بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ﴾[1].
الكلام في المعذورين عن الخروج بالأعذار الصحيحة حتى يتمّ تنويع الأنواع حول قضية الجهاد فمن خلال الآية السابقة الأنواع أربعة: -
الأول: القادرون على الجهاد الخارجون له مع رحابة صدر وهم الرسول والمؤمنون الواقعيون الفاقدون للضعف والمرض وعوز النفقة.
الثاني: القاعدون عن الجهاد بدون أن يبدوا عذرا صحيحا أم باطلا انكماشا صريحا عن الايمان ونصرته وهم المنافقون.
الثالث: القاعدون عن الجهاد مع إبداء العذر وطلب الاستئذان من الرسول وهم المعذّرون من الأعراب.
الرابع: القاعدون عن الجهاد مع الاعذار الواضحة الصحيحة التي ما عليها غبار، والاعذار الصحيحة التي ذكرها الله هي: -
- المرض بشتّى ألوانه المعجز لصاحبه عن المناهضة.
- الضعف ويراد به ما سوى المرض والعوز من النفقة كالشيخوخة وهزال البدن والعمى والعرج ونقصان الخلقة الهادم للقوّة.
- عدم وجدان النفقة لأهله أو للحرب أولهما فهؤلاء ليس عليهم في قعودهم حرج إذا نصحوا لله ورسوله بما يتمكنون عليه من قول وعمل، ولا شكّ أن هؤلاء محسنون لأنهم لم يألوا جهدا في تمشية الايمان في أنفسهم وفي الأغيار، لذا قال تعالى في الآية السابقة: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ﴾، وهذه الكلمة من أمهات الكلمات القرآنية الثمينة التي تتصيّد منها قواعد فقهية في شتات الأحكام الفرعية، ﴿وَاللهُ غَفُورٌ﴾، لذنوب هؤلاء إذا بدرت منهم بوادر ﴿رَّحِيمٌ﴾، بهم عطوف عليهم، ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ﴾، يعنى كما انّه ﴿لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ﴾[2]، كذلك في آيتنا أعلاه ليس: ﴿عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾، يعني تهيأ لهم رواحل يرتحلونها ويحملون عليها زادهم ومائهم لأنهم معوزون يفقدون الرواحل ويفقدون أثمانها، فكان جوابك لإعوازك ايضا لا أجد ما أحملكم عليه وهؤلاء لشدة اندفاع ايمانهم بهم لمّا أيسوا من مساعدتك وكانوا في أنفسهم عاجزين عن النفقة ﴿تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ﴾، حتى يكونوا في طليعة المجاهدين، وفي الآية اللاحقة:﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ﴾، والخرج ﴿عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ﴾، في القعود عن الجهاد ﴿وَهُمْ﴾، اصحّاء أقوياء ﴿أَغْنِيَاءُ﴾، رضيت لهم هممهم المنحطّة ﴿بِأَن يَكُونُوا مَعَ﴾، النساء مفترشين سواعدهم من الفشل والكسل وضعف العقيدة ﴿وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾، لمّا اعرضوا عنه ﴿فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾[3]، المفسد لهم من المصلح.
- وأخيرا هذه الآيات وإن تعرضت بلسانها الصريح للجهاد وممارسة القتال الاّ أنها بملاكاتها تتعرض لأنواع الجهاد العلمي والعملي في تمشية الحق ودك الباطل وانواع هذا الجهاد اربعة كذلك: -
النوع الثاني: الواجد لظاهرة يحسبها الجهّال علما وهو مع ذلك يستبطن روحا قذرة وباطنا مظلما وهذا هو المنافق ورديفه هو الشائع الوجود في العالم والذي له كل التأثيرات على من كان من طرازه في تسفّل الروح فما شاعت الأراجيف في عالم الدنيا الاّ من هذا المعبر الضيّق المعتم.
النوع الثالث: الفاقد لكل ظاهرة علمية والمستبطن للروح المادية وهؤلاء هم الهمج الرعاع وهم في الأكثر اتباع المنافقين.
والنوع الرابع: القاعد عن التبليغ العلمي العملي لأنه يجد عذرا يقعد به والأعذار الصحيحة هي: -
أولاً: ضعف الشيخوخة وهزال البدن والعمى والعرج المقعد ونظير ذلك من الأمور التي تقعد بالإنسان عن ركوب صهوات المنابر ومخاطبة الناس.
ثانياً: المرض بشتّى انحائه المعجز لصاحبه عن المناهضات اللسانيّة أو القلميّة أو العمليّة الجاهرة.
ثالثاً: عدم وجدان النفقة التي تحرز وجوده وتحصّن اهله، فأمثال هؤلاء لو قعدوا لم يكن عليهم سبيل.
[1] سورة التوبة، الآية: 92.
[2] سورة التوبة، الآية: 91.
[3] سورة التوبة، الآية: 93.