مسرحية (( القربان الاخير ))
احمد حسين عزيز
المكان : مساحة بين السماء و الارض, و هو مكان تلتقي فيه
الرسل الصاعدة من الارض مع النازلة اليها.
الزمان : يوم عاشوراء لسنة 61هـ و قبل قتل الامام الحسين عليه السلام
(( يبدأ العرض مع وجود غرابين احدهما في يمين المسرح و الاخر في يساره مع وجود كتلة معلقة بالفقرب من كل غراب ))
موسيقى ناي ...
غراب 1 : لِمَ لا تصعدون ... فقد مللنا الانتظار .. و استهلكنا كل التوقعات .. ايهٍ ايتها الارض فبالامس كنا تحت .. و اليوم بين و بين
غراب 2 : لا تحزن سيأتينا الخبر اليقين
غراب 1 : اخوتنا تأخروا
غراب2: (يضحك) مازال يومك كامسه .. 0يضحك) انت الذي عجنتك ايٍ لا تموت و مع ذلك لم تنجح .. و لن تنجح .. نعم نحن رسل ... و لكن ليس كباقي الرسل! كجبرائيل او ميكائيل
غراب : (بزجر) كلا .. انا ناجح فيما اعطيت من مهمة
غراب 2 : ناجح! حسنا .. لو اعيدت الرسالة التي بعثت عن طريقنا و لكن الى غير قابيل ... فهل تقبل بأن نتبادل الادوار .. فأكون القاتل ... و انت المقتول
غراب 1 : أدوار ماذا؟ هل انت مجنون ؟
(يتغير شكل غراب 1 و يصبح فزعاً )
غراب 1 : انها ارادة السماء .. انها ارادة السماء
غراب 2 : (يضحك) و لِمَ الانزعاج ان كنت تعرف و تتيقن من انها ارادة السماء!
فتضاريسك هذه لا تشير الى ما كنت تتحدث عنه ... فارادة السماء قد ترى بأنه يجب اعاغدتنا مع قلب الادوار .. فهل تبقة متمسكاً بدورك ؟ بينما ارادة السماء تقول العكس
غراب 1 : ليس لك الحق ... و ليس لي كذلك ان تختار من سيكون القاتل او المقتول ... فنحن رسل السماء و لا يهمنا الدور الذي نؤديه بقدر الرسالة التي نريد ايصالها
غراب 2 )باستهزاء) بالطبع .. فانت ترى نفسك بنفس مقام جبرائيل ... بالطبع يا من جعل نفسه مع رسل السماء ... هل تعلم بأن واقعة كربلاء هي الخاتمة لما مضى و الفاتحة لما سيأتي .. و نحن و جميع الرسل خارج هذه الاحداث ... فهي اكبر مما قد تتصور
((يأتي احد الرسل من الارض متوجها الى السماء و يلتقي مع الغرابيت في طريقه فيبقى بقربهما))
رسول 1 : ماذا تفعلون هنا ؟ انظروا الى كربلاء .. انظروا جيدا .. و مع ىذلك فان مدد السماء لَمْ يصل بعد .. و نحن لا نملك السلاح و لا نملك اذناً بالقتال
غراب 1 : ماذا تقول؟ و من نحن حتى تستنجد بنا دون غيرنا؟!
او .. (باستهزاء) ربما سنفكر في حلٍ لك ..
(( يتوجه غراب 1 بالخطاب لـ غراب 2))
غراب 1 : اعلم يا اخي بان هذا الرسول قد ضل طريقه
رسول 1 : عماذا تتحدثون .. اليكم عني و اهبطوا و انظروا ماذا جرى و ماذا سيجري
غراب 2 : رأينا و سنرى كما رأينا من قبل مرات و مرات
و هل لنا الا حق المشاهدة!
(( يدخل القدر و يصرخ في وجه الجميع و يسيطر ارعب على الجميع بسبب دخوله ))
القدر : اسكتوا .. اسكتوا
ما بكم؟ هل صدقتم بأنكم من الرسل ؟ نعم أنتم بين السماء و الارض .. و لكن هذا لا يعني بأنكم منا ..فكم من كلبٍ لراعٍ لَمْ يحسب على انه شاةٌ ... و لا تسألوا عن اشياء لا تعرفون كنهها و انتم لم تقفوا على ابجدية وجودكم
رسول 1 : (يخاطب القدر) اعتذر يا سيدي .. و لكنك لو رايتَ ما رايتُ .. ربما تقول شيئا اخراً
القدر : عجيبٌ امرك ايها الرسول (( ثم يلتفت للغرابين ) و الاعجب امركم ايها المشككون .. انني ارسم اقداركم و اقدار غيركم شئتم ام أبيتم.. و لكن الناجح من يقبل بالدور دون تمني غيره
غراب 2 : سيدي ارجوك سامحني فانا صغير في ساحة زمنك المقفل
غراب 1 : ربما حان موعد ذهابنا الى ساحة اخرى
القدر : ( يخاطب غراب 1 ) و ماذا تقصد ؟
غراب 1 : ( مع تخوف كمن الجواب ) ربما ننزل الى الارض و ترى ماذا سيحدث في كربلاء ... فالحسين اصبح بلا نصير .. و نحن نود المشاهدة من مكان اقرب
القدر : انتم ممنوعون من النزول الى الارض و ليس لكم أيُ دورٍ في كربلاء .. لستم رسلاًو لا مشاهدين حتى فكربلاء فوق كل القوانين التي سمعتم بها ...و اجسادها ... لها رجلٌ .. عليلٌ ... سيأتي بوقته
(( صوت رفيف اجنحة من السماء فيدخل الغرابان في حالة اخرى من الذعر و يدخل المَلَكُ فطرس من جهة السماء))
غراب 2: اهلا بك فيما بيننا يسا فطرس
(( ياخذ فطرس في التحرك يمينا و شمالا و هو يصيح ))
فطرس : كربلاء .. ماء .. دماء كربلاء .. ماء .. دماء
كربلاء .. ماء .. دماء .. كلُ ما مر فوق من احداث فوق ترابك ايتها الارض لا يعادل عندي بكاء طفلٍ على قطرة ماء .. كربلاء .. ماء .. دماء
(( يحاول القدر الخروج من المسرح فينظر اليه فطرس )
فطرس : أهذه هي الدنيا التي أصبح دم الرضيع فيها مباحاً؟!
غراب 1 : كيف لك ان ترسم رقبة طفل مذبوحة بسهمٍ كما ترسم اقدار البشر على بطون أكفهم؟ أبهذا انت مستمتع ؟ ماذا فعلت ؟
القدر : سوف تبقى كما انت ... نزلت الى الارض او صعدت الى السماء . فمثلك لا يمكن له ان يفهم معنى الرسول و الرسالة
((ثم يشير الى الغرابين ))
القدر : هل تعلم بأن وظيفتكم لم تكن تحتاج الى اكثر من غرابين يتقاتلان .. فلم يبعث الله مَلَكَاً بما قمتما به
غراب 2 : اعرف هذا و مهمتي كانت هي الاصعب كما اظن .. مع انها كانت لا تُؤدَى الا بنا
(( فطرس يخاطب القدر ))
فطرس : دعك منهما ... و اخبرني عما رايتَ و سمعتَ
القدر : قل .. ماذا تريد ان تعرفَ اكثر
فطرس : كيفَ اصبحت بعضُ السيوفِ مرفوهةً في وجهَ حقيقةٍ سبقَ و أن خلق اللهُ الجنةَ من نورها؟!
((غراب 1 يخاطب فطرس))
غراب 1 : لِمَ لا تكن شفيعاً .. و هذه مهمةٌ جيدةٌ و ربما تنتفعك في المستقبل ... اشفع لنا كَي يُحَددَ مصيرنا ... فهل نحن رسلٌ ؟ أم مجردُ غرابينِ ؟
فطرس : شُؤمُكَ ككلامك لا يمكن ان يمرَ دون حزنٍ او بلاء .. و هذا لانك قبلت بان تكون مجردَ اسمٍ في حياة القدر ... و لانك لم تفكر فيما اُرْسِلْتَ به و الى مَنْ اُرْسِلتَ ... و ستبقى هكذا لانك لا تستحقُ الاستقؤاؤ و ان كان مع الموت
(( القدر يخاطب فطرس ))
القدر : ما بالُكَ ؟ و لِمَ انتَ بهذهِ الحالة ؟ فانا لَمْ أَرَكَ هكذا من قبل
فطرس : ان دموع محمد اُنزلت في ولادةِ سبطٍ حان موعدُ البكاء عليه ... ان دموع فاطمة افطرت قلبي على والدها المصطفى و اليوم لن احتمل وقوفها في عرصة كربلاء فيما لو ذُبِحَ الحسينُ
.. اسمعوا
(( صوت لمقطع من احداث كربلاء و هو المقطع الذي تودع فيه العقيلة زينب عليها السلام اخيها الحسين عليه السلام و تنفذ فيه وصية امها الزهراء فاطمة عليها السلام في تقبيل نحر اخيها الحسين عليه السلام ... ))
فطرس : هل سمعتم ؟ هل تقبلون بما يجري؟ لِمَ نحنُ هنا ؟ تكلموا .. و انت ايها القدر هل لك ان تجدَ لنا طريقاً لنصرةِ الحسين ؟
القدر : انت تعرف يا فطرس بأني أكتب ما اكتبه من اجل من اقدار من اجل الاقدار ... و كلما عطشت الحياة اسقيتها دماءً زاكيات ... و هذ1ا هو السقاء الاخير
(( غراب 1 يخاطب القدر ))
غراب 1 : و من امرك بهذا ؟ ام انك جعلت من البشر لعبةً لنقاط اقلامك ؟!
يعود فطرس لمخاطبة القدر ))))
سياتي صاحب الامر من ال محمد و هو القائلُ : ( يا لثارات الحسين ) هل كنتَ تعلم كم سيتالم ؟ و كم دمعةٍ ستنزلُ من قومٍ خُلِقوا من فاضل طينة محمد ال محمد ؟!
(( غراب 1 يخاطب القدر ))
غراب 1 : لو اني املك سيف القضاء لما جعلتك تتحكم بارواح البشر كما يحلو لك
القدر : أَلَمْ تاخذْ درساً من الذين كانوا اعلى رتبةً منك .. (( و يشير الى الكتلتين المعلقتين في جانبي المسرح )) و هم هاوت و ماروت
(( يحاول غراب 1 و غراب 2 مغادرة المسرح الى جهة السماء خِلْسَةً فيراهما فطرس ))
فطرس : قفا .. بل قفوا على باب رسل الارض فاني اتٍ بلا شكٍ
(( يخرج غراب 1 و غراب 2 من المسرح ))
(( فطرس يخاطب القدر ))
فطرس : هل رايت كيف ان دُمَاكَ التي رسمتَ بها يوماً ما لوحةً عصوا اوامرك ؟ .. هذان الاثنان هم من جعلتهم رسلاً لقابيل .. و من اجل ماذا؟ من اجل ان يدفن هابيل !!! فَلِمَ كتيتَ على الحسينِ ان يبقى عُريانا و مذبوحاً في العراء ثلاثة ايام بلا دفن ؟! قل لماذا؟!
القدر : ليست مهنتي ان اجعل البشر يفهمون رسالتي .. مهمتي تقتصر على ارسال الرسل و تبليغ الرسائل
رسول 1 : هلا عذرتموني فاني صاعد الى السماء من اجل طلب المساعدة
فطرس : اصعد و لكن اعلم قبل ان تصعد بانك سترجع خالي الوفاض .. و ستبقى تندب حظك العاثر حتى ياذن الله
(( يخرج رسول 1 ))
القدر : وَلِمَ انت مستاءٌ يا فطرس ان كنت تعلم بان الحسين بن عليٍ و فاطمة سَيٌؤخذٌ بتاره و على اتم وجه
فطرس : من اين لي بالصبر حتى ذلك اليوم الموعود ؟ من اين لي بالصبر؟
القدر : ها انت ترى بانني لابد مني .. و لابد من نشر خيوطيفوق اجنحة الحياة الجميلة .. و الان سترى شِباكي التي ساستخدمها لأول مرة .. شِباكُ الحُزْنِ العميق .. سترى شباكاً ستجعل من عاشوراء حزنا لا ينقضي حتى بعد اخذ الثأر ... فقتلُ الرضيع و ذبح الحسين و حرق الخيام و سبي النساء .. كل هذا ساُلقي من خلاله جمرةً في قلوب المؤمنين تجعلهم يبكون على هذا اليوم كَمَنْ رَاَوْهُ .. و انت يا فطرس .. ساجعلك مَلِكَاً على كل ملائكة السماء بسبب ما انت فاعله الان.. سارسمُ لك مكاناً ي كربلاء
فطرس : حقا ! و هل ساكون مع الحسين ؟
القدر : نعم و لكن ..
فطرس : و لكن ماذا ؟
القدر : لا تاتي الي مرة اخرى بوجه الباكي .. فانت ستعيش وسط صرخات المحبين و دموع العاشقين .. اترك ما انت عليه الان و انظر ..
(( تعرض الداتا شو مقطعا فيديويا لزوار كربلاء قرب الامام الحسين عليه السلام ))
فطرس : ها هم الذين يزحفون على الامهم ليكتبوا كلمة ولاء فوق تراب كربلاء
(( ينزل رسول 2 من السماء و يحمل بيده و رقة و هو حزين))
القدر : اهلا بك ايها البشير
فطرس : و من هذا ؟
القدر : هذا هو الذي سيعطي اخر الانفاس للحسين فقد حان التحاقه بجده
فطرس : ماذا ؟ )) تصحبها موسيقى حزينة ))
فطرس : و كيف احتمل اصوات يتامى الحسين و هم يستنجدون به؟ ز من لهم من بعده ؟
انزلني قبل تفارق روحُهُ بدنَهُ ؟؟؟ فدعاؤه الذي سيتلوه اجمل نغمة على وجه الارض
(( صوت للدعاء الاخير للامام الحسين عليه السلام ... ))
تمت و الحمد لله