لا تُختزل الشعائر في أخطاء العابرين
صادق مهدي حسنما من ممارسة دينية أو فكرية أو اجتماعية إلا ويعتريها في بعض صورها شيء من الخطأ أو الانحراف. فالناس بشر، والجهل والغفلة وسوء الفهم أمور ملازمة للطبيعة الإنسانية، لا يكاد يسلم منها أحد. بل قد يتعمد بعض المرتزقة والمأجورين ارتكاب الخطأ عن سبق إصرار لتشويه الممارسة أو ضرب الفكرة من داخلها. وهذا أمر لا يقتصر على دين دون دين، ولا مذهب دون مذهب، بل نجده في كل أمة وجماعة وتوجه.
ومن بين الممارسات التي كثيرًا ما تكون عرضة للجدل، شعائر الإمام الحسين عليه السلام، تلك الشعائر التي وُلدت من رحم الألم والحق والولاء، لكنها - كغيرها - لم تسلم من بعض صور الإساءة أو التجاوز التي تقع أحيانًا عن جهل أو حماسة غير منضبطة أو حتى بدوافع غير نزيهة.
لكن هل يصحّ أن نأخذ هذه الأخطاء الجزئية، ونجعل منها مقياسًا عامًا؟
هل من العدل أن نحمّل الخطأ الفردي على ظهر الجماعة؟
هل يُعقل أن نختزل شعائر الحسين (ع)، بكل ما تمثله من ثقل روحي وتاريخي وثوري، في تصرفات قلة قد لا تعبّر عن روح الفكرة ولا عن أغلب الممارسين لها؟
إنّ العدالة تقتضي التفريق بين الأصل النقي والتطبيق القاصر، وبين النية الطيبة والفعل المرتبك، وبين من يسيء وهو يظن أنه يحسن، ومن يسيء عن خبث وتخطيط. فمن أساء فعليه وزره، ومن تجاوز فليُقوَّم، لكن لا داعي للتعميم ولا للتشويه ولا للتهريج.
إنّ أعظم ما يُمكن أن نقدمه في نقد الشعائر هو الإصلاح من داخل البيت، بالنصح الصادق، والحوار الهادئ، والتمييز بين الثابت والمتغيّر، بين جوهر الشعيرة وشكلها، بين المقصد والسلوك. فالحسين عليه السلام ليس بحاجة لمن "يُنصره" بالانفعال أو الصراخ فحسب، بل بحاجة لمن يُحيي قضيته بالعقل، بالعدل، بالإخلاص.
فرفقًا بالشعائر، ورفقًا بالناس، ورفقًا بالحقيقة.