بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾[1].
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾، نعمة الخلق والإيجاد والتصوير، هي أول نعمة ذكّر بها سبحانه. والمعنى في هذا الخطاب: أنّا بدأنا خلق آدم أي أوجدنا أصلكم الذي هو التراب أو من المني أو من الدم ثم صوّرناكم [أفضنا عليكم الصورة الإنسانية، في رحم الأمهات]، فابتداء خلقه (عليه السلام) من التراب عقبته الصورة التي صار عليها.
﴿ثُمَّ﴾، بعد نعمتي الخلق والتصوير ﴿قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾، كان قبل ﴿خَلَقْنَاكُمْ..﴾، كمجموعة، فكيف تأخر هنا في هذا العرض العريض؟ أفكان عرضا مشوشا خلاف واقع الترتيب؟ وهو مشوش من التأويل يمس من كرامة القرآن الرتيب الأديب فوق القمم كلها في الأدب الأريب! قد تعني ﴿خَلَقْنَاكُمْ﴾، بما خلق أبوينا الأولين حيث كنا ذرا هناك، وكما ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾[2]، بوجه الذرية الصحيح أنها هناك من إضافة الشيء إلى نفسه باعتبارين: حملناهم وهم ذرية في أصلاب وأرحام الآباء والأمهات المحمّلين في الفلك المشحون، وكما تشهد له: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾[3].
فهنا ﴿خَلَقْنَاكُمْ﴾، بما خلقنا في صلب آدم وترائب زوجه ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾، تصويرا بدائيا إنسانيا هو الصورة الأولى الإنسانية، ثم: «النطفة» وما أشبه من سابقتها. ولعلّ القصد من الجمع بين الخلق والتصوير هنا هو التلميح بأن سجود الملائكة لآدم بمعناه الصالح لم يكن - فقط - حرمة لشخصه الشخيص، ومن ذريته من هم أعلى منه محتدا وأهليه لذلك الاحترام، كالمعصومين المحمديين (صلوات الله عليهم اجمعين) الذين لم يكونوا يتركون الأولى بجنب الله فضلا عن عصيان.
ذلك، وبوجه آخر ضمنه يلمح بالترتيب الثلاثي خلقا وتصويرا ومن ثم حرمة السجدة الملائكية لهذا الإنسان المخلوق في أحسن تقويم، والقصد هنا إلى الصورة الإنسانية الكاملة الواصلة إلى أحسن تقويم كيانا على ضوء شرعة الله بعد ما هو أحسن تقويم كونا بفضل خلق الله إياه. فالكيان الإنساني المتكامل على ضوء الفطرة والعقلية السليمة والوحي، هو الكيان المسجود له بملائكة الله، ولا تعني ﴿اُسْجُدُوا لِآدَمَ﴾، إلاّ سجدة الشكر لله بما خلق آدم معلما لهم ومربيا، وليست سجدة الحرمة لآدم نفسه، فضلا عن سجدة العبودية، حيث التسوية بالله محرمة في شرعة الله: ﴿تَاللهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[4]، وقد يتأيد كون المسجود له احتراما هو الإنسانية دون شخص خاص هو الأول (آدم عليه السلام)، إن إبليس يهددهم أجمع بعد ما دحر بتخلفه عن السجود لآدم: ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾[5]، ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾[6]، وهنا ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾[7]، ولولا أن السجود كان لهم أجمعين بصورة إنسانية كاملة، لما هددهم بما هددهم أجمعين.
وكما أن خلق آدم كان خلقا لنا أجمعين، كذلك السجود له هو سجود لنا أجمعين، اللّهم من رد إلى أسفل سافلين، فإنما هو سجود الاحترام بساحة الإنسانية الكبرى، ولا سيما أهل بيت الرسالة المحمدية (عليهم السلام)، كما ورد عَنْ أَبِي اَلصَّلْتِ اَلْهَرَوِيِّ عَنِ اَلرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: ((ثُمَّ إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ آدَمَ فَأَوْدَعَنَا صُلْبَهُ وَأَمَرَ اَلْمَلاَئِكَةَ بِالسُّجُودِ لَهُ تَعْظِيماً لَنَا وَإِكْرَاماً))[8].
﴿فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾، الشيطان، ويسمى إبليسا لأنه «أبلس» وحرم من رحمة الله سبحانه ﴿لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾، فإنه أبى واستكبر، وهو لم يكن من الملائكة، وإنما كان معهم فشمله الخطاب.
ولقد جاءت قصة آدم وإبليس بحذافيرها جملة أو تفصيلا في سبعة مواطن: هنا وفي سور البقرة والحجر وبني إسرائيل والكهف وطه وص.
[1] سورة الأعراف، الآية: 11.
[2] سورة يس، الآية: 41.
[3] سورة الحاقة، الآية: 11.
[4] سورة الشعراء، الآيتان: 97-98.
[5] سورة الأسراء، الآية: 62.
[6] سورة الحجر، الآية: 39.
[7] سورة الأعراف، الآية: 16.
[8] بحار الأنوار، ج 18، ص 345.