فصل الدين عن الدولة
صالح حميد الحسناوي
.
فاجئ الحاج حسن المعماري جميع رواد المجلس حين سألوه من باب السخرية ما هو رأيك بالإلحاد؟
أجابهم: ـ ببساطة، الدين هو الفطرة والإلحاد نقص في الفطرة.
يبدو أن مثل هذا التحليل صدم الشباب فانصتوا له طائعين وهو يقول:
ـ البعض يظن أن الإلحاد مظهر من مظاهر التقدم الفكري المعاصر، وهو أساسا ليس ابنا للعصر كي ينسب إلى العصرنة، ونلبسه حالة التقدم وهو ظاهرة قديمة ضاربة في عمق التأريخ، من المؤكد أن الحاج يدرك أن بلاء هؤلاء الشباب المفاهيم الخاطئة التي غزا بها الغرب الأمة، والمعروف من المستورد من الأفكار يخلق حالة انبهارية عند هؤلاء الشباب، لهذا خاطبهم بحنكة المتحاور العارف.
أنتم تتحدثون بأعجاب عن التقدم العلمي الغربي، والتقدم المادي، ولا أحد منكم يريد أن يسمع شيئا عن مشكلات العالم المتحضر، مثل مشكلات القلق النفسي والاضطراب والانحلال والفساد، ومشكلة الإلحاد حتى أن الإعلام المنحرف يطلق على أهل الإيمان بالخط الرجعي.
يتغنون بالفكر الإلحادية والعلماني، والفكر بكل أنواعه لا يوصل إلى الإلحاد، أنتم مشكلتكم الحقيقية أن لا فكر لديكم ولا التأثير الجماهيري، سوى شبكة الإنترنت وبعض الآراء المستوردة.
الإلحاد الغربي يريد أن يرتقي إلى مستوى فلسفة مستقلة غرضها البحث العلمي وليس التشكك والضعف بالديانات، ربما صعب على الشباب أن يفهموا ما يقوله الحاج حسن، وهو يرى لا بد من إطلاق مشروع تأملي، العلم ليس عيبا والبحث في العلم ليس محرما على أحد ولا نقيصة فيه، ولكن العيب حين تبحث لتدعم ما عندك من فكرة، وما لا يوائم ما عندك يبعد، حتى لو كان حقيقة، وتلك هي المعضلة.
الغريب أن الحاج حسن يعرف أن الشباب يعدون إلحادهم طموحا، وهم غير مقتنعين بهذا الطموح أساسا، القضية لا شأن لها بالمحور النفسي، يبدو أن للشباب حديثا غيره، راحوا يتحدثون عن مصطلحات العلمانية والتقدمية واللا دينية، بينما الحاج يرى أن كل هذه المصطلحات تعني في ملخصها الإلحاد والكفر بالله.
دقيق هو الحاج في تشخيصه، لم يتهم الشباب بأنهم يبحثون عن الشهرة أو التفرد السلبي، لكنه كان يتهمهم بالوهم وعدم التكامل الإدراكي، أي نقص في الوعي والتعالي الفارغ والتفاخر المخدوع، لهذا حاول تهدئة الأمر وكسب الشباب، بما فيهم المؤمنين فليس كل المجلس هم من الشباب الملحد، هؤلاء الناس ومنهم كبار السن اطمئنوا لقابلية الحاج المعمار، علينا أن نعرف ماذا تعني (العلمانية) في اللاتينية، تعني الدنيا، ثم استعملت هذه المفردة في عصر التنوير ليصير المعنى مصادرة ممتلكات الكنيسة لصالح الدولة، ثم يبسط التعريف ليصير (فصل الدين عن الدولة) ثم أصبح أكثر شمولية، العقيدة التي تذهب إلى أن الأخلاق لا بد أن تكون لصالح البشر في هذه الحياة الدنيا، واستبعاد كل اعتبار مستمد من الإيمان بالله والحياة الأخرى.
القضية صعبة، التعليم لا بد أن يبدأ أولا من التأثير، والعلم بلا تأثير يصبح شيئا من العبث، وإقناع هؤلاء الشباب يحتاج إلى صناعة الرغبة الذاتية عندهم، لكسر نمطية المألوف، لذلك راح يعرف لهم مصطلح (اللا ديني) اتجاه فكري يرفض مرجعية الدين في حياة الإنسان واختيار المصير بلا وصاية دينية، لا تؤمن بأحكام وتصورات معصومة، الرجل اللا ديني قد يكون مؤمنا بالله سبحانه ولذلك يسمونه الإلحاد الضعيف، ويعتبرون السؤال حول وجود الخالق سؤالا غير مهم عبارة عن صراع نفسي يبحث عن الاستقرار الفكري، والعولمة تعني التوحد في الأفكار ومضمونها، وتحمل في طياتها أبعادا سياسية.
في حديث جانبي مع الحاج حسن المعمار قال أن موجة الإلحاد تعمل لتشكيك هؤلاء الشباب في دينهم وعقيدتهم، يفكرون باستثمار مثل هذه المجالس، وبالمقابل نحن نشعر من الواجب أن نثقف أنفسنا ونقرأ كي نحصن فكرنا من الدخيل
للآسف أن الكثير من المؤمنين يشعرون بأن الإلحاد أوسع ثقافة من الدين، ولا بد أن لا ينعزل المؤمن عن الحياة الاجتماعية والفكرية والعلمية والثقافية، أغلب الفكر المادي الإلحادي يعتمد على هذه الجوانب، ويبدأ بث مواقف الإلحاد، لا بد أن نكشف للشباب شرور الفلسفات الغربية المعتمدة، وطبيعة أهدافها، ودوافعها الشيطانية ضد الإسلام والمسلمين.
طلبت منه مصدر المعلومات، أجابني المعلومات اعتمدتها من كتاب "الإلحاد في العصر الحاضر وموقف العقيدة منه" للباحث عبد العزيز سعد المحمدي.