اللهم صل على محمد وآل محمد
قال تعالى : وَإِذَا قِیلَ لَهُم لَا تُفسِدُوا فِی ٱلأَرضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحنُ مُصِحُونَ أَلَا إِنَّهُم هُمُ ٱلمُفسِدُونَ وَلَـٰكِن لَّا یَشعُرُونَ وَإِذَا قِیلَ لَهُم ءَامِنُوا كَمَا ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوا أَنُؤمِنُ كَمَا ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلَا إِنَّهُم هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَـٰكِن لَّا یَعلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوا إِلَىٰ شَیَـٰطِینِهِم قَالُوا إِنَّا مَعَكُم إِنَّمَا نَحنُ مُستَهزِءُونَ ٱللَّهُ یَستَهزِئُ بِهِم وَیَمُدُّهُم فِی طُغیَـٰنِهِم یَعمَهُونَ أُولَـٰىِٕكَ ٱلَّذِینَ ٱشتَرَوُا ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَـٰرَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهتَدِینَ﴾ سورة البقرة :[١١-١٦]
في مطلع سورة البقرة، يشرق النور على قلوب خاشعة، تتعلق بالغيب وتنهل من وحي السماء. هؤلاء هم المتقون، الذين يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله. لوحة أولى يغمرها الضوء، قلوب صافية، وأرواح حية، وسلوك مستقيم لا عوج فيه.
وفي الجهة المقابلة، يبرز الكافرون، قلوبهم مطموسة، آذانهم صمّاء، أعينهم عمياء. كأنما غُشيَت بعتمة كثيفة، لا ضوء يختلط بها، ولا حياة تنبثق منها، لأنهم أعرضوا عن نور الحق، فتركهم الله في ظلام اختاروه بأنفسهم.
لكن المشهد لا يكتمل إلا بأخطر الألوان ، انه لون المنافقين الرمادي الملتبس بين البياض والسواد، فلا تدري أهي ظلمة أم نور. هؤلاء الذين إذا قيل لهم: لا تفسدوا في الأرض، أجابوا بلسان بارد: إنما نحن مصلحون. الرياء هنا يحرف الحقيقة، ويغطي السواد بطبقة من البياض.
والقرآن لا يترك الغشاوة مستترة، فينقشع الغطاء بضربة ريشة إلهية قاطعة: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. تتكشف الحقيقة الداكنة، فيرى العقل ويشعر القلب، وتنكشف عورات الرياء والزيف.
تتوالى الألوان: إذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس، يجيبون ساخرين: أنؤمن كما آمن السفهاء؟، والرد الإلهي واضح: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ﴾. تتضح هنا وقاحة الاستكبار، بينما حقيقتهم انهم السفهاء الذين باعوا نور الفطرة بظلام الوهم.
ويواصل القرآن رسم مشهدهم: إذا لقوا المؤمنين يزيفون الإيمان، وإذا خلوا إلى شياطينهم يظهرون السواد الكامن، مستهزئين، ليتركهم الله في تيههم: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُم فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾.
تنتهي اللوحة بالدرس القاطع: ﴿أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُا ٱلضَّلَالَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾. لقد خسروا كل شيء، باعوا النور واشتروا الظلمة، وضلّت أرواحهم في طريق لا عودة منه.
الخلاصة :
هذه لوحة قرآنية متكاملة، فيها:
١- نور المتقين، طريق هدى وإيمان.
٢- ظلام الكافرين، قلوب معتمة عن الحقيقة.
٣- رمادية المنافقين، زيف ورياء لا يلبث أن يُكشف.
٤- إنها دعوة للقلب والعقل معًا: تمسّكوا بالنور الحق، وانظروا بالعين البصيرة، ولا تغركم الألوان المموّهة.
----------------
منقول