إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ﴾

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ﴾

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
    اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد


    قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ۚ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[1].

    إن أحط النزعات البشرية إيلاما وتمزيقا لذاتها هي النزعة العدوانية أو نزعة الكراهية التي تختزنها الأعماق، إنها تشتّت الذات وتدعها نهبا للتوتّر الداخلي بحيث لا يحسّ صاحبها بأدنى استقرار حتى لو لم تترجم إلى سلوك عملي يتّجه إلى الخارج.
    أما في حالة صدورها إلى الخارج فإن انعكاساتها على الاخرين تظل من الوضوح بمكان كبير، يستوي في ذلك أن تكون في صعيد لفظي أم حركي.
    وقد اتجه النص القرآني الكريم في الآيات المتقدمة إلى رسم جانب عام من سلوك المنافقين هو صدورهم عن النزعة العدوانية بعد أن كانت المقاطع السابقة من سورة التوبة تتحدث عن المنافقين في تشريح جوانب أخرى من سلوكهم.
    وبالرغم من أن نزعة العدوان تتخلل جميع أنماط السلوك ومنه السلوك العسكري والسلوك الاقتصادي اللذين وقفنا عليهما في مقاطع سابقة من سورة التوبة، إلا أنّ إبراز السلوك العدواني في مقطع هذا يظل خاضعا لهدف فنيّ هو لفت الانتباه إلى النزعة المذكورة في غمرة التشريح لسلوك المنافقين.
    لقد أبرز النص القرآني هذه النزعة في أحد مظاهرها وهو المظهر «اللفظي» فحسب، متمثلا في قول المنافقين عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): إنه أذن سامعة لكل ما يقال له.
    ويلاحظ أن النص القرآني أشار بوضوح إلى سمة العدوان لأقوال المنافقين حيث صدّر حديثه عن ذلك بقوله تعالى ﴿الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ﴾، من حيث كون الأذى عملية تصدير للنزعات العدوانية نحو الخارج.
    والمهم، أن الآية الكريمة تتكفّل بالرد على المنافقين في هذا الصدد فيقرّر بأن محمدا (صلى الله عليه وآله) هو ﴿أُذُنُ خَيْرٍ﴾، للناس وإلى أنه رحمة للذين آمنوا.
    وقد ورد عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ حَدِيثٌ طَوِيلٌ يَقُولُ فِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لاِبْنِهِ إِسْمَاعِيلَ: ((يَا بُنَيَّ إِنَّ اَللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ
    [2]، يَقُولُ: يُصَدِّقُ اَللهَ وَيُصَدِّقُ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَإِذَا شَهِدَ عِنْدَكَ اَلْمُؤْمِنُونَ فَصَدِّقْهُمْ))[3].
    هنا، ينبغي أن نقف على هذا الردّ لنلاحظ كيف أن النص القرآني الكريم يقدّم بطريقة فنيّة ردا على كلّ تهمة أو أي مظهر من مظاهر السلوك المنافق يتناسب وحجم المظهر المذكور.
    لقد أراد المنافقون أن يسيئوا إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وإلى الإسلاميين بعامة حينما وجّهوا له التهمة المذكورة، ثم جاء الردّ على ذلك مطبوعا بسمة مضادة تماما لنزعات المنافقين.
    والنزعة العدوانية عند المنافقين مثقلة بمشاعر الكراهية للآخرين، لكن لننظر كيف أن الردّ القرآني الكريم كان معنيّا بإبراز المشاعر المضادة لأعماقهم وهي مشاعر الخير والرحمة التي صدر عنها النبيّ (صلى الله عليه وآله). لنقرأ من جديد الردّ القرآني، ولنتأمل بدقة دلالات العبارة القرآنية في الردّ المذكور: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ﴾، ثم لنقرأ أيضا ﴿وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ﴾، أنّ كلا من مصطلحي الخير والرحمة يعني، النزعة «المسالمة» أي: النزعة المضادة تماما لنزعة العدوان.
    إذن، كيف كان الردّ القرآني مصاغا بطريقة فنية غير مباشرة حينما شدد على نزعة الخير والرحمة في سلوك النبيّ (صلى الله عليه وآله) مقابلا للنزعة العدوانية التي طبعت سلوك المنافقين.
    لكن لم يترك النص القرآني الكريم هؤلاء المنافقين بمنأى من تحمّل مسؤوليتهم حيال التهمة المذكورة، بل أشار إلى أن محمدا (صلى الله عليه وآله) ﴿رَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ﴾، أي: أن كونه رحمة وأذن خير إنما هو لمن آمن من الناس وليس لمن نافق في سلوكه.
    وعليه جاء الرد القرآني الكريم مطبوعا بسمة فنية مزدوجة هي إبراز النزعة المسالمة في شخصية محمد (صلى الله عليه وآله) مقابل النزعة العدوانية عند المنافقين، ثمّ سدّ الأبواب أمام هؤلاء الذين خيل إليهم أنهم سيحيون بمنأى من الجزاء الأخروي حينما يعادون الله ورسوله.


    [1] سورة التوبة، الآية: 61.
    [2] سورة التوبة، الآية: 62.
    [3] الكافي، ج 5، ص 299.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X