تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
كل إنسان يحمل في داخله قلبًا مضطربًا تارة، مطمئنًا أخرى. قلب يتقلب بتقلب الأحوال، ويتفاعل مع ما يحيط به. لكن حين يُسلّم هذا القلب لله، ويختار أن يكون بين يديه، يبتدئ ترتيب جديد، وسلام داخلي لا يشبه شيئًا في الدنيا.
قال الإمام علي عليه السلام:
"إن لله في الأرض آنية، ألا وهي القلوب، فأحبها إليه أصفاها وأصلبها وأرقها."
فأصفاها من الذنوب، وأصلبها في الحق، وأرقها على الخلق. هذا هو القلب الذي يصلح أن يكون بين يدي الله.
ماذا يعني أن يكون قلبي بين يدي الله؟
أن يعيش الإنسان وهو يدرك أن قلبه ليس ملكًا له، بل هو أمانة بين يدي الله. فإذا اختلجت فيه مشاعر، أو مالت به الأهواء، رجع إلى صاحبه يسأله الهداية والثبات.
أن أعيش بقلب يشعر، لا فقط ينبض. بقلب حاضر، لا غافل.
أن أقول: "يا رب، هذا القلب لك، فزكّه، طهّره، واجعله محل رضاك."
قال الإمام الصادق عليه السلام:
"قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الله، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه."
أي أن التوفيق بيد الله، والاستقامة عطية منه، وعلينا أن نلتمسها بالدعاء والعمل.
١. التخلي ثم التحلي
قبل أن يُنار القلب، لا بد من أن يُفرَّغ.
كما لا يمكن ملء كأس بالماء النقي إن كان مملوءًا بالطين، لا يمكن ملء القلب بنور الله إن كان مليئًا بالأحقاد والذنوب.
التخلّي:
التخلّي عن الحسد الذي يحرق القلب قبل غيره.
التخلّي عن الرياء الذي يُدخل الظلمة على القلب.
التخلّي عن الغرور، فالذي يرى نفسه، لا يرى ربه.
التحلّي:
بالرضا، فالساخط لا يهدأ قلبه.
بالتوكل، فلا قلق لمن فوّض أمره لله.
بالرفق، فالله رفيق يحب الرفق في الأمور كلها.
يقول الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه:
"اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع..."
لأن القلب الذي لا يخشع، لا يسمع، ولا يستوعب، ولا يُهذَّب.
٢. الاستعانة بنور الله
القلوب تحتاج إلى نور، لا إلى كثرة المعلومات.
وقد قال تعالى:
"أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه..." (الزمر: ٢٢)
والنور لا يُعطى إلا لمن أخلص.
قال النبي محمد صلى الله عليه وآله:
"من أخلص لله أربعين صباحاً فجّر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه."
كلما أخلصت في نيتك، توضّأ قلبك من الكدر، وتفتحت لك أبواب الفهم والسلام الداخلي. الإخلاص مفتاح يُضيء الداخل، ويفرز لك الأولويات، ويجعلك تعرف ماذا تُبقي في قلبك وماذا تُخرِج.
٣. صحبة القرآن وأهل البيت عليهم السلام
الله تعالى أنزل القرآن لا ليُقرأ فقط، بل ليُشفَى به.
قال سبحانه:
"وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين." (الإسراء: ٨٢)
فحين أضع آية في قلبي، أشعر أنها تلمسه، تنقّيه، وتربّت عليه.
ولم يُفهم القرآن كما فهمه أهل البيت عليهم السلام. هم نوره المفسَّر، وبيانه الناطق. أحاديثهم تشفي القلب، وتضبطه، وتطمئنه.
حين أجلس دقائق مع حديث من أحاديثهم، أشعر وكأني دخلت على طبيب الروح.
٤. العودة المتكررة
ليس المطلوب أن لا تخطئ، بل أن لا تبتعد.
القلوب تتلوّث وتضطرب، لكن المهم أن تعود إلى الله كل مرة.
قال أمير المؤمنين عليه السلام:
"إن الله يحب العبد المفتن التواب."
أي الذي يُخطئ ثم يتوب، ويعود كلما تاه.
كل لحظة رجوع إلى الله هي لحظة ترتيب جديدة. وكل دمعة ندم هي ماء يُغسل به القلب.
وقد كان الإمام الحسين عليه السلام يدعو:
"يا الله، لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدًا."
لأن النفس مضطربة، إن لم يُمسك الله بزمامها، أضاعت كل شيء.
حين أختار أن يكون قلبي بين يدي الله، فأنا أرتب داخلي وفق مايحب الله ويرضى ، لأن من كان الله نوره، لم يضل، ومن كان الله قبلة قلبه، لم يتشتت.
بين يدي الله، يكون القلب طاهرًا، راضيًا، حاضرًا، محبًا، صافيًا.
"ألا بذكر الله تطمئن القلوب."
(الرعد: ٢٨)
أن يكون قلبي بين يدي الله لا يعني أن يكون بلا خطأ، بل أن يعود سريعًا، ويتوب كثيرًا، ويخاف أن يُسلَّم لقلبه، فيدعوه دائمًا كما علمنا الإمام الحسين عليه السلام:
"يا الله... لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدًا."
حين أضع قلبي بين يدي الله، فلن يضيع، ولن يضجّ، ولن يخاف، لأنه بين يدي أرحم الراحمين
-