بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾[1].
إبليس عليه اللعنة صاحب المنطق الخاطئ الواضح والمتمرد على الوظيفة وصاحب الأدب السيء امام المولى المتجاهر بالرفض قال له سبحانه: اهبط منزلة وتسفّل درجة وابعد مكانا ومكانة فما يكون لك ﴿أَنْ تَتَكَبَّرَ﴾، أصلا وعلى الأخص في منطقة المقربين من الله واخرج من ساحة عزّ الملائكة الممتثلين وعباده الصالحين الى مكان داحض ﴿إِنَّكَ مِنَ اَلصّٰاغِرِينَ﴾، الأذلاء المطرودين من ناحيته تعالى، المخرجين الهابطين الذي يستكبرون عليّ إلى يوم الدين.
و«الصاغر» هو الدنيء الرذيل، ك ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[2]، والعالون يقابلونهم: ﴿أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾[3]، فقد استكبر صاغرا ولم يكن من العالين المكرمين، أم ومن العالين على آدم ولم يكن.
واصولا نحن مهما اسأنا النظر في الحياة فوجدناها مهزلة من عامّة نواحيها اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وفي كل شيء بما يغيظ السمع والبصر وكافة الحواس ظاهرة وباطنة بلا فرق بين شرق وغرب وامّة وامّة مع الاباحية الصرفة والتظاهر بالدين ومججناها بعد قطع شوط وتمنينا معها الموت لما نجد فيها من تسيّب وإهمال وفشل وانخذال ومهما حاولنا تطبيقها على موازين الحكمة لم نتعقله، وقد ورد عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ اَلْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((أَفْطَرَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَشِيَّةَ خَمِيسٍ فِي مَسْجِدِ قُبَا .. ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنْ أَتَوَاضَعُ لِلّهِ فَإِنَّ مَنْ تَوَاضَعَ لِلّهِ رَفَعَهُ اَللهُ وَمَنْ تَكَبَّرَ خَفَضَهُ اَللهُ وَمَنِ اِقْتَصَدَ فِي مَعِيشَتِهِ رَزَقَهُ اَللهُ وَمَنْ بَذَّرَ حَرَمَهُ اَللهُ وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اَلْمَوْتِ أَحَبَّهُ اَللهُ))[4].
ومع ذلك فإن التدقيق في أصل خلقة النوع ممّا يمسك بنا عن الجحود للصانع إذ لا يعقل الإغماض عن أدنى طرف ممّا قلنا فضلا عن أعلاه والسير العقلي الدقيق في ذلك يستثمر نتائج نشير إليها.
أولها: مرحلة الشعور الإنساني الذي إذا ابعد به عن ملابسة ما يحيط بصاحبه من كون فاسد، في الفور يشكّل له ولكافة من كان على وتيرته مدينة فاضلة، فإن المفاهيم العالية اوّل ما تطفح للإنسان قبل المفاهيم السافلة ولذلك ترى الإنسان قبل ملابسته لظروف الحياة ومعكراتها يتوجع للفقير والمريض والمظلوم ذلك لأن المفاهيم السافلة ليست من شغل الفطرة وإنما هي من ايحاء الملابسات مثلا الجور الذي يلاقيه الإنسان من آخر يحزّ في عاطفته فيريد دفعه عن نفسه والانتقام من الجائر وحيث لا يصادف من يحكم له بعدل ويأخذ له بثأر يلجئه حبّ الانتقام الى التذرع بكل شيء من إحراق زرع الجائر وقتل ولده ونهب اموال رحمه ومن يمتّ اليه بحيث يرى في ذلك اغاظة للجائر فيبرد من جرّاء ذلك شيء من غلّته وهكذا عند ما يلابسه الضيق والفقر وما هو محروم منه، من مزاحمة الأغيار لحقوقه الاجتماعية فهو يحاول الخروج منها بكل صورة من تلك الصور، قطع الطرق، وضرب الجيوب، والتسلق على البيوت.
وثانيها: في كون الطبيعة رأس مال وبضاعة للإنسان، لا شك أن الطبيعة مشحونة بما لا يحصى من الخيرات التي تقوم برفاه الإنسان من عامة جنباته ومن بعضها ما تجلى للكون ورأته احداق البشرية وبفضل الشعور الإنساني الموهوب ممّن خلق الإنسان وأبدعه وهكذا بفضل الحول الإنساني الذي وهب له من الخالق ايضا استطاع الإنسان ان يبنى له كيانا مادّيا واسعا وسيتسع مادام للطبيعة وللإنسان ولشعوره بقاء.
وثالثها: تطبيق المادة والمعنى، بلا شك أن المرحلتين السابقتين بشعوره في السير الغير المفيد كما عليه المتزمتون الذين قضوا اعمارهم في التوافه كما لا ينحصر بنفسه في الماديّات بحيث لا يزن سواها بشيء فإن مثل هذا الموجود تعزله شهواته عن كل خير فلا بدّ من خلط كلتا الجهتين الماديّة والمعنوية حتى تسير الحياة بالأبدان والضمائر سيرا يعود على الجميع بالخير العميم.
[1] سورة الأعراف، الآية: 13.
[2] سورة التوبة، الآية: 29.
[3] سورة ص، الآية: 75.
[4] الكافي، ج 2، ص 122.