سواد الحداد.. أم سواد التناقض؟
مع اقتراب شهر محرّم الحرام، تتسابق واجهات المحالّ الإلكترونية وأرفف المتاجر في عرض الملابس السوداء، وتتهيأ المجتمعات لارتداء ثوب الحزن إيذانًا ببدء موسم عاشوراء، إحياءً لذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.
لكن وسط هذا الزخم، يطلّ علينا مشهد غريب يثير تساؤلًا مشروعًا:
هل يجوز الحداد بملابس فاضحة لا تمتّ للحجاب بصلة؟
إنّ السواد الذي يرتديه المحبّون تعبيرًا عن الحزن والمواساة، ليس لونًا مقدّسًا بذاته، بل وسيلة رمزية تُعظّم المصاب وتعكس الحزن على الفاجعة. لكن حين يتحوّل هذا اللون إلى غطاء لأزياء ضيّقة، شفافة، أو ذات تصاميم تثير الانتباه أكثر مما تستر، فإن القضية تخرج من إطار الإحياء إلى دائرة التناقض!
لا يُعقل أن تُرفع شعارات العفاف والزهد، في حين تُعرض الأجساد بزينة "حداد"، وكأنما الحزن بات مناسبة لعرض آخر صيحات الموضة السوداء.
فأيُّ عزاءٍ هذا الذي لا يحترم روحه؟ وأيُّ حدادٍ ذاك الذي لا يوقّر مصابه؟
اللباس في عاشوراء لا يجب أن يكون مجرد التزام بلون، بل التزام بأدب. حجاب المرأة ـ في كل حين ـ هو عنوان شخصيتها ومرآة قناعتها الدينية، وفي مواسم الحزن يتأكد هذا المعنى أكثر. فكيف إذا كان المقام مقام قدوة واستلهام من نساء آل البيت، سيّدات الطهر والعفاف؟
إننا بحاجة لإعادة النظر في ثقافة "الحداد المظهري"، وتصحيح المفهوم:
الحداد لا يُقاس بالسواد فقط، بل بالوقار والحياء والتقوى.
فلنلبس السواد، نعم، لكن ليكن سوادًا نقيًا من الرياء، خاليًا من التبرج، شاهدًا على صدق انتمائنا للمبادئ التي ضحى من أجلها الحسين عليه السلام.