بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۚ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [1].
﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ﴾، التقطيع بمعنى التفريق فأصبحت بني إسرائيل متفرقة الى اثنتي عشرة فرقة. والأسباط: مفردها: سبط، وهو الفرقة ولذلك أنّث اثنتي عشرة وحذف المميّز، يعني: قطعناهم اثنتي عشرة فرقة وجعلناهم أسباطا، والأسباط هم أولاد يعقوب عليه السلام فقد كانوا اثنتي عشر، وكان لكل واحد منهم نسل فصار نسله فرقة من فرقهم، وقد كانوا أُمَماً كل أمة منهم يرجعون إلى رئيسهم في سائر أمورهم ليخف الأمر على موسى عليه السلام ولا يقع بينهم تنافر وتباغض.
فهذه الآية الشريفة هي آية وحيدة في بيان عديد الأسباط، بعد آيات أربع تذكرهم دون عديدهم، وهم هنا ﴿أُمَمًا﴾، بعد كونهم أمة واحدة في شرعتهم.
وترى كيف هنا ﴿أَسْبَاطًا أُمَمًا﴾، وتمييز ما فوق العشرة مفرد؟، إنه قد لا يكون تمييزا، بل هو بدل يعني قطعناهم أسباطا أمما هم اثنتي عشرة، أم أن ﴿أَسْبَاطًا أُمَمًا﴾، حالان ل «هم» فإن واقع عديد الأسباط لا يقبل التقطيع لأنه تحصيل للحاصل، وإنما «قطعناهم» تفريقا بينهم حال كونهم أسباطا أمما، أم لأن تمييز ما فوق العشرة لا يختص بالإفراد، فقد يجمع كما هنا، وأخرى يفرد ك «عينا» تمييزا ل ﴿اثْنَتَا عَشْرَةَ﴾، والقاعدة الأدبية المخالفة لأدب القرآن هي خارجة عن الأدب البارع. ذلك، فتقدير تمييز مفرد حفاظا على الأدب المزعوم تقدير على أدب القرآن، ولا يصلح تمييزا ل «أثني عشر» إلا «أسباطا».
وترى هذا التقطيع لهم رحمة؟ وهو زحمة قضية الاختلاف! إنه زحمة كأصل حيث الوحدة هي الرحمة ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾[2]، ثم هو رحمة في غير أصل حين لا تعايش سلميا بين مختلف الأسباط، وهكذا كانوا مختلفين لا يتعايشون فقطعهم الله تعالى حتى يتخلصوا عن أعباء الخلافات، قطعناهم لحد ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾، وكما ﴿وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾[3].
وعن عُبَيْدُ اَللهِ بْنُ عَبْدِ اَللهِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ عَمَّا يُقَالُ فِي بَنِي اَلْأَفْطَسِ فَقَالَ: ((إِنَّ اَللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْرَجَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اِثْنَيْ عَشَرَ سِبْطاً وَجَعَلَ فِيهِمُ اَلنُّبُوَّةَ وَاَلْكِتابَ وَنَشَرَ مِنَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ اِبْنَيْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ اِثْنَيْ عَشَرَ سِبْطاً ثُمَّ عَدَّ اَلاِثْنَيْ عَشَرَ مِنْ وُلْدِ إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: رُوبِيلُ بْنُ يَعْقُوبَ وَشَمْعُونُ بْنُ يَعْقُوبَ وَيَهُودَا بْنُ يَعْقُوبَ وَيشاجر بْنُ يَعْقُوبَ وَزيلون بْنُ يَعْقُوبَ وَيُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ وَبِنْيَامِينُ بْنُ يَعْقُوبَ وَنفتالي بْنُ يَعْقُوبَ وَدَانُ بْنُ يَعْقُوبَ..))[4].
﴿فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾، أي لما طلب قوم موسى عليه السّلام في التيه الماء من موسى عليه السّلام، اوحينا اليه ان يضرب عصاه بالحجر فضربها بالحجر فانفجرت من الحجر عيونا على العدد المذكور.
ولا استحالة في ذلك ولا يكون مخالفا للعقل بأن يقال: إن الحجر الواحد الغير المتصل الى الارض الذي يحركونه مع القوم، كيف يقبل اشتماله على الماء الكثير الزائد على حجم الحجر بمراتب، حتى يخرج منه ويشرب كل الاسباط منه، وهل هو الا احاطة الاقل على الاكثر، (اذ لا مانع) عند العقل أن يكون ضرب عصا موسى عليه السّلام مؤثرا في الانفجار وانقلاب الهواء الداخل فيه ماء والهواء في غاية الكثرة فعلى الدوام يدخل في الحجر وينقلب ماء ويخرج من الحجر على النحو المذكور فلا مانع منه عقلا.
[1] سورة الأعراف، الآية: 160.
[2] سورة هود، الآيتان: 118-119.
[3] سورة المائدة، الآية: 12.
[4] الخصال للصدوق، ج 2، ص 465.