تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
الحديث عن مقام عظيم من مقامات الإيمان: مقام اليقين، ونأخذ فيه مثالًا خالدًا هو حامل لواء كربلاء، قمر بني هاشم العباس بن علي عليه السلام.
اليقين هو الثبات على الحق دون شك أو تردد، كما ورد في الحديث عن الإمام علي عليه السلام:
"اليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأويل الحكمة، ومعرفة العبرة، وسنّة الأولين." (نهج البلاغة، الحكمة رقم 31)
▪️ اليقين في القرآن الكريم:
قال الله تعالى:
﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]
والمراد باليقين هنا: الموت، ولكن المعنى الأوسع أن اليقين هو النهاية العليا للإيمان، حيث يصبح القلب مطمئنًا تمامًا.
▪️ العباس عليه السلام.. رمز اليقين المطلق:
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في وصف العباس بن علي عليه السلام:
"كان عمّنا العبّاس نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله عليه السلام وأبلى بلاءً حسنًا ومضى شهيدًا." (بحار الأنوار، ج 44)
كلمة "نافذ البصيرة" تعني: كان يملك يقينًا لا يتزلزل.
رغم العطش، ورغم كثرة العدو، ورغم ألم القلب على الأطفال والنساء، ظل العباس عليه السلام ثابتًا لا يمدّ يده لماء فرات، مع أنه وصل إليه، ولكنه رجع وفاءً ويقينًا بما عاهد الله عليه.
▪️ موقفه عند نهر العلقمي: امتحان اليقين
عندما وصل إلى الماء، روى الشيخ المفيد في الإرشاد وغيره أن العباس أخذ الماء بيده ليشرب، لكنه تذكّر عطش أخيه الحسين عليه السلام وأهل بيته، فرمّى الماء قائلاً:
"يا نفسُ من بعد الحسين هوني، وبعده لا كنتِ أن تكوني، هذا حسين وارد المنون، وتشربين بارد المعين؟ والله ما هذا فعلُ ديني!"
هذا ليس فقط وفاءً، بل هو اليقين بأن رضا الله فوق لذّة الدنيا وزينة الحياة.
▪️ اليقين أساس الشجاعة
لو لم يكن العباس عليه السلام على يقينٍ كامل بأن ما يفعله هو طريق الله، لما ثبت في ذلك الموقف العظيم.
قال أمير المؤمنين عليه السلام:
"ما زُهد عبدٌ في الدنيا إلّا أنبت الله الحكمة في قلبه، وأطلق بها لسانه، وبصّره عيوب الدنيا وداءها ودواءها، وأخرجه منها سالمًا إلى دار السلام." (نهج البلاغة)
وهكذا كان العباس عليه السلام زاهدًا في الحياة متيقنًا بالله، فصار رمزًا للبطولة والوفاء.
▪️ درس لنا اليوم: بناء اليقين
اليقين لا يُمنح فجأة، بل يُبنى بالصبر، والعبادة، ومعرفة الله والأرتباط بسيد الشهداء عليه السلام ، كما في قول الإمام الصادق عليه السلام:
"اليقين درجات: أولها التصديق، ثم الإخلاص، ثم المعرفة، حتى يبلغ العبد درجة يرى فيها ما وعد الله كأنه معاين له."
(الكافي، ج2)