بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾[1].
﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ﴾، في أصل خلقتهم وبدافع فطرتهم، ﴿إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً﴾، تحمل عقيدة واحدة هي الايمان بالله، وفيه قولين: -
القول الأوّل: أنّهم كانوا جميعا على دين الإسلام. واحتجّوا عليه بأمور: الأوّل أنّ المقصود من هذه الآيات بيان كون الكفر باطلا وتزييف طريقة عبادة الأوثان وتقرير أنّ الإسلام هو الدين الفاضل فحينئذ لا يناسب أن يقال: إنّهم كانوا امّة واحدة في الكفر فبقي أنّهم كانوا امّة واحدة في الإسلام ولا يجوز أن يقال: إنّهم كانوا امّة واحدة في الكفر لقوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾[2]، وشهيد الله لا بدّ وأن يكون مؤمنا عدلا فثبت أنّه ما خلت امّة من الأمم إلّا وفيهم مؤمن، ثمّ إنّ الأحاديث وردت بأنّ الأرض لا تخلو عمّن يعبد الله وعن أقوام بهم يمطر أهل الأرض وبهم يرزقون على أنّ الحكمة الأصليّة في الخلق العبوديّة فخلوّ أهل الأرض بالكليّة عن هذا المقصود بعيد.
روي عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((إِنَّمَا يُدَاقُّ اَللهُ اَلْعِبَادَ فِي اَلْحِسَابِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ اَلْعُقُولِ فِي اَلدُّنْيَا))[3].
وهذا يدلّ على قوم تمسّكوا بالإيمان قبل مجيء الرسول عليه السّلام، فكيف يقال: إنّهم كانوا امّة واحدة في الكفر؟ ثمّ على كون الامّة مؤمنة اختلف القائلون بهذا القول أنّهم متى كانوا كذلك؟ فقال ابن عبّاس ومجاهد وجماعة: كانوا على دين الإسلام في عهد آدم وفي عهد ولده واختلفوا عند قتل أحد ابنيه الابن الآخر.
وقال قوم: إنّهم بقوا على دين الإسلام إلى زمن نوح وكانوا عشر قرون مسلمين ثم اختلفوا في زمن نوح فبعث اللّه نوحا إليهم.
وقال آخرون: كانوا على دين الإسلام في زمن نوح بعد الغرق إلى أن ظهر الكفر فيهم.
وقال آخرون: كانوا على دين الإسلام من عهد إبراهيم عليه السّلام إلى أن غيّره عمرو بن لحيّ. وهذا القائل قال: المراد من الناس في قوله: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ﴾، العرب خاصّة.
إذا عرفت هذا فالمراد من بيان الآية على هذا التقرير أنّ عبادة الأصنام ما كان أصليّا فيهم وأنّه إنّما حدث بعد أن لم يكن؛ فعلى هذه الصورة كيف لم يتزيّفوا هذا المذهب ولم تنفر طباعهم عنه؟ هذا كلّه على بيان أنّ الناس كانوا امّة واحدة في الإيمان ويصحّ الوعيد حينئذ؛ لأنّ الاختلاف وقع بسبب الكفر وذلك يقضي الوعيد.
وأمّا إذا فسّرنا بأنّ الناس كانوا امّة واحدة في الكفر كما هو منقول عن بعض المفسّرين ففائدة هذا الكلام في هذا المقام هي أنّه تعالى بيّن للرسول أنّه لا تطمع في أن يصير كلّ من تدعوه إلى الدين مجيبا لك قابلا لدينك فإنّ الناس كلّهم كانوا على الكفر، وإنّما حدث الإسلام في بعضهم بعد ذلك فكيف تطمع في إيمان كلّهم واتّفاقهم جميعا على الإيمان.
والقول الآخر: ولعلّ هو الصحيح وهو أنّ المراد أنّهم كانوا امّة واحدة في أنّهم خلقوا على فطرة الإسلام ثمّ اختلفوا في الأديان، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ رِوَايَةٌ تَلَقَّاهَا اَلْعَامَّةُ وَاَلْخَاصَّةُ بِالْقَبُولِ قَالَ: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ فَهُوَ عَلَى اَلْفِطْرَةِ وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ))[4]. كما قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[5]، وقوله: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ﴾، من أنّه لا يعاجل العصاة والكفّار بالعقوبة إنعاما منه في التأنّي بهم ﴿لَقُضِيَ﴾، وفصّل بينهم فيما اختلفوا بأن يهلك العصاة وينجي المؤمنين لكنّه أخّرهم إلى يوم القيامة.
[1] سورة يونس، الآية: 19.
[2] سورة النساء، الآية: 41.
[3] الكافي، ج 1 ص 11.
[4] الأمالي(للمرتضى)، ج 2، ص 82.
[5] سورة الروم، الآية: 30.