حفريات سامي جواد في "كتاب الحسين قلمي"
علي حسين الخباز
مجموعة مقالات تناولت الحسين "عليه السلام" قبل واقعة الطف وسعى مؤلفها أن تكون القراءة معاصرة وحداثوية.
الكثير من الباحثين والمؤرخين والكتاب كتبوا عن الحسين "عليه السلام" عبر الواقعة والنادر منهم من كتب الواقعة عبر حياة الحسين "عليه السلام"، نجد أن أغلب تلك الكتابات نظرت إلى الواقعة الحسينية نظرة (متحفية) والطف الحسيني بكل سماته ليس غرضا متحفيا، تختلف عن قراءة التاريخ من أجل الواقع لإيماننا بأنه حي ينبض بالحركة والعنفوان.
السؤال المهم الذي بدأ به المنجز:
ــ ماذا نعرف باستثناء الطف عن الحسين "عليه السلام"؟
أشياء مهمة في حياة الحسين قبل واقعة الطف تكشف لنا الرقي الفكري الذي عجز كبار القوم عن استيعابه، والأمثلة التي استعان بها الكاتب سامي جواد كاظم تدل على الجهد الكبير الذي بذله في البحث، أغلب تلك الروايات غير معروفة في الوسط الثقافي، وهذا جهد يحسب له فهو لا يكتفي بذكر الحدث وإنما يعمل بحفريات متقنة للتأمل في عمقه الجوهري، مثلا كان الحسين "عليه السلام" مع عبد الله بن عمر يطوفان بالبيت الحرام فسأل أحدهم ابن عمر عن قوله تعالى و ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ أجابه أمره أن يحدث بما أنعم الله عليه، وحين سالوا الحسين (عليه السلام) نفس السؤال أجاب، أمره أن يحدث بما انعم الله عليه من دينه.
ابتدأت عملية الحفر وما يسميه (تعقيب) مثل هذه الحالة مرت على ابن عباس فلم يجب شيئا وإنما أشار إلى الحسين "عليه السلام"، باعتباره هو أعلم و هو الوارث علم رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم"، فكان الأجدر بابن عمر أن يمتنع عن الإجابة وتوجيه السؤال إلى الإمام الحسين "عليه السلام"، فالجواب يدل على قصر الفهم وعدم الاعتراف بعلمية الحسين "عليه السلام"، ومثل هذه المسائل كثيرة في التاريخ، منها ما هو مخفي ومنها ما تعرض إلى الزيف في أغلب الرؤى وخاصة ما يخص إرث الحسين "عليه السلام" ومقومات بناء شخصيته، وقد سعت الأنظمة الحاكمة إلى طمس ميزة الإمام الحياتية والعلمية وعدم الإفصاح عن مكانته المرموقة في المجتمع، شعب يهمل الخليفة السياسي في الطواف لكنه يفسح الصفوف لحضور الإمام السجاد "عليه السلام" مما يخلق دهشة عند الشاميين فيسالون من هذا؟
وأكيد مثل هذا الموقف ليس وحيدا أو فريدا وإنما هي مواقف معروفة في حياة أئمتنا "عليهم السلام"، مواقفهم الحياتية تدل على مكانتهم اجتماعية وتمنحنا الحصانة المعرفية والسلوك الملتزم والنجاح بقيم الدين والدنيا.
مر الحسين عليه السلام على عبد الله بن عمر بن العاص فقال عبد الله من أحب أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى الحسين وأنا ما كلمته منذ ليالي صفين،
فقال الحسين "عليه السلام": ـ أتعلم أني أحب أهل الأرض إلى أهل السماء وتقاتلني وتقاتل أبي يوم صفين؟ والله إن أبي لخير مني فقال عبد الله بن عمر بن العاص إن النبي قال لي (أطع أباك) فأجابه الحسين "عليه السلام" (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) عرض لنا الكاتب سامي جواد كاظم بعض المعلومات النادرة والتي شحوا بها المؤرخين فأصبحت من النوادر، مثلا من هو قائد معركة ذات السلاسل؟
وإذا به عمر بن العاص وجعل تحت إمرته أبا بكر وعمر فخسر فيها، وسلمت بعده الراية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" فانتصر الإسلام في هذه الواقعة، لكن سرعان ما خان عمر بن العاص الأمانة ونهض مع معاوية على إمام زمانه، ففقد موجبات الطاعة الأموية حسب استدلال الحسين "عليه السلام"
هناك منظومة من المعلومات التي روجت لنا بعض الأمور الدعائية، مثلا أوصلوا لنا أن عمرو بن العاص ضمن أهل الدهاء العرب الأربعة، بينما ثبت لنا التاريخ إنه لم يكن فطنا بما يكفي، أين كان ذكائه ودهائه في معركة ذات السلاسل؟ وهل من الذكاء كشف العورة يوم صفين للتعبير عن مذلته وخذلانه وهذه النجاة هي أسوء من قتل
نعود إلى السؤال المهم:
ـ لماذا نكتب التاريخ؟ هناك من يعمل بالتحقيق في الأخبار والنظر في الفعل حسب المنظور الفلسفي والبعض الآخر ينظر إلى التاريخ حسب المنظور الإسلامي
والكاتب سامي جواد ذهب إلى انعكاسات التاريخ على الواقع، كل حدث تاريخي له تحليل فكري في ثنايا الواقع المعاش، والكتاب نظر في التاريخ ليفسر لنا بعض الأمور ويستنتج بعض المسائل التربوية.
افتخر معاوية في محضر الحسين "عليه السلام" بأنه قتل حجر وشيعة علي فأجابه:
ـ جعلت القوم خصمك يوم القيامة يا معاوية، حكمة من حكم الحسين "عليه السلام" نقرأها، اليوم كل ظالم يجعل المظلوم خصما له يوم القيامة، ولأن هذا الإرث الحسيني صاحب مواقف مؤثرة حاول المؤرخون إخفائه وضياعه وهو يحوي أحداث كبيرة وخطيرة، لم تذكر في كتب المؤرخين.
نقرأ عن ابن عمر وهو يسعى لغواية الحسين "عليه السلام" يوم صفين يطالبه بخلع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" مقابل ولاية الأمر أي يجعل الحسين هو الخليفة فقال الحسن "عليه السلام" كلا والله لا أكفر بالله ورسوله ووصي رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم"، اخسأ، يا لك من شيطان مارد فلقد زين لك الشيطان سوء عملك فخدعك حتى أخرجك من دينك باتباع القاسطين ونصرة هذا المارق من الدين فانت اليوم تقاتل من غير متذمم، ثم تخرج إلى حرب أمير المؤمنين "عليه السلام"
قال معاوية على هذه الخديعة الساذجة بأنها فاشلة لان الحسين بن علي لا يخدع، وهو ابن أبيه.
الكتاب عبارة عن حفريات تستند على حقائق وأدلة تعرفنا المركون من حياة سيد الشهداء عليه السلام وهذا هو ما نحتاجه من معرفة لحياه الحسين عليه السلام