بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
المعيّة في لغة العرب تعني: أن يكون الشيء مع الشيء، ملازمًا له.
لكن معية الله لعباده ليست مكانية؛ تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، بل هي معيّة علمٍ، ورعاية، ونصرة، وهداية.
قال الله تعالى:
﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (الحديد: 4).
هذه الآية تفتح أمام قلب المؤمن بابًا من الطمأنينة، فالله معنا في الخلوة والجلوة، في السراء والضراء، يرانا ويسمعنا ويعلم بحاجاتنا.
المفسرون وأهل البيت عليهم السلام بيّنوا أن المعيّة على نوعين:
- معيّة عامة:
تشمل جميع الخلق، كقوله تعالى:﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ﴾ (المجادلة: 7).
أي أن الله محيط بكل إنسان، لا يخفى عليه من أمره شيء. - معيّة خاصة:
وهي معية النصرة والتأييد لعباده الصالحين والمتقين، كقوله تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ (النحل: 128).
وقال سبحانه:﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 153).
وهذه معيةٌ يفيض فيها الله على قلب عبده نورًا وسكينة، ويؤيده بروحه.
- قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: «من كان بالله أعظم ثقةً كان الله له أعظم معونةً» (غرر الحكم).
أي أن المعيّة الخاصة تتجلّى بقدر ما يثق العبد بالله ويعتمد عليه. - وقال الإمام الصادق عليه السلام: «ما من عبدٍ يظلم فيصبر إلا كان الله تعالى معه، يعينه وينصره» (الكافي)
ثمار استشعار معية الله
إذا استشعر العبد أن الله معه:
- يطمئن قلبه: فلا يجزع من المخاوف، ولا يحزن على الفوات.
قال تعالى: ﴿إِنِّي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ (طه: 46). - يقوى على الطاعة: لأنه يرى أن الله مطّلع عليه، فيستحي أن يعصيه.
- يصبر على البلاء: لأن المعيّة تعطيه يقينًا أن مع العسر يسرا.
- يحس بالعزة والكرامة: لأنه يستند إلى الله القوي العزيز.
- إذا ضاقت بك الدنيا: الله معنا.
- إذا خذلك الناس: الله معنا.
- إذا خفت من المستقبل: الله معنا.
وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام:
«من وجد الله ماذا فقد؟ ومن فقد الله ماذا وجد؟».