اللهم صل على محمد وآل محمد
قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾﴿ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[ سورة البقرة:4 -5]
اولا : قوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾
الإيمان هنا ليس ورقة توقيع ولا جملةً تُقال، بل هو أن يفتح القلب أبوابه لوحي السماء، كما تفتح الزهرة قلبها للشمس. كأن الآية تقول: المؤمن هو ذاك الذي يجعل القرآن جزءًا من دمه، ينساب في شرايينه، فيحيا به ويستنشق منه نسيم الطمأنينة.
ثانيا : قوله عز وجل : ﴿وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾
التفات لطيف يُذكّرنا أن الرسالات كلّها أنهار تصبّ في بحر واحد. المؤمن الحق لا يعيش ضيق العصبية، بل يحمل قلبًا واسعًا كالسماوات، يرى في موسى وعيسى وإبراهيم ومن سبقهم إخوةً على درب التوحيد، ويجد في إيمانه امتدادًا لخطٍّ طويل من الأنوار المتصلة.
ثالثا : قوله تعالى : ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾
هنا ننتقل من التصديق إلى الرؤية القلبية. اليقين بالآخرة يجعل الإنسان يمشي في الدنيا وكأنّ خطواته تسمع أصداءها في الأبدية. من أيقن بالآخرة لم يبع روحه بعَرَض الدنيا، بل صار كمن يرى الجنّة والنار أمام عينيه، فلا تغرّه الزينة الزائلة، ولا تهزّه الفتن العابرة.
رابعا : قوله عز وجل : ﴿أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ﴾
تأمل كيف لم يقل: "مهتدون" فقط، بل قال: على هدى. كأنهم على صهوة جواد أصيل، أو على مركب مطمئن يمخر بهم عباب بحر الدنيا، فيما سواهم يتخبّطون في لجج التيه. والهدى هنا ليس ثمرة جهد الإنسان وحده، بل عطية من ربّه، هبة لمن صدقوا وساروا بقلوب منفتحة على الحق.
خامسا : قوله تبارك اسمه : ﴿وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
كلمة الفلاح ترسم صورة الزرع وقد شقّ الأرض، وخرج من ظلمة الطين إلى نور الشمس. الفلاح هو أن يُثمر جهاد النفس حياةً أبدية، وأن تتحوّل لحظات العمر القصير إلى بذرٍ خالد. ولذا قال : هُمُ المفلحون، وكأن غيرهم مهما ربح من الدنيا، خاسر في ميزان الأبد.
سادسا : إشارة:
الآيتان تضعان أمامنا سلّمًا من ثلاث درجات:
1. الإيمان بالوحي الخاتم.
2. الانفتاح على جميع رسالات السماء.
3. اليقين بالآخرة.
ومن صعد هذه الدرجات، حمله الله على مركب الهداية، وساقه إلى شاطئ الفلاح.
-------------------------
منقول