تقسيمهم باطل عاطل إذ المال كله لله، وفصله بين الله وبين شركائهم باطل ثان إذ لا يسوى بالله سواه في أصل أو فصل، وتخصيصه بعد باطل الفصل والأصل بشركائهم باطل، ثالوث من باطل الحكم تهكما وزورا زين لهم كأنه هو الحق.
فالبارئ عز وجل ترك للقارئ مجال الحكم عليهم واستخلاصه درجة الغباء التي ما بعدها من غباء بالنسبة للذهنية التي تطبع كل منحرف ومنعزل عن مبادئ الله تعالى.
وأيا كان، فالملاحظ أن النص القرآني الكريم سبق أن طرح موضوع التشريك لله في مواضع متقدمة من السورة، إلا أن الطرح هناك كان متصلاّ لجعلهم [الجن] شركاء لله، أما في هذا المقطع فقد طرح النص نموذجا آخر من الذهنية الشركية التي دانوا بها المتصلة بالثروات الطبيعية وغيرها، انسجاما مع موضوعات السورة التي ستتحدث لاحقا عن إبداع الله تعالى للثروات الطبيعية والحيوانية كما سنلاحظ، مما يفصح مثل هذا الطرح المتجانس عن مدى إحكام السورة هندسيا من حيث تلاحم جزئياتها بعضا مع الآخر.
وقد ورد في مفاد هذه الآية عدة آثار نكتفي بواحد منها: فقد ورد أنهم كانوا يزرعون لله زرعا وللأصنام زرعا، فكان إذا زكا الزرع الذي زرعوه لله ولم يزك الزرع الذي زرعوه للأصنام جعلوا بعضه للأصنام وصرفوه إليها ويقولون أن الله غنيّ والأصنام أحوج، وإن زكا الزرع الذي جعلوه للأصنام ولم يزك الزرع الذي زرعوه لله لم يجعلوا منه شيئا لله وقالوا هو غنيّ، وكانوا يقسمون النعم فيجعلون بعضه لله وبعضه للأصنام فما كان لله أطعموه الضيفان وما كان للأصنام أنفقوه عليها، وقد خطّأهم الله في ذلك وفنّد حكمهم فيه فقال: كما قلتم أن الله غنيّ فيجب عليكم أن تصرفوا ما خصصتموه لله في سبيل الله وهو كل طريق خير، لا أن تصرفوه الى الصنم وصرفه الى الصنم معناه تشييد مبني عليه أو صرفه في خدمته والقوّام عليه، فإن الصرف على الصنم ليس من سبيل الله، و ﴿مِمَّا ذَرَأَ﴾، يعنى خلق والحرث هو الزرع والانعام هي الحيوانات المحلّلة الأكل المتداولة [الإبل والبقر والغنم] وإنّما قالوا هذا لشركائنا يعنون بذلك الأصنام لأنّهم لمّا خصصوا من حرثهم أو أنعامهم لها شيئا أصبحت بذلك شريكة لهم في ما زرعوا أو اقتنوا من حيوان، وهدف الآية تجهيلهم فيما يفعلون ويلتزمون ومع ذلك يدّعون لأنفسهم من الثقافة ما يقاومون به براهين السماء وبيّناتها وحجج الأنبياء ومعجزاتها.
فالكفار لأجل جهلهم بمبدأ الفيض كانوا يتقرّبون إلى الآلهة الكاذبة أي: الأصنام والأوثان بتخصيص شيء مما رزقوا لها، مع أنّه سبحانه هو الأولى بالتقرّب لا غير، لأنّه مبدأ الفيض وما سواه ممكن محتاج في وجوده وفعله، فكيف يتقربون إليه؟!
لذا قال تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ ۚ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ﴾[2]، يعني الاَصنام ليشفعوا لهم يوم القيامة.
والأمر عجيب بجعلهم نصيبًا لله ونصيبًا لشركائه، فما كان لله فهو يصل إلى شركائهم، وما كان لشركائهم لا يصل إلى الله سبحانه.
[1] سورة الأنعام، الآية: 136.
[2] سورة الزمر، الآية: 43.