بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقدّمة
لم تعرف البشرية امرأةً حملت من الآلام والأحزان ما حملته السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعد رحيل أبيها النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله). لقد كان رسول الله بالنسبة إليها ليس أبًا فحسب، بل كان روحها التي تحيا بها، ومصدر أمنها، وسندها في مواجهة الحياة. وفقده كان بداية مرحلة قاسية، امتزج فيها الفقد الروحي مع الغربة الاجتماعية والسياسية.
أولًا: علاقة فاطمة (عليها السلام) برسول الله (صلى الله عليه واله) قبل الرحيل
يصفها النبي (صلى الله عليه وآله) بأنها "أم أبيها"؛ فقد كانت له موئلًا للحنان والرحمة. كانت تراه يُعاني من أذى المشركين، فتقف تدافع عنه وتواسيه. وحين عاد منتصرًا، بقيت الزهراء أقرب الناس إلى قلبه. هذا العمق الروحي جعل لفقده أثرًا لا يمكن تخيله على نفسها الطاهرة.
ثانيًا: صدمة الرحيل والوحدة القاسية
حين حانت ساعة الفراق، كان قلب فاطمة (عليها السلام) يتمزق وهي ترى أباها يغادر الدنيا، وهو يوصيها بالصبر والثبات. وما إن أغمض النبي عينيه حتى خيّم على قلبها حزنٌ لا يوصف.
ما ذا على من شمّ تربة أحمد ألا يشمّ مدى الزّمان غواليا
صبّت عليّ مصائب لو أنّها صبّت على الأيّام صرن لياليا
قل للمغيّب تحت أطباق الثّرى إن كنـت تسمع صرختي وندائيا
قد كنت ذات حمى بظلّ محمّد لا أخش من ضيم وكان جماليا
فاليوم أخضع للذّليل واتّقي ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا
فاذا بكت قمريّة في ليلها شجنا على غصن بكيت صباحيا
فلأجعلنّ الحزن بعدك مؤنسـي ولأجعلنّ الدّمع فيك وشاحيا
وهذا البكاء لم يكن بكاءً عاطفيًا مجردًا، بل كان بكاء روح فقدت الحبيب والرسول، وواجهت بعده مؤامرات أذهلت العقول.
ثالثًا: غربة ما بعد المصيبة
لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت الأحداث السياسية المؤلمة: تغييب الوصية، وانقلاب السقيفة، وانحسار الأنصار. وجدت الزهراء نفسها بين نارين:
غربة عن الأمة التي سمعت خطبة الغدير قبل أسابيع.
ووحدة داخل المدينة التي كانت مهبط الوحي بالأمس.
رابعًا: الوحدة الروحية والعاطفية
لم يكن بيت علي (عليه السلام ) يغني عن أبيها في جوانب الرسالة والنبوة. كانت فاطمة (عليها السلام) تجد في النبي (صلى الله عليه واله) ظل الله في الأرض، ومصدر الأمان. وبعد رحيله، صارت تخرج إلى قبره وتشكو حالها وماجرى عليها من القوم ؟.
خامسًا: البعد العقائدي في مأساة وحدتها
وحدة الزهراء (عليها السلام) لم تكن مسألة شخصية، بل هي شاهد على انحراف الأمة عن العهد الإلهي، وانقلاب القيم التي جاء بها النبي. لذلك، حملت وحدتها رسالة احتجاج على التاريخ، وحولت آلامها إلى موقف عقائدي، يظهر في خطبتها الفدكية، وفي صبرها الذي أرّخ مظلومية آل البيت.
خاتمة
رحيل رسول الله (صلى الله عليه واله) لم يكن حدثًا عابرًا في حياة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، بل كان بداية رحلة الحزن التي انتهت بشهادتها، وهي تردد في وجدانها بلسان الحال :
"يا أبتاه، سرعان ما لحقت بك… أشتاق إلى لقياك".
وهكذا، بقيت وحدتها درسًا خالدًا لكل الأجيال: أن فقد القيادة الربانية هو بداية ضياع الأمة، وأن الصبر على الظلم لا يعني الرضا به، بل هو ثبات على الحق حتى الممات.