بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾[1].
أيتنا هذه وما يتلوها من اختلاف الليل والنهار هي من شؤون الربوبية البارزة، و ﴿الشَّمْسَ﴾، هنا هل هي هذه التي تشرق علينا نحن سكنة الأرض حيث الخطابات تخصنا، أم تعني كل شمس وقمر للعالمين أيا كانوا في الأنجم الحية العاقلة المكلفة بأهليها.
قال تعالى: ﴿الشَّمْسَ ضِيَاءً﴾، مرة وسراجا أخرى كقوله: ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾[2]، تذكر بين (32) مرة في القرآن الكريم، ثم ﴿وَالْقَمَرَ نُورًا﴾، بين (26) مرة، كقوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا﴾[3]، فالشمس ضياء مرة وسراج مرتين، والقمر نور ومنير في ثلاث، فما هو الفرق بين الضياء والسراج وبين النور والمنير؟
الضياء هو شدة النور كما السراج، مهما اختلفت السرج في ضياءها، ولكن النور هو مطلقها وهو في القمر نور ضعيف ولا سيما إذا كان من إضاءة الشمس حيث يتلألأ على ضوءها، وقد ورد في كتاب الشيخ الكليني (رحمه الله): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: ((قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لِأَيِّ شَيْءٍ صَارَتِ اَلشَّمْسُ أَشَدَّ حَرَارَةً مِنَ اَلْقَمَرِ فَقَالَ إِنَّ اَللهَ خَلَقَ اَلشَّمْسَ مِنْ نُورِ اَلنَّارِ وَصَفْوِ اَلْمَاءِ طَبَقاً مِنْ هَذَا وَطَبَقاً مِنْ هَذَا حَتَّى إِذَا كَانَتْ سَبْعَةَ أَطْبَاقٍ أَلْبَسَهَا لِبَاساً مِنْ نَارٍ فَمِنْ ثَمَّ صَارَتْ أَشَدَّ حَرَارَةً مِنَ اَلْقَمَرِ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَاَلْقَمَرُ قَالَ إِنَّ اَللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ خَلَقَ اَلْقَمَرَ مِنْ ضَوْءِ نُورِ اَلنَّارِ وَصَفْوِ اَلْمَاءِ طَبَقاً مِنْ هَذَا وَطَبَقاً مِنْ هَذَا حَتَّى إِذَا كَانَتْ سَبْعَةَ أَطْبَاقٍ أَلْبَسَهَا لِبَاساً مِنْ مَاءٍ فَمِنْ ثَمَّ صَارَ اَلْقَمَرُ أَبْرَدَ مِنَ اَلشَّمْسِ))[4].
ولذا فالنور هو أعم من الضياء للشمس والنور للقمر، والكلمتان هنا هما التكوينيتان.
ثم ﴿قَدَّرَهُ﴾، القمر ﴿مَنَازِلَ﴾، هنا ﴿لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَوَالْحِسَابَ﴾، وفي سورة البقرة: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾[5]، فالمواقيت تعم عدد السنين والحساب حيث الحساب هو حساب السنين بالساعات والأيام والأسابيع والشهور.
فهذه الآية تكملة للدلائل الدالّة على الألوهيّة أي كما أنّ خلق السماوات والأرض دالّة في الإلهيّة كذلك جعل الشمس والقمر نوع آخر من الأدلّة، وبهما يتوصّل المكلّف إلى معرفة السنين والحساب فيمكنه ترتيب مهمّاته ومعاملاته من الحرث والنسل وغيرهما في الأمور الدينيّة والدنيويّة ولمّا وجب في الحكمة للمكلّف معرفة الشهور والأعوام خلق الشمس والقمر مضيئة ومنيرا فخصّص جسم الشمس بضوئها الباهر وشعاعها القاهر، وجسم القمر بنوره المخصوص الضعيف بالنسبة إلى ضوء الشمس.
ولقد علمنا أنّ الأجسام من حيث ذواتها متساوية في تمام الماهيّة، وإذا ثبت هذا فالأشياء المتساوية في تمام الماهيّة تكون متساوية في جميع لوازم الماهيّة فكلّ ما يصحّ على بعضها وجب أن يصحّ على الباقي فلمّا صحّ جرم الشمس اختصاصه بالضوء القاهر وجب أن يصحّ مثل ذلك الضوء على جرم القمر وبالعكس؛ فاختصاص الشمس بضوئه والقمر بنوره بقسم آخر غير نور الشمس بتخصيص مخصّص وتقدير مقدّر وهو المطلوب لأنّ هذا الاختصاص بجعل جاعل.
﴿مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾، مصاحبا الحق وبسبب الحق، حق العلم وحق الحكمة التربوية وسائر الحق في الخلق. وهاتان الآيتان هما من عساكر البراهين القرآنية على أصالة الشهور والسنين القمرية.
﴿يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾، يعلمون النظام عن الفوضى، والترتيب القاصد عن الصدفة العمياء، ففي تقدير القمر منازل على ضوء جعل الشمس ضوء بأنه لا يزال يتباعد عنها حتى يوافيها من جانب آخر ارتساما للأيام فالمشهور فالسنين، إن في ذلك لآيات لقوم يعلمون.
مشهدان مألوفان معروفان ليل نهار لمن له بصر، يعرضان في مسرح الأدلة على ربوبيته تعالى إثارة في مشاعرنا وهلة الجدة وإحساس التطلّع الحي والتأمل الذي لا يبلّده التكرار.
[1] سورة يونس، الآية: 5.
[2] سورة نوح، الآية: 16.
[3] سورة الفرقان، الآية: 61.
[4] الكافي، ج 8، ص 241.
[5] سورة البقرة، الآية: 189.