كيف حفظ الإمام زين العابدين “ع” نهج محمد و آله الأطهار؟
الإثنين 21 يوليو, 2025 , 10:00 صباحًا
شکلت واقعة كربلاء منعطفًا أساسيًا في التاريخ الإسلامي، خاصةً وأن هذه الجريمة الفظيعة لم تقتصر فقط على القتل والتنكيل في ميدان المعركة، بل تعدتها لتشهيرٍ وبث الأضاليل والمغالطات، لذلك كان لا بد من صوتٍ تصحيحي وتصويبي يظهر الحق ويدحض الباطل، وهذا الدور الذي تصدى له الإمام علي بن الحسين زين العابدين “ع”.
وفي ذكرى شهادة الإمام زين العابدين (ع) قال الشيخ خليل رزق في حديث خاص لوكالة “شفقنا” أنه يمكن تقسيم واقعة كربلاء إلى مقطعين زمنيين مترابطين، المقطع الأول يتمثل في تلك الحادثة المأساوية التي وقعت في العاشر من شهر محرّم، حين أقدم جيش عبيد الله بن زياد، بأمر من يزيد بن معاوية، على الاعتداء على الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وأهل بيته، فحدثت تلك الفاجعة الكبرى، أما المقطع الثاني، فهو الذي نُقلت من خلاله تفاصيل هذا الحدث إلينا، وهو الذي حفظ أهداف الإمام الحسين عليه السلام التي خرج من أجلها إلى كربلاء، ومشيرًا إلى أنّه كان للعاشر من محرّم أثر بالغ في تحقيق هذه الأهداف، لكن هذا المقطع الثاني هو الذي وثّق الواقعة ونقلها إلى الأمة، مجسّدًا تلك الأهداف، وكان للإمام زين العابدين عليه السلام، وللسيدة زينب عليها السلام، الدور البطولي في هذا الجانب.
وأضاف: من المعلوم أن الإمام زين العابدين “ع” اتبع أسلوبًا حكيمًا في تلك الظروف الحرجة التي أعقبت كربلاء، وسلك منهجًا فكريًا وثقافيًا وعاطفيًا أثّر في وعي الأمة، فبعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، اختار الإمام السجاد عليه السلام أسلوب الجهاد الهادئ في مواجهة الظلم والطغيان الذي مثّله بنو أمية، وقد أثمر هذا المنهج آثارًا مباركة عديدة، كان من أهمها التوعية الثقافية والفكرية للأمة، ولقد تمكن الأمويون، وعلى رأسهم معاوية ويزيد، من تضليل الأمة إلى حدّ أن أهل الكوفة احتفلوا بقدوم موكب السبايا بعد واقعة كربلاء، وهم لا يدركون من هم هؤلاء السبايا، ولا يعلمون ما الذي جرى في كربلاء، ولولا خطب الإمام زين العابدين “ع”، وكلمات السيدة زينب “ع”، لبقي الناس في جهلهم.
وأردف الشيخ رزق: لقد سعى الإمام زين العابدين “ع”، سواء في كربلاء أو الكوفة أو في طريقه إلى الشام، وحتى داخل الشام نفسها، إلى استنهاض مشاعر الناس وعقولهم، وإحياء ضمائرهم، من أجل أن يطلعهم على ما جرى من ظلم على أهل بيت النبوة، الذين هم جوهر الإسلام، والذين تعرّضوا لأبشع جريمة اقترفها الطغاة من بني أمية، أولئك الذين ادّعوا الإسلام زورًا وبهتانًا، لافتًا إلى أنه “من هنا كانت النهضة الفكرية والثقافية التي وجّه الإمام زين العابدين الناس نحوها بأهداف سامية، وقد ساهمت في حفظ النهج الحسيني، وكان لها أثر كبير في إحياء وعي الأمة. صحيح أن دم الإمام الحسين عليه السلام أحيا أهداف ثورته، وعلى رأسها الإصلاح في أمة جدّه محمد “ص”، إلا أن دور الإمام زين العابدين “ع” لا يقل أهمية، فلولا هذا الدور، لربما طُمست واقعة كربلاء في طيات النسيان، ولكان الناس ينظرون إليها كما روّج الأمويون، بأنها خروج عن الطاعة، وأن الإمام الحسين قُتل بسيف جدّه، أو أنه – والعياذ بالله – من الخوارج الذين خرجوا على إمام زمانهم، فاستحقوا القتل.
وأشار إلى أن الإمام زين العابدين “ع” كان له الدور المحوري في كشف الحقائق، وفي إيصال الناس إلى إدراك ما جرى على أرض كربلاء من ظلم وعدوان. ومن يطالع صفحات التاريخ، يرى بوضوح أثر نهضة الإمام الحسين “ع”، وكيف أوصل الإمام السجاد تلك النهضة بمعانيها، وعِبَرها، وأهدافها، ومن خلال مسيرته ما بعد كربلاء، لافتًا إلى أنّه كان للإمام زين العابدين “ع” كما لسائر أئمة أهل البيت “ع”، من خلال جهادهم وتضحياتهم، دور عظيم في حفظ نهج رسول الله محمد “ص”، وحفظ نهج الإسلام. وكانت خصوصية الإمام السجاد عليه السلام أنه حمل على عاتقه مسؤولية عظيمة، تمثّلت في إبقاء قضية كربلاء حيّة في وجدان الأمة، عبر الأجيال، لتكون مصدر إلهام لكل الأحرار والثوار في قيم العزة والكرامة والتضحية والشهادة في سبيل الله.
وقال الشيخ رزق: “بعد استشهاد أبيه الإمام الحسين عليه السلام، أدّى الإمام زين العابدين عليه السلام دورًا عظيمًا في حفظ نهج أهل البيت، رغم التحديات والأخطار، فقد حفظ من بقي من أهل البيت “ع”، وذكّر الناس – عبر خطبه ومواعظه في الكوفة والشام – بمكانة أهل البيت “ع” وحرمتهم، وذلك لإفشال المخطط الأموي الذي كان يرمي إلى طمس ذكر أهل البيت “ع” ومحو نهجهم، بل وحتى القضاء على الإسلام الذي يمثله هذا النهج، فقد صرّح معاوية مرارًا بأنه يريد محو ذكر النبي محمد “ص”، مشيرًا إلى أنّه عندما استُشهد الإمام الحسين “ع” مع أهل بيته وأصحابه، اعتبر الأمويون أن أمر أهل البيت “ص” قد انتهى، وأنه لن يجرؤ أحد بعد ذلك على الارتباط بهم، وبالفعل فقد حصلت رِدّة عن أهل البيت “ص” بعد استشهاد الإمام الحسين “ع”، نتيجة الجهل بالإسلام، وانعدام الوعي بحقيقة الإمامة، وقد نقل عن الإمام الصادق “ع” أنه قال: “ارتدّ الناس بعد قتل الحسين “ع” إلا ثلاثة”.
وأردف: أمام هذا الواقع، بدأ الإمام السجاد “ع” من نقطة الصفر تقريبًا، ساعيًا إلى حفظ ما تبقى من أهل البيت “ع”، وإعادة بناء العقيدة الإسلامية في نفوس الناس، بعد أن طالها التحريف والتشويه على يد بني أمية، وتمكّن الإمام “ع”، من خلال نهجه الهادئ والعميق، أن يعيد للناس ثقتهم بأهل البيت “ع”، ويوجههم نحو هذا الخط الشريف، وقد تكلّلت جهوده بالنجاح، رغم قسوة الظروف، حيث مهد الأرضية لتأسيس “جامعة الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام”، التي ضمّت الآلاف من طلاب العلم والمعرفة، وكان من بينهم بعض أئمة المذاهب الإسلامية، كأبي حنيفة ومالك وغيرهما.
وختم الشيخ رزق بالتأكيد على أنّ الإمام السجاد “ع” استطاع أن يحفظ نهج أهل البيت “ع”، وأن يوقظ مشاعر الأمة، وينشر الوعي الفكري في قلوبها، رغم الجريمة الكبرى التي ارتكبها بنو أمية، بهدف طمس معالم بيت النبوة.
سماحة الشيخ جليل رزق