ولادة النموذج الأمثل رؤية في كتاب (الإمام علي نموذج الإنسانية)
د . مشتاق عباس معن
د . مشتاق عباس معن
((لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)) تقرّر هذه الآية المباركة أن الأنموذج الأجلى في بلوغ الحسنى في تفاصيل السلوكيات والممارسات البشرية كلها هو سلوك وممارسات الرسول الكريم محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإذا صرفنا النظر عن كون هذه الإشارة ملزمة (عقيديا) لأنها من خالق الخلق سنجد أنها عند العقلاء ملزمة أيضاً؛ إذ قرّر الفلاسفة والمفكرون أهمية بناء الأنموذج الأهم لإتباعه؛ لأن الإنسان بطبيعته مبني على الاهتداء بقدوة يسترشد بتعاليمها، وإلا لما كانت النماذج البشرية التي قادت كثيرا من الأمم .
وقد تحدث (توماس كون) فيلسوف العلم المشهور عن مرحلة (تغيّر الأنموذج المعرفي) بوصفه فتحا معرفيا جديدا تنتقل فيه رؤى المجايلين له إلى آفاق لم تكن موجودة قبل ذلك التغيّر، بمعنى أن وجود الأنموذج يسهم أيضاً في تغيير كل ما يتعلق بالمجتمع المقتدي، ولاسيما جانبهم المعرفي.
ويحاول كتاب الأستاذ صباح محسن كاظم الموسوم بـ (الإمام علي نموذج الإنسانية ) أن يجلّي أهم التحوّلات التي أحدثتها ولادة الأنموذج القائد للمجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول الأكرم محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي تمثّل بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب إذ كان امتداداً له وفرعاً عنه.
ويستعرض الكتاب بنحو تفصيلي مراحل تشكّل ذلك الأنموذج بدءاً بنشأته في كنف رسول الإنسانية الخاتم، وتكوّن شخصيته القائدة التي نمّاها ورعاها الرسول الأكرم.
ولتكون صياغة الكتاب بنحو منسجم مع هدف التأليف وغاية طرحه؛ عمّق المؤلف الحفر في السمات التي برّزت شخصية أمير المؤمنين لتكون ملامح قائد مقبل ولاسيما تلك التي اتسمت بالغرابة والتعقيد فأعيت كل من جايله بعد رحيل الرسول الأكرم عن دار الدنيا فكانت بوادر تسليمٍ لقائدهم الجديد.
ونقل الأستاذ صباح في كتابه الذي نحن في صدد الحديث عنه رواية عن سبط بن الجوزي ذكرها في كتابه تذكرة الخواص تلخّص ثبات أمير المؤمنين ع ملجأ لكل من حكم قبله بعد رحيل الرسول الأكرم عن دار الدنيا، إذ يروي ابن الجوزي أن قيصر بعث بكتاب ينطوي على جملة أسئلة معقّدة وملغزة لخليفة المسلمين آنئذ عمر بن الخطاب، فأوكل أمر الإجابة عنها لعارف عصره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فكان من جوابه بحسب ما نقله ابن الجوزي.
وكان عليه السلام الأنموذج المقتدى في القضاء أيضاً، فمن غرائب الاحتكام إليه ما رواه الأمين في كتابه عجائب أحكام أمير المؤمنين ع التي نقلها الأستاذ صباح محسن كاظم في كتاب اليوم (علي نموذج الإنسانية) المعروفة بـ (قصة الأرغفة).
ويؤكد الكتاب أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع كان قدوة في الإنسانية والخلق الرفيع والعدالة فاستحق بذلك أن يكون أنموذجاً للإنسانية لا في عصره فقط بل في الأعصر التي تلته بدلالة شهادة المفكرين والعلماء من المسلمين وغير المسلمين.
إذ ينقل الأستاذ صباح محسن كاظم عن شبلي شميل وهو كاتب نصراني قوله:
الإمام علي بن أبي طالب ع عظيم العظماء نسخةٌ مفردة لم يَرَ لها الشرق ولا الغرب صورةً طبق الأصل لا قديما ولا حديثاً .ص 139
فأمير المؤمنين بحق أنموذج الإنسانية الذي لم يشهد له الموالف فقط بل المخالف أيضا... فسلام عليه حين ولد وحين عاش وحين استشهد زكيا طيبا.