اللهم صل على محمد وآل محمد
سؤال حول هذه الآية ومأجورين
{ لَىِٕن بَسَطتَ إِلَیَّ یَدَكَ لِتَقتُلَنِی مَا أَنَا بِبَاسِط یَدِیَ إِلَیكَ لِأَقتُلَكَ إِنِّی أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلعَـٰلَمِینَ }[سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٢٨]
ما هي الحكمه من هذا التصرف ان شخصا قد بسط يده اليك ليقتلك ..فلماذا لا ترد عليه بالمثل؟
على الاقل دفعا للضرر الواقع ؟
ظاهر الآية انه قد بسط يده ليقتله يعني فيها سبق اصرار وترصد وليست مجرد نيه قلبيه.
فلماذا رد عليه ما انا بباسط يدي اليك لأقتلك؟
1/ما هي الحكم’ (الفلسفة) وما هو المغزى من هذا التصرف؟
2/ الا يعتبر هذا اعان على النفس؟
الجواب :
مأجورون ومثابون على تأملكم في كتاب الله عزّ وجل.
ولكن دعنا نقف مع الآية الكريمة بتأمل وتفصيل لنجيب على سؤاليك:
الآية الكريمة:
{لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا۠ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 28]
1. ما الحكمة (الفلسفة) من هذا الموقف؟
نستطيع أن نُجمِل الحكمة في عدة نقاط:
أولًا: التأكيد على رفض العدوان مهما كان المبرر
هابيل لا يتحدث هنا عن خوفٍ جبلي أو ضعفٍ بدني، بل عن موقف مبدئي أخلاقي نابع من وازع إيماني. يقول: "إني أخاف الله"، وهذا يعني أنه يرى في قتل أخيه معصية عظيمة لا يبررها ردّ العدوان بمثله في هذا السياق.
هذا يُشير إلى أن الأصل في العلاقة بين البشر هو حقن الدماء لا سفكها، والصبر على الأذى مع التوكل على الله هو أحيانًا أعلى مراتب القوة النفسية والإيمانية.
ثانيًا: وضع النموذج الأعلى في ضبط النفس وكبح الغضب
هذا الموقف ليس تشريعًا عامًا لكل الحالات، بل هو تربية أخلاقية عالية المستوى، يُقدّمها القرآن كنموذج لمن أراد أن يترقى في مدارج الكمال، خاصة إذا كان الموقف يتعلّق بالأخ أو القريب.
موقف هابيل يُشبه ما جاء في قوله تعالى:
{ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم} [فصّلت: 34]
لكن في حالة قابيل، لم يتحول إلى "وليٍّ حميم"، بل أصر على الجريمة.
ثالثًا: ترك الحُكم لله لا للانتقام الذاتي
هابيل لم يقل "لن أدافع عن نفسي"، بل قال: "ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك" أي أنه لن يبادر إلى القتل، ولن يجعل نفسه خصمًا وقاضيًا وجلادًا. كأنه يقول:
أُسلّم أمري لله، ولا أتحول إلى ظالم لأنك بدأت الظلم.
2. هل يُعتبر هذا إعانةً على النفس؟
الجواب يحتاج تمييزًا بين المقامات الشرعية:
أولًا: لا، لا يُعتبر إعانة على النفس في هذا السياق الخاص
لأن هابيل لم يُسلّم نفسه مختارًا ولا ألقى بنفسه إلى التهلكة، بل أعلن موقفًا أخلاقيًا إيمانيًا راقيًا، وترك أمره لله.
دفع العدوان مشروع شرعًا، ولكن الرد بالقتل ليس واجبًا في كل الأحوال، خصوصًا إذا رأى الإنسان أن الصبر على الظلم فيه مرضاة لله ورسالة أخلاقية أسمى.
ثانيًا: الدفاع عن النفس مشروعٌ ولكن غير واجب دائمًا
في بعض الحالات، يجوز للإنسان أن يترفع عن القتال حتى لو كان مظلومًا، ما دام لا يُهلك نفسه عمدًا.
يقول الإمام علي (عليه السلام):
"وَاللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّدًا، وَأُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ مُصَفَّدًا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَلْقَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِمًا لِأَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ، وَغَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنَ الْحُطَامِ"
[نهج البلاغة، خطبة 224]
خلاصة الجواب:
1. الحكمة في ردّ هابيل أنه قدّم الوازع الإيماني والخوف من الله على ردّ العدوان بمثله، ورفض أن يكون مشاركًا في سفك الدم حتى لو بُدِئ بذلك، ليثبت أن الحق لا يُثبت بالقوة، بل بالمبدأ.
2. وليس هذا إعانةً على النفس، بل هو كبح للنفس عن الجريمة، وتسليمٌ لله في مقام لا يُعدّ فيه القتل مشروعًا وجوبيًا.
-----------------
منقول بتصرف بسيط