تويت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا ۚ صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴾[1].
﴿نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾، المنافقون يتغامزون ويسأل بعضهم بعضا هل ترون أحدا نتقيه، فإذا أمنوا من وجود من يلحظون جانبه أفاضوا فيما أرادوا من الهزء والسخرية ثم انصرفوا الى منازلهم بعد شوط صرف الله قلوبهم عن مواجهة الحقيقة بسبب أنهم قوم لا يعرفون ولو كانوا اولي معرفة لما بقوا في هذا التيه لقوله تعالى: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾[2].
ثم انّه سبحانه ختم هذه السورة بذكر نعمة عظيمة أنعم بها على الناس عموما وعلى العرب خصوصا، وهي إرساله الى البشرية إنسانا من سنخها يعزّ عليه كل ما يوجب مشقتها واجهادها وتدهورها في الحياة، من فقر ومرض وجهل وظلم وارتباك امور وانحطاط.
كيان حريص على تحوير أوضاعها من الفقر الى الغنى ومن المرض الى الصحة ومن الجهل الى العلم ومن الظلم الى العدالة ومن الارتباك الى الاطمئنان ومن الانحطاط الى الرفعة والتعالي وذلك قوله تعالى في الآيتين اللاحقتين: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ﴾، الذين أنقذوا أنفسهم من تيه الضلال وأركبوها جادّة الهداية ﴿رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾[3]، ﴿فَإِن تَوَلَّوْا﴾، عن رسالتك جاهل واعرض سافل ﴿فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ﴾، يكفيني منهما ويعيضني عنهما ﴿لَا إِلَهَ﴾، ولا مقتدر ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾[4]، وهو العالم كلّه وربّ العالم ليس احد فوقه أو يضاهيه حتى يلتجأ اليه.
وهذه الآية من أعظم الآيات في هذا السياق معنى وأدّقها مغزى امّا اوّلا فعالم الرسالة والأخذ على العاتق بتعليم الجهّال وهداية الضلاّل، وكلّ الناس جهّال ضلاّل إلاّ من استحيا لنفسه فلم يرض لها أن تحشر في زمرة الحيوان الهامل من أعظم خدمة تتصور في عالم البشرية، ذلك لأن الخدمات المادية كما يعتزّ بها العصر الحاضر مدعاة للرقابة من ناحية والغرور الحيواني من ناحية ثانية والحيوان إذا فقد التربية وحسن اكله وشربه واتسعت راحته صعب الاستفادة منه وصار جامحا شامسا لا يستفاد منه اقلّ القليل ممّا يصرف في حقّه، كما هو مشاهد محسوس إذا فالخدمات المعنوية التي تشرح في الإنسان عوالم العقل والفهم وتقبض فيه روح الضراوة والاندفاع وتعينه على نفسه الطاغية هي أساس الحياة وركيزتها وليست الحياة المعنوية بالتقشف والتظاهر بالزهادة الفارغة ولا تتحقق هذه الخدمات الاّ بعوامل:
- نزاهة الخادم وصفاؤه وروحانيته المستبطنة لشراشر وجوده وتمييز هذه السمات والعثور على هذه الصفات ممّا لا يحصل الاّ للطالب المتورع لا الساذج العجول الذي لا يهمّه من نفسه ومن غيره ومن حاضره ومستقبله اقلّ شيء، ذلك الإنسان الذي يريد أن يعرف بكونه مبدئيا ولكنّه لا يتريث لتبطن الحقيقة فتراه يؤمن بنبوّة مسيلمة وسجاح ويدين لمخرّقات علي محمد الباب.
- رضوخه لتحمّل المسؤولية مجانا ومهما جرّت عليه الحوادث من دواهي حتى يرتبط بمقصوده ويعرف صدقه في دعواه من كذبه.
- وجد أنه للسلاح الذي يبارز به وجدانا قائما على مقاييس واقعية لا مخرّقات وأكاذيب وتمويهات.
- عطفه على الضعيف روحا وحنوّه عليه لبّا.
[1] سورة التوبة، الآية: 124.
[2] سورة المائدة، الآية: 26.
[3] سورة التوبة، الآية: 128.
[4] سورة التوبة، الآية: 129.