بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد و آل محمد
الحمد لله الذي جعل الصبر مفتاح الفرج، وجعل الحكمة نورًا في قلب من أحب.
حين نذكر اسم زينب بنت علي عليهما السلام ، لا يخطر ببالنا مجرد امرأة عابرة في التاريخ... بل يخطر ببالنا جبلٌ لا تهزه العواصف، بحرٌ عميقٌ في حكمته، عطرٌ خالد لا تمحوه الليالي ولا تطفئه الأيام.
الصبر الذي يشبه الجبال
قال الله تعالى:
﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [النحل: 127].
زينب (عليها السلام) عاشت الصبر بكل تفاصيله.
صبرت يوم فقدت أمها الزهراء، ورأت ظلم القوم لها.
صبرت يوم رأت أباها يضرب بالسيف على محراب صلاته.
صبرت يوم سمعت بسمّ أخيها الحسن، ومزق كبده بالسُمّ.
لكن... أعظم الصبر، كان يوم عاشوراء.
تخيلوا امرأة ترى إخوتها وأبناءها وأهل بيتها يُذبحون واحدًا بعد واحد، حتى وصلت إلى الحسين (عليه السلام)، آخر نبض قلبها.
ومع ذلك... لم تصرخ بكلمة اعتراض على الله، بل قالت:
"اللهم تقبل منا هذا القربان."
أتعلمون ما معنى أن تفقد كل شيء وتبقى واقفًا على قدميك؟
هذه ليست قوة بشرية... هذا صبر إلهي.
كما قال الإمام زين العابدين (عليه السلام):
"إنها صابرة محتسبة."
الحكمة التي تهدي الأمم
قال تعالى:
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 269].
الحكمة ليست فقط أن تعرف متى تتكلم... بل متى تصمت.
زينب (عليها السلام) كانت تعلم متى تبكي... ومتى تخطب.
وقفت في الكوفة، وبين أهلها، بعد أن ذُبح الحسين، وقالت:
"يا أهل الكوفة، يا أهل الغدر والمكر..."
كلماتها كانت سهامًا... لكنها لم تجرح بلا هدف، بل كانت لإيقاظ القلوب.
وفي مجلس يزيد... ذلك المجلس الذي كان يجلس فيه الطاغية على عرشه وهو يظن أنه قد انتصر:
وقفت زينب.
رفعت رأسها.
قالت له:
"فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا..."
من أين تأتي امرأة بهذا الثبات؟
من أين يأتي قلب بهذه العظمة؟
من نور أهل البيت.
وقد قال الإمام الباقر (عليه السلام):
"كانت عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهّمة."
يعني: حكمتها كانت موهبة من الله، مثل حكمة الأنبياء.
لو أن الإنسان صبر فقط دون حكمة، ربما يصبر صمتًا... لكنه لا يغيّر شيئًا.
ولو كان حكيمًا بلا صبر، ربما يفقد هدوءه أمام المصيبة.
زينب (عليها السلام) جمعت بين الأمرين.
صبرت لتكون قدوة.
وتكلمت بحكمة لتكون مربية للأمة.
وهكذا قال الإمام الصادق (عليه السلام):
"الصبر رأس الإيمان."
والحكمة هي ثمرته.
أيها الأحبة، ونحن نعيش هذه الأيام المليئة بالابتلاءات...
من فقد حبيبًا...
من يعاني مرضًا...
من يمر بظلم أو ضيق...
فلنتذكر زينب (عليها السلام)، ولنقول كما قالت:
> "ما رأيت إلا جميلاً."
جميلٌ ما كان لله.
جميلٌ ما كان في سبيل الله.
نسأل الله بحق العقيلة زينب:
أن يرزقنا صبرها، وحكمتها، وثباتها، وأن يجعلنا ممن يشفع لهم أهل بيت النبوة يوم القيامة.