بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله تعالى: في محكم كتابه الكريم
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُول إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 4 وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَتِ إلى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بَأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَت لِّكُلِّ صَبَّار شَكُور5 وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِى ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ6 وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ )7﴾ سورة ابراهيم
قال تعالى. (وإذ تأذّن ربّكم لئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد)
يمكن أن تكون هذه الآية من كلام موسى لبني إسرائيل التي دعاهم فيها إلى الشكر في مقابل ذلك النجاة والنصر والنعم الكثيرة، ووعدهم بزيادة النعم، وفي حالة كفرهم هدّدهم بالعذاب، ويمكن أن تكون جملة مستقلّة وخطاباً للمسلمين، ولكن على أيّة حال فالنتيجة واحدة، لأنّه حتّى إذا كان الخطاب موجّهاً لبني إسرائيل وروده في القرآن الكريم ليكون درساً بنّاءاً لنا.
ومن الطريف أنّه في حالة الشكر يقول بصراحة (لأزيدنّكم) أمّا في حالة كفران النعم فلا يقول (اُعذّبكم) بل يقول: (إنّ عذابي لشديد) وهذا التفاوت دليل على سموّ اللطف الإلهي..
قال في المجمع التأذن الإعلام يقال: آذن وتأذن ومثله أوعد وتوعد.
وقيل: إنه معطوف على قوله:﴿إذ أنجاكم﴾والمعنى اذكروا نعمة الله عليكم إذ تأذن ربكم، فإن هذا التأذن نفسه نعمة لما فيه من الترغيب والترهيب الباعثين إلى نيل خير الدنيا والآخرة.
وفيه أن هذا التأذن ليس إلا نعمة للشاكرين منهم خاصة وأما غيرهم فهو نقمة عليهم وخسارة
والآية مطلقة لا دليل على اختصاص ما فيها من الوعد والوعيد بالدنيا ولا بالآخرة، وتأثير الإيمان والكفر والتقوى والفسق في شئون الحياة الدنيا والآخرة معا معلوم من القرآن
ممّا لا شكّ فيه أنّ الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى شكرنا في مقابل نعمه علينا، وإذا أمرنا بالشكر فذاك لنستوجب نعمة أُخرى وهي واحدة من المبادىء السامية في التربية.
المهمّ أن نعرف ما هي حقيقة الشكر؟ لكي يتّضح علاقته في زيادة النعمة من أين؟ وكيف تستطيع أن تكون عاملا مهمّاً للتربية؟
إنّ حقيقة الشكر ليس فقط ما يقوله الإنسان (الحمد لله) أو الشكر اللفظي، بل هناك ثلاث مراحل للشكر:
الأُولى: يجب أن نعلم مَن هو الواهب للنعم؟ هذا العلم والإيمان الركن الأوّل للشكر.
و تذكر النعمة و من أنعم بها ، أحد ابرز انواع الشكر ، و من عرف ان واهب النعمة هو الله ، فسعى في مرضاته لكي لا يسلبها عنه زاده ، و هكذا اعلن ربنا ان الشكر يزيد النعمة
والثّانية: الشكر باللسان. في الكافي عن الصادق عليه السلام : ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد
وفي الكافي عنه عليه السلام : من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله قبل أن يظهر شكرها على لسانه.
وعنه عليه السلام : ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال الحمد لله إلا أدى شكرها وفي رواية أخرى وكان الحمد أفضل من تلك النعمة
والثّالثة: وهي الأهمّ الشكر العملي، أي أن نعلم الهدف من منحنا للنعمة، وفي أيّ مورد نصرفها، وإلاّ كفرنا بها، كما قال العظماء: (الشكر صرف العبد جميع ما أنعمه الله تعالى فيما خلق لأجله).
لماذا أعطانا الله تعالى العين؟ ولماذا وهبنا السمع والنطق؟ فهل كان السبب غير أن نرى عظمته في هذا العالم، ونتعرّف على الحياة؟
وبهذه الوسائل نخطو إلى التكامل، ندرك الحقّ وندافع عنه ونحارب الباطل، فإذا صرفنا النعم الإلهيّة في هذا المسير كان ذلك هو الشكر العملي له، وإذا أصبحت هذه الأدوات وسيلة للطغيان والغرور والغفلة والإبتعاد عن الله فهذا هو عين الكفران!
يروى عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "أدنى الشكر رؤية النعمة من الله من غير علّة يتعلّق القلب بها دون الله، والرضا بما أعطاه، وأنّ لا تعصيه بنعمة وتخالفه بشيء من أمره ونهيه بسبب من نعمته"
وهنا يتّضح أنّ شكر العلم والمعرفة والفكر والمال والسلامة، كلّ واحد منها من أي طريق يتمّ؟ وكيف يكون كفرانها؟
الحديث الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام) دليل واضح على هذه التّفسيرات حيث يقول: "شكر النعمة إجتناب المحارم"
وتتضّح أيضاً هذه العلاقة بين الشكر وزيادة النعمة، لأنّ الناس لو صرفوا النعم الإلهيّة في هدفها الحقيقي، فسوف يثبتون عمليّاً إستحقاقهم لها وتكون سبباً في زيادة الفيوضات الإلهيّة عليهم.
من الثابت أنّ هناك نوعين من الشكر، (شكر تكويني) و (شكر تشريعي).
"الشكر التكويني" هو أن يستفيد الكائن الحي من مواهبه في نموّه ورشده، فمثلا يرى المزارع أنّ القسم الفلاني من مزرعته تنمو فيه الأشجار بشكل جيد، وكلّما يخدمها أكثر تنتج أكثر، فهذا الأمر سوف يؤدّي إلى أن يقوم المزارع على خدمة وتربية ذلك القسم بشكل أكبر، ويوصي مساعديه بها، لأنّ الأشجار تناديه بلسان حالها: أيّها المزارع، نحن لائقون مناسبون، أفض علينا من النعم، وهو يجيبهم بالإثبات.
أمّا إذا رأى في قسم آخر أشجاراً ذابلة ويابسة وليس لها ثمر، فكفران النعمة من قبلها بهذه الصورة يسبّب عدم إعتناء المزارع بها، وإذا استمرّ الوضع بهذا الحال سوف يقوم بقلعها.
وهذه الحالة موجودة في عالم الإنسانيّة بهذا التفاوت، وهو أنّ الأشجار ليس لها الإختيار، بل هي خاضعة للقوانين التكوينيّة، أمّا الإنسان فباستفادته في إرادته وإختياره وتربيته التشريعيّة يستطيع أن يخطو في هذا المجال خطوات واثقة.
ولذلك فمن يستخدم نعمة القوّة في الظلم، ينادي بلسان حاله: إلهي، أنا غير لائق لهذه النعمة، ومن يستخدمها لإقامة الحقّ والعدالة يقول بلسان حاله: إلهي، أنا مناسب ولائق فزد نعمتك عليّ!
وهناك حقيقة غير قابلة - أيضاً - للترديد، وهي أنّنا في كلّ مرحلة من مراحل الشكر الإلهي - إن كان باللسان أو العمل - سوف نحتاج إلى شكر جديد لمواهب وعطايا جديدة، ولذلك فلسنا قادرين أن نؤدّي حقّ الشكر، كما نقرأ في مناجاة الشاكرين للإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام): "كيف لي بتحصيل الشكر وشكري إيّاك يفتقر إلى شكر، فكلّما قلت لك الحمد وجب عليّ لذلك أن أقول لك الحمد"!
ولهذا فإنّ أعلى مراحل الشكر أن يُظهر الإنسان عجزه أمام شكر نعمائه تعالى، كما جاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "فيما أوحى الله عزّوجلّ إلى موسى: اشكرني حقّ شكري، فقال: ياربّ، وكيف أشكرك حقّ شكرك، وليس من شكر أشكرك به إلاّ وأنت أنعمت به عليّ؟ قال: ياموسى، الآن شكرتني حين علمت أنّ ذلك منّي"
هناك عدّة نقاط في مجال شكر النعمة:
1 - قال الإمام علي (عليه السلام) في إحدى حكمه: "إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلّة الشكر"
2 - يجب الإلتفات إلى هذا الموضوع، وهو أنّ الشكر والحمد ليس كافياً في مقابل نعمائه تعالى، بل يجب أن نشكر - كذلك - الأشخاص الذين كانوا وسيلة لهذه المواهب ونؤدّي حقوقهم من هذا الطريق، ونشوّقهم أكثر بالخدمة في هذا السبيل، كما نقرأ في الحديث عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) قال: "وإنّ الله يحبّ كلّ قلب حزين ويحبّ كلّ عبد شكور، يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلاناً؟ فيقول: بل شكرتك ياربّ، فيقول: لِمَ تشكرني إذ لم تشكره، ثمّ قال: أشكركم لله أشكركم للناس"
3 - إنّ الوعد في زيادة نعم الشاكرين لا ينحصر في النعم المادية فقط، بل الشكر نفسه مصحوباً بالتوجّه الخاص لله والحبّ لساحته المقدّسة هو واحد من النعم الإلهيّة الروحيّة الكبيرة، والتي لها تأثير كبير في تربية نفوس الناس، ودعوتهم لطاعة الأوامر الإلهيّة، بل الشكر ذاته طريق إلى معرفة الله، ولهذا السبب ورد عن علماء العقائد في علم الكلام أنّ وجوب شكر المنعم طريق إلى إثبات وجوب معرفة الله.
4 - إنّ إحياء روح الشكر في المجتمع وتقديمه إلى مستحقّيه وتقديرهم وحمدهم وثنائهم على خدمتهم في طريق تحقيق الأهداف الإجتماعية بعلمهم ومعرفتهم وإيثارهم وإستشهادهم، هو عامل مهمّ في حركة ورُقيّ المجتمع.
ففي المجتمع الفاقد للشكر والتقدير نجد القليل جدّاً ممّن يريد الخدمة، وعلى العكس فالمجتمع الذي يقيّم ويثني على خدمات الأشخاص، يكون أكثر نشاطاً وحيوية.
والإلتفات إلى هذه الحقيقة أدّى إلى أن تقام في عصرنا مراسيم إحتفال لتقدير وشكر الأساطين في الذكرى المئوية، أو الذكرى الألفية، وضمن هذا الشكر لخدماتهم يدعى الناس إلى الحركة والسعي بشكل أكبر.
إحياء هذه الذكريات يساعد على ترشيد الإيثار والتفاني لدى الآخرين، فيرتفع المستوى الثقافي والأخلاقي لدى الناس، وبتعبير القرآن فإنّ شكر هذه النعمة سوف يبعث على الزيادة،
((الزمان سيجري لمصلحة الشاكرين ، لأنهم يحتفظون بالعوامل التي أدت بهم الى النعمة من التوكل على الله ، و السعي السليم و الوحدة ، و إدخار الثروة ، و الأقتصاد في الأستهلاك ، والعدالة في التوزيع .
وإن هذا لهو الشكرالعملي الواجب كما جاء في آية كريمة : [ اعملوا آل داود شكرا و قليل من عبادي الشكور ] و بالطبع سيكون تناسي النعمة ، و تـرك الخصائص الفكرية و السلوكية التي رافقتها أو استوهبتها ، هو الكفر بالنعمة الذي يسبب في زوالها
و قال موسى إن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا ]كفرا نظريا أو عمليا بترك الشكر ، أو العودة الى جاهليتكم السوداء ، فلن تضروا الله شيئا .
[ فان الله لغني حميد ]
و غنى ربنا ليس بسرقة ، أو بابتزاز حق ، أو لأجل الفساد - سبحانه ، بل غناه حميد لانه منه و من أجل خير العالمين))
من هدي القرآن
************************************************** ************************************************** ***********************
تفسير الأمثل
تفسير الميزان
تفسير الصافي
تفسير من هدي القرآن
اللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله تعالى: في محكم كتابه الكريم
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُول إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 4 وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَتِ إلى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بَأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَت لِّكُلِّ صَبَّار شَكُور5 وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِى ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ6 وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ )7﴾ سورة ابراهيم
قال تعالى. (وإذ تأذّن ربّكم لئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد)
يمكن أن تكون هذه الآية من كلام موسى لبني إسرائيل التي دعاهم فيها إلى الشكر في مقابل ذلك النجاة والنصر والنعم الكثيرة، ووعدهم بزيادة النعم، وفي حالة كفرهم هدّدهم بالعذاب، ويمكن أن تكون جملة مستقلّة وخطاباً للمسلمين، ولكن على أيّة حال فالنتيجة واحدة، لأنّه حتّى إذا كان الخطاب موجّهاً لبني إسرائيل وروده في القرآن الكريم ليكون درساً بنّاءاً لنا.
ومن الطريف أنّه في حالة الشكر يقول بصراحة (لأزيدنّكم) أمّا في حالة كفران النعم فلا يقول (اُعذّبكم) بل يقول: (إنّ عذابي لشديد) وهذا التفاوت دليل على سموّ اللطف الإلهي..
قال في المجمع التأذن الإعلام يقال: آذن وتأذن ومثله أوعد وتوعد.
وقيل: إنه معطوف على قوله:﴿إذ أنجاكم﴾والمعنى اذكروا نعمة الله عليكم إذ تأذن ربكم، فإن هذا التأذن نفسه نعمة لما فيه من الترغيب والترهيب الباعثين إلى نيل خير الدنيا والآخرة.
وفيه أن هذا التأذن ليس إلا نعمة للشاكرين منهم خاصة وأما غيرهم فهو نقمة عليهم وخسارة
والآية مطلقة لا دليل على اختصاص ما فيها من الوعد والوعيد بالدنيا ولا بالآخرة، وتأثير الإيمان والكفر والتقوى والفسق في شئون الحياة الدنيا والآخرة معا معلوم من القرآن
ممّا لا شكّ فيه أنّ الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى شكرنا في مقابل نعمه علينا، وإذا أمرنا بالشكر فذاك لنستوجب نعمة أُخرى وهي واحدة من المبادىء السامية في التربية.
المهمّ أن نعرف ما هي حقيقة الشكر؟ لكي يتّضح علاقته في زيادة النعمة من أين؟ وكيف تستطيع أن تكون عاملا مهمّاً للتربية؟
إنّ حقيقة الشكر ليس فقط ما يقوله الإنسان (الحمد لله) أو الشكر اللفظي، بل هناك ثلاث مراحل للشكر:
الأُولى: يجب أن نعلم مَن هو الواهب للنعم؟ هذا العلم والإيمان الركن الأوّل للشكر.
و تذكر النعمة و من أنعم بها ، أحد ابرز انواع الشكر ، و من عرف ان واهب النعمة هو الله ، فسعى في مرضاته لكي لا يسلبها عنه زاده ، و هكذا اعلن ربنا ان الشكر يزيد النعمة
والثّانية: الشكر باللسان. في الكافي عن الصادق عليه السلام : ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد
وفي الكافي عنه عليه السلام : من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله قبل أن يظهر شكرها على لسانه.
وعنه عليه السلام : ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال الحمد لله إلا أدى شكرها وفي رواية أخرى وكان الحمد أفضل من تلك النعمة
والثّالثة: وهي الأهمّ الشكر العملي، أي أن نعلم الهدف من منحنا للنعمة، وفي أيّ مورد نصرفها، وإلاّ كفرنا بها، كما قال العظماء: (الشكر صرف العبد جميع ما أنعمه الله تعالى فيما خلق لأجله).
لماذا أعطانا الله تعالى العين؟ ولماذا وهبنا السمع والنطق؟ فهل كان السبب غير أن نرى عظمته في هذا العالم، ونتعرّف على الحياة؟
وبهذه الوسائل نخطو إلى التكامل، ندرك الحقّ وندافع عنه ونحارب الباطل، فإذا صرفنا النعم الإلهيّة في هذا المسير كان ذلك هو الشكر العملي له، وإذا أصبحت هذه الأدوات وسيلة للطغيان والغرور والغفلة والإبتعاد عن الله فهذا هو عين الكفران!
يروى عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "أدنى الشكر رؤية النعمة من الله من غير علّة يتعلّق القلب بها دون الله، والرضا بما أعطاه، وأنّ لا تعصيه بنعمة وتخالفه بشيء من أمره ونهيه بسبب من نعمته"
وهنا يتّضح أنّ شكر العلم والمعرفة والفكر والمال والسلامة، كلّ واحد منها من أي طريق يتمّ؟ وكيف يكون كفرانها؟
الحديث الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام) دليل واضح على هذه التّفسيرات حيث يقول: "شكر النعمة إجتناب المحارم"
وتتضّح أيضاً هذه العلاقة بين الشكر وزيادة النعمة، لأنّ الناس لو صرفوا النعم الإلهيّة في هدفها الحقيقي، فسوف يثبتون عمليّاً إستحقاقهم لها وتكون سبباً في زيادة الفيوضات الإلهيّة عليهم.
من الثابت أنّ هناك نوعين من الشكر، (شكر تكويني) و (شكر تشريعي).
"الشكر التكويني" هو أن يستفيد الكائن الحي من مواهبه في نموّه ورشده، فمثلا يرى المزارع أنّ القسم الفلاني من مزرعته تنمو فيه الأشجار بشكل جيد، وكلّما يخدمها أكثر تنتج أكثر، فهذا الأمر سوف يؤدّي إلى أن يقوم المزارع على خدمة وتربية ذلك القسم بشكل أكبر، ويوصي مساعديه بها، لأنّ الأشجار تناديه بلسان حالها: أيّها المزارع، نحن لائقون مناسبون، أفض علينا من النعم، وهو يجيبهم بالإثبات.
أمّا إذا رأى في قسم آخر أشجاراً ذابلة ويابسة وليس لها ثمر، فكفران النعمة من قبلها بهذه الصورة يسبّب عدم إعتناء المزارع بها، وإذا استمرّ الوضع بهذا الحال سوف يقوم بقلعها.
وهذه الحالة موجودة في عالم الإنسانيّة بهذا التفاوت، وهو أنّ الأشجار ليس لها الإختيار، بل هي خاضعة للقوانين التكوينيّة، أمّا الإنسان فباستفادته في إرادته وإختياره وتربيته التشريعيّة يستطيع أن يخطو في هذا المجال خطوات واثقة.
ولذلك فمن يستخدم نعمة القوّة في الظلم، ينادي بلسان حاله: إلهي، أنا غير لائق لهذه النعمة، ومن يستخدمها لإقامة الحقّ والعدالة يقول بلسان حاله: إلهي، أنا مناسب ولائق فزد نعمتك عليّ!
وهناك حقيقة غير قابلة - أيضاً - للترديد، وهي أنّنا في كلّ مرحلة من مراحل الشكر الإلهي - إن كان باللسان أو العمل - سوف نحتاج إلى شكر جديد لمواهب وعطايا جديدة، ولذلك فلسنا قادرين أن نؤدّي حقّ الشكر، كما نقرأ في مناجاة الشاكرين للإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام): "كيف لي بتحصيل الشكر وشكري إيّاك يفتقر إلى شكر، فكلّما قلت لك الحمد وجب عليّ لذلك أن أقول لك الحمد"!
ولهذا فإنّ أعلى مراحل الشكر أن يُظهر الإنسان عجزه أمام شكر نعمائه تعالى، كما جاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "فيما أوحى الله عزّوجلّ إلى موسى: اشكرني حقّ شكري، فقال: ياربّ، وكيف أشكرك حقّ شكرك، وليس من شكر أشكرك به إلاّ وأنت أنعمت به عليّ؟ قال: ياموسى، الآن شكرتني حين علمت أنّ ذلك منّي"
هناك عدّة نقاط في مجال شكر النعمة:
1 - قال الإمام علي (عليه السلام) في إحدى حكمه: "إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلّة الشكر"
2 - يجب الإلتفات إلى هذا الموضوع، وهو أنّ الشكر والحمد ليس كافياً في مقابل نعمائه تعالى، بل يجب أن نشكر - كذلك - الأشخاص الذين كانوا وسيلة لهذه المواهب ونؤدّي حقوقهم من هذا الطريق، ونشوّقهم أكثر بالخدمة في هذا السبيل، كما نقرأ في الحديث عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) قال: "وإنّ الله يحبّ كلّ قلب حزين ويحبّ كلّ عبد شكور، يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلاناً؟ فيقول: بل شكرتك ياربّ، فيقول: لِمَ تشكرني إذ لم تشكره، ثمّ قال: أشكركم لله أشكركم للناس"
3 - إنّ الوعد في زيادة نعم الشاكرين لا ينحصر في النعم المادية فقط، بل الشكر نفسه مصحوباً بالتوجّه الخاص لله والحبّ لساحته المقدّسة هو واحد من النعم الإلهيّة الروحيّة الكبيرة، والتي لها تأثير كبير في تربية نفوس الناس، ودعوتهم لطاعة الأوامر الإلهيّة، بل الشكر ذاته طريق إلى معرفة الله، ولهذا السبب ورد عن علماء العقائد في علم الكلام أنّ وجوب شكر المنعم طريق إلى إثبات وجوب معرفة الله.
4 - إنّ إحياء روح الشكر في المجتمع وتقديمه إلى مستحقّيه وتقديرهم وحمدهم وثنائهم على خدمتهم في طريق تحقيق الأهداف الإجتماعية بعلمهم ومعرفتهم وإيثارهم وإستشهادهم، هو عامل مهمّ في حركة ورُقيّ المجتمع.
ففي المجتمع الفاقد للشكر والتقدير نجد القليل جدّاً ممّن يريد الخدمة، وعلى العكس فالمجتمع الذي يقيّم ويثني على خدمات الأشخاص، يكون أكثر نشاطاً وحيوية.
والإلتفات إلى هذه الحقيقة أدّى إلى أن تقام في عصرنا مراسيم إحتفال لتقدير وشكر الأساطين في الذكرى المئوية، أو الذكرى الألفية، وضمن هذا الشكر لخدماتهم يدعى الناس إلى الحركة والسعي بشكل أكبر.
إحياء هذه الذكريات يساعد على ترشيد الإيثار والتفاني لدى الآخرين، فيرتفع المستوى الثقافي والأخلاقي لدى الناس، وبتعبير القرآن فإنّ شكر هذه النعمة سوف يبعث على الزيادة،
((الزمان سيجري لمصلحة الشاكرين ، لأنهم يحتفظون بالعوامل التي أدت بهم الى النعمة من التوكل على الله ، و السعي السليم و الوحدة ، و إدخار الثروة ، و الأقتصاد في الأستهلاك ، والعدالة في التوزيع .
وإن هذا لهو الشكرالعملي الواجب كما جاء في آية كريمة : [ اعملوا آل داود شكرا و قليل من عبادي الشكور ] و بالطبع سيكون تناسي النعمة ، و تـرك الخصائص الفكرية و السلوكية التي رافقتها أو استوهبتها ، هو الكفر بالنعمة الذي يسبب في زوالها
و قال موسى إن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا ]كفرا نظريا أو عمليا بترك الشكر ، أو العودة الى جاهليتكم السوداء ، فلن تضروا الله شيئا .
[ فان الله لغني حميد ]
و غنى ربنا ليس بسرقة ، أو بابتزاز حق ، أو لأجل الفساد - سبحانه ، بل غناه حميد لانه منه و من أجل خير العالمين))
من هدي القرآن
************************************************** ************************************************** ***********************
تفسير الأمثل
تفسير الميزان
تفسير الصافي
تفسير من هدي القرآن