بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[1].
قرّر النص القرآني هنا بأن الأنفس والأموال يجسّدان ثمنا لعملية شراء، المشتري هو الله تعالى والبائع هم المجاهدون، وبعد أن شطر عملية البيع أو الشراء إلى النفس وأموال شطر أيضا عملية الأنفس إلى قتل الأعداء وقتل من قبل الأعداء.
ولكي يمنح عملية الشراء المذكورة الضمان لها، أكّد قائلا: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ﴾، تثبيتا للنفوس ويقينا بممارستها التي تحقق لها ضمان الثمن المذكور، ثم لمزيد من التأكيد على ذلك بحيث لا يدع أدنى مجال للتردد في عملية الاشتراء المذكورة، طالب المجاهدين بأن يستبشروا بهذه العملية منذ الآن، أي أن يظفروا بتحقيق الاشباع المترتب على دفع الثمن منذ الآن، قائلا لهم: ﴿فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
والحق أن أي قارئ حتى لو كان عابرا ما أن يتأمل هذه الآية الكريمة حتى يتحسس بنمط من البشرى تغمر أعماقه، وحتى يتمنى في الصميم من أعماقه أن يتجه إلى سوح الجهاد في سبيل الله للظفر بغنائم هذا البيع.
وهو أمر يفصح عن خطورة الصورة الفنية التي رسمها القرآن الكريم لتجلية مفهوم الجهاد. والآن، يتقدم النص لرسم السمات العبادية التي ينبغي أن تتوفر لدى المتجه إلى ساحة الجهاد في سبيل الله، فيذكر سماتهم على هذا النحو التائب من ذنوبه، العابد لله وحده، الحامد لنعمه، الصائم أو السائح في طلب العلم، الساجد، الآمر بالمعروف، الناهي عن المنكر، الحافظ لحدود الله أي: القائم لطاعته.
إن هذه السمات لا بد من توفّرها في شخصية المجاهد بغية أن يستكمل مفهوم الجهاد دلالته الحقة ، طالما نعرف بأن الشخصية الإسلامية الناضجة لا تحيا انشطارا في سلوكها، بل تحيا وحدة السلوك الذي لا ينفصل أيّ جزء منه عن الأجزاء الأخرى، فالجهاد بالرغم من كونه عملا عسكريا يتطلّب تفرّغا زمانيا ومكانيا خاصين، إلا أنّ ذلك لا يتم على حساب الاختزال العبادي لسائر النشاطات الفردية الاجتماعية من صلاة وصوم وأمر بالمعروف الخ بل تتلاحم كل هذه النشاطات في سلوك موحّد يمتزج فيه ما هو فردي بما هو اجتماعي وما هو تأملي بما هو عملي حسب ما يتطلبه الموقف .
وأيا كان، فإن المقطع الذي لاحظناه الآن، يظل مرسوما في سياق الكشف عن الشرائح الاجتماعية التي انتظمت المجتمع الإسلامي، ومنها الفئات المنحرفة منافقين ومطلق الكفار.
﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وهي والله بيعة رابحة وكفّة راجحة بايع الله فيها كلّ مؤمن وما على الأرض مؤمن إلّا ودخل في هذه البيعة؛ عَنْ هِشَامِ بْنِ اَلْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ: ((أَمَا إِنَّ أَبْدَانَكُمْ لَيْسَ لَهَا ثَمَنٌ إِلاَّ اَلْجَنَّةُ فَلاَ تَبِيعُوهَا بِغَيْرِهَا))[2]، وقوله: ﴿وَأَمْوَالَهُم﴾، يريد الّتي ينفقونها في سبيل الله وعلى طاعة الله في المثوبات.
والمشتري لا بدّ له من بايع وهاهنا بحسب الواقع البائع والمشتري هو الله، وبحسب الظاهر المشتري هو الله والبائع الّذين بذلوا أنفسهم وأموالهم في مرضات الله بالجهاد، وأضاف سبحانه الأنفس والأموال إليهم؛ لأنّ الإنسان عبارة عن الجوهر الأصليّ الباقي وهذا البدن يجري مجرى الآلة والأدوات والمركب، وكذلك المال خلق وسيلة لرعاية مصالح هذا المركب؛ فالله سبحانه اشترى من الإنسان هذا المركب وهذا المال بالجنّة.
قوله: ﴿فَيَقْتُلُونَ﴾، المشركين ﴿وَيُقْتَلُونَ﴾، من قبل المشركين فالجنّة جزاؤهم عن جهادهم سواء قتلوا أو قتلوا.
قوله: ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾، أي إنّما يستحقّ الثمن بتسليم المبيع وإيجاب الجنّة لهم وعدا على الله حقّا لا شكّ فيه.
قوله: ﴿فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾، أي هذا الوعد وعد ثابت قد أثبته الله في التوراة والإنجيل.
[1] سورة التوبة، الآية: 111.
[2] الكافي، ج 1، ص 13.