إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مِنَ الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام) : لفظة (الصادقين)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مِنَ الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام) : لفظة (الصادقين)


    الدلالة القرآنية للفظة (الصادقين)

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله كما هو أهله وكما يستحقه حمدًا كثيرًا وأعوذ به من شر نفسي إنّ النفس لأمارةٌ بالسوء إلاّ ما رحم ربي، والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمّدٍ الأمين وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
    إما بعد:
    لهذهِ اللفظةِ في القرآن مجموعةٌ من السِّمات يمكن تحديدُها بلحاظ السياقاتِ التي وردتْ فيها، يُعرفُ في ضوئها الصادقون بسماتهم التي خصَّهم القرآن بذكرها لهم؛ وهي:
    إنَّ التعبيرَ القرآني يُعِّرف لنا الصادقين ؛ قال تعالى:{ قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة:119 ] وهنا أُسند الفعلُ ( ينفع ) إلى ( صدقهم ) والصادقون هم المنتفعون بهذا الصدق ، ويمكن الوقوف على هذا الانتفاع يوم لقائه سبحانه بلحاظ وقوع الفعل(ينفع)في سياق الاستثناء المنقطعِ الدالِ على الحصرِ في قوله تعالى:{ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89] فـ( إلاَّ ) بمعنى ( لكن )([1]) ، وهي بتقدير : يوم لا ينفعُ إلاَّ مَنْ أتى اللهَ بقلبٍ سليم ، والـ( مال والبنون ) للتوكيد أو التمثيل ؛ أي لاينفع في ذلك اليوم لا مالٌ ولا بنون ولاغيرهما ([2]) ، فـ( الصادقون ) هم المنتفعون بصدقهم لإتيانهم الباري بقلبٍ سليم ، وهو السليمُ من الكفر ([3]) ، كذلك أثبتت هذه الآية الكريمة في سورة المائدة - بلحاظ الإخبار برضا الله عن ( الصَّادقين ) - أنهم في زمرة مَن (رضيَ الله عنه ورضوا عنه) وهم : خيرُ البرية و حزب الله و السابقون من المهاجرين والأنصار وذلك في الآيات القرآنية الآتية :
    قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة :100] و{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة :22] {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}[البينة : 7-8]
    السِّمةُ الأخرى للـ( الصَّادقين ) أنَّهم المُصدِّقون للأنبياء ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ؛ قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظً لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمً}[الأحزاب:7-8] ، قال الزمخشري(ت583هـ) في معناها : ((ليسألَ المصدقين للأنبياء عن تصديقهم ))([4])، فالصَّادقون هُم مَنْ صَدَّقوا الأنبياءَ في الدنيا فيكون تصديقُهم نحوًا من الشهادة للأنبياء .
    وزاد الآلوسي وجهًا آخر؛ قال(والمرادُ بالصادقينَ النَّبِيُّون الذين أُخِذَ ميثاقُهم... أو المراد بهم المُصَدِّقون بالنَّبِيينَ ، والمعنى: ليسألَ المُصدقين للنبيينَ عن تصديقِهم إياهُم ))([5]) ومع الأخذ بالوجهين في هذه الآية يكون المُراد بـ( الصَّادقين ) الأنبياءُ ومَن كان بمنزلتهم من الاتباع
    يؤيدُ ذلك قولُه تعالى:{ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف :51] فاستُعملت بخصوصِ نبيِّ الله يوسف (عليه السلام) وفي قولِهِ تعالى:{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا }[الأحزاب:23-24] إذ استُعملت في مقابل ( المنافقين ) وسمَّاهُم ( المؤمنين ) ، وهم مَنْ قضى نحبَه ومَنْ ينتظر، وهؤلاء هم الصنفُ الثاني من الصَّادقين وهم اتباع الأنبياء .
    وتتضح ملامحُ (الصادقين) بصورةٍ جليَّة ، وذلك بلحاظ مجيئها في سياق الحصر المفيد التخصيص ، من حيث أنَّ ضمير الفصل يدلُّ عل إثبات المسند للمسند إليه دون غيره وهو ما أشار إليه الزمخشري ([6]) ، وقد وردت هذه اللفظة في آيتين بإسلوب الحصر في ضمير الفصل :
    أولاهما: قولُه تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15] والأخرى قولُه تعالى: { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ }[الحشر:8].
    وفائدة ضمير الفصل ( هم ) ليؤكد أنَّ ما بعده خبرٌ لا صفة ([7]) ، بمعنى أن ما بعد ضمير الفصل (هم) ليس وصفًا للمبتدأ ، إنما هو إخبارٌ على نحو التحقق بالصدق وثباته في طائفة قد التزمتْ الصدقَ في سلوكها لا مجرد وصف ، وقد زادت الآيتان ملامحَ أُخَر لما سبقَ ذكرُه من سماتِ (الصادقين ) ؛ بأنَّهم (لم يرتابوا) وهو ما يؤيدُ كمالَ الصدقِ فيهم وينسجم مع عصمتِهم من الكذب التي أشار إليها الفخر الرازي ، وأنَّهم مِمَنْ جاهدَ في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، أما الآية الثانية فقد أوضحتْ أنَّ المراد بالصادقين هم (الفقراء المهاجرين) ، ولذلك فإن مدلول (الصادقين) يزداد بيانًا و وضوحًا في هذه الآية، وهو ما أشار إليه الزركشي(ت794هـ) ([8]) ، وهو أمر يؤيد أنَّ الألفَ واللامَ في قوله :{ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } لمعهودٍ عُرِفَ بالصِّدق .
    وكذلك أثبتت هذه الآيةُ سمةً انفرد بها (الصادقين) في القرآن الكريم؛ باعتبار استمرار نصرتهم لله ورسولِه بحسب دلالة الفعل المضارع وهو ما لمْ يثبُت لغيرهم، وهذا المعنى منسجم مع دلالة قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:23]؛ إذ إن صدق العهد مع الله سبحانه وتعالى من أوضح مصاديق نصرته ونصرة رسوله.
    مما تقدم يخلص الباحث إلى مجموعة من السِّمات الدلالية التي أبرزَها تفاعلُ لفظة الصادقين بمعناها المعجمي وهيأتها مع المعاني النحوية التي وردت فيها عبر سياقات اللفظة القرآنية وبمجموع هذه السِّمات أمكن تحديد المعنى النحوي الدلالي للفظة الصادقين بأنهم طبقة مميزة من المؤمنين وممن جاهدوا في سبيل الله وممن ينتظرون قضاء نحبهم وقد رضي الله عنه ورضوا عنه، ونصروا الله ورسوله وهم يشتركون في الانتماء إلى طائفة (خير البريَّة وحزب الله والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار).
    وما تجدر الإشارة إليه أن من أبرز السِّمات الدلالية المُمَّيزة للآية مورد البحث عن تلك التي اشتركت معها في استعمال لفظة (الصادقين) هي توجيه الأمر باتباعهم والكون معهم على أيِّة حال ، ومن ثم فإن اللام فيها للعهد ؛ باعتبار أن هذه الخصوصية فيهم لا بد من أن تكون معهودة عند المخاطبين كي يسهل اتباعهم ، وهو ما يشير إلى عصمتهم وإلا كان الأمر باتباعهم في حال الخطأ أيضًا ، وهو ما لم تُبرزه الآيات الأُخر أو تُشِر إلى هذا المعنى و انفردت به الآية موضع البحث ([9]) .
    الهوامش:
    ([1]) ينظر : الكتاب : 2/325 .
    ([2]) ينظر : المقتضب : 2 /610.
    ([3]) ينظر: لسان العرب : 12/339 .
    ([4]) ينظر : الكشاف : 3/509 .
    ([5]) ينظر : روح المعاني: 21، 234-235 .
    ([6]) ينظر : الكشاف : 1/51 ، و الإتقان في علوم القرآن : 2/ 265 .
    ([7]) الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين : البصريين والكوفيين : مسألة رقم ( 100) : 2/217 .
    ([8]) ينظر : البرهان في علوم القرآن: 1/203 ، وقد فهم المراد بالصادقين في الآية هم ( المهاجرون ) ولم يُدخل الفقراء .
    ([9]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام)/ دراسة في ضوء المعنى النحوي الدلالي، تأليف: رضي فاهم عيدان، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 76-81.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X