بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[1].
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي﴾، الذي وصاكم به من الخمس الأولى وهي النواميس الخمس والأربع الأخرى التي تكملها [التي صرحت بها الآيتان السابقتان 151-152]، وهذا القرآن الحاوي لمسالك الهدى، ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي﴾، الخاص بي للسالكين إليَّ حال كونه ﴿مُسْتَقِيمًا﴾، لا عوج له أصليا وفرعيا ﴿َفَاتَّبِعُوهُ﴾، فإنه السبيل المستقيم بين سائر السبل ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا﴾، سائر ﴿السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾: الصراط المستقيم ﴿ذَلِكُمْ﴾، الصراط الحق وحق الصراط ﴿وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، سائر السبل، والسبل هي الطرق، ولا تتفرق هي بهم، وإنما هم الذين يفارقون نهجها ويتبعون عوجها.
فصراط الله واحد والسبل إليه عدة هي درجات، وهذه سبل المؤمنين، ثم تقابلها سبل المغضوب عليهم والضالين، وهما المعنيّان بالسبل المنهي عنها في ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا﴾.
وقد تعني ﴿صِرَاطِي﴾، إلى صراط الله صراط رسول الله إلى الله، فإنه من قوله حسب الأمر: في الآيات السابقة: من قوله: ﴿قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ﴾، الى قوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي﴾، مهما كان الصراط هو صراط الله، ولكن الرسول الهادي إليه المهتدي به وهو على صراط مستقيم، له الصراط رسوليا ورساليا، كيف لا وهو من أنعم المنعم عليهم: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾[2]. ودعاءنا ليل نهار في الصلاة وغيرها من خلال قراءة سورة الفاتحة أن يهدينا ربنا إلى صراطهم: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾. ذلك ولكن نسبة الصراط إلى الله هي نسبة المسلوك إليه، ونسبته إلى هؤلاء المنعم عليهم هي نسبته إلى سالكه، فصراط الله لنا هو الذي قرره لنسلكه إليه، وصراطه هو الذي نسلكه إلى الله. إذا ف ﴿صِرَاطِي﴾، نسبة إلى الله هو الأول، ونسبة إلى الرسول هو الثاني، ثم ونسبة إلى سائر السلاّك ليست إلاّ على ضوء صراط الرسول بما يهدي الله، وصراط الرب في ربوبيته خاص به لا يعدوه إلى سواه ﴿..إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ..﴾[3]، والصراط إلى الرب خاص بالمربوبين لا يعدوهم إليه.
في هذه العشر مما ﴿حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾، لا نجد التصريح بالنهي التحريمي إلاّ في خمس هي الإشراك بالله وقتل الأولاد من إملاق وقرب الفواحش وقتل النفس المحترمة وقرب مال اليتيم إلاّ بالتي هي أحسن، كأكبر المحرمات في حقل العقيدة والنفس والعرض والمال والعقل، وهي النواميس الأصلية التي يجب الحفاظ عليها في كافة الشرائع الإلهية.
ثم الخمس الأخرى لا تدل على التحريم إلاّ بصيغة إيجاب أضدادها ﴿وبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً - وأَوْفُوا اَلْكَيْلَ واَلْمِيزانَ بِالْقِسْطِ - وإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا - وبِعَهْدِ اَللّٰهِ أَوْفُوا - وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾، إذا فالمحرم فيها ترك الإحسان بالوالدين، وبخس المكيال والميزان، وترك العدل في القول، ونقض عهد الله، واتباع سائر السبل، مما يدل على أن الأمر بالشيء لزامه النهي عن ضده العام، وأن هذه تكملة للنواميس الخمس.
وفي كلّ من هذه النواميس الخمس سلب وإيجاب، فالسلب في ناموس العقيدة ﴿أَلاّٰ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾، ﴿ولا تَتَّبِعُوا اَلسُّبُلَ﴾، والإيجاب ﴿وبِعَهْدِ اَللّٰهِ أَوْفُوا﴾، - ﴿وبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾، ﴿وأَنَّ هذا صِراطِي…﴾، والسلب في ناموس النفس ﴿وَلَا تَقْتُلُوا﴾، ومن إيجابه ﴿إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾، والسلب في ناموس العرض ﴿لا تَقْرَبُوا اَلْفَواحِشَ﴾، ومن إيجابه ﴿إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾، والسلب في ناموس المال ﴿لا تَقْرَبُوا مالَ اَلْيَتِيمِ﴾، وإيجابه ﴿إِلاّٰ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، و ﴿أَوْفُوا اَلْكَيْلَ واَلْمِيزانَ﴾، ثم الإيجاب في ناموس العقل هو الإيجاب في النواميس الأربعة الأخرى ف ﴿ذلِكُمْ وَصّٰاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
ثم ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، بعد أقسام، و ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، بعد العاشرة، تذكرة لإيجاب الواجب وترك المحرم، واتقاء عن المحظور في ترك الواجب وفعل المحرم.
[1] سورة الأنعام، الآية: 153.
[2] سورة النساء، الآية: 69.
[3] سورة هود، الآية: 56.