بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾[1].
مما لا شك فيه أن مسألة الاتباع في هذه الآية مخصوص لمن هو هاد لا يحتاج إلى الاهتداء، وممكن أن تكون لمن هو مهتد فيهدي من ليس على هداه، ففي مسرح الهدى الطليقة الذاتية «من يهدي للحق وإلى الحق» هو الله تعالى شأنه ليس إلاّ هو، وفي مسرح طليق الهدي فالحاصل عليها كأفضلها يتّبع، وغير الحاصل أو غير الأفضل لا يتّبع، وهذه ضابطة ثابتة في كل الأعراف العاقلة أن المتّبع لا بد وأن يتبع الأهدى فالأهدى، فإذا وجد الهادي الطليق في هداه فهو المتّبع ليس إلاّ، وإلاّ فمن دونه وهو فوق سائر الهادين.
فهذه الآية هي من عساكر البراهين القرآنية الدالة على وجوب تقليد الأعلم الأتقى فإنها الهدى اللائقة بالاتباع، ثم الأتقى العالم أمام التقي الأعلم، حيث الهدى في أصلها في حقل التقى.
ثم ﴿مَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى﴾، هو منطبق تماما على من يهتدي حين يهدى، ثم على من لا يهتدي وأن يهد فإن فيه أصل قبول الهدى مهما يرفضها، ثم من لا يمكن أن يهدى اللّهم إلاّ أن تخلق فيه قابلية الهدى، وهي الجمادات أو الأشجار المعبودة من دون الله وسواها، أو يقال إن الهدى هنا عامة تشمل الخلق كله إذ ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾[2]، فالخلق ككل ليس ليهدّي إلاّ أن يهدى، والمهدي منه بين من يهدي إلى الحق ومن لا يهدي إلى حق أو باطل أم يهدي إلى ضلال، فهل إن الله الذي يهدى ولا يهدّي أحق أن يتبع، أم الخلق الذي لا يهدّي إلاّ أن يهدى مهما كان من الهداة، فضلا عن الضالين أو الذين لا يهدون ولا يضلون.
إذا فربنا هو الذي يهدي كأصل، ثم الذين يهدون بأمره قدر ما اهتدوا، الأهدى منهم فالأهدى.
وفِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ((فِي قَوْلِهِ: ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ﴾، اَلْآيَةَ فَأَمَّا مَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ فَهُوَ مُحَمَّدٌ وَآلُ مُحَمَّدٍ مِنْ بَعْدِهِ وَأَمَّا مَنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَهُوَ مَنْ خَالَفَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ أَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ بَعْدِهِ))[3]، ف ﴿مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾، هو علي والأئمة من ولده المعصومين (عليهم السلام) وكما تواتر عنه (صلى اللّه عليه وآله) مثل قوله: ((عَلِيٌّ مَعَ اَلْحَقِّ وَاَلْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ وَاَلْحَقُّ يَدُورُ حَيْثُ مَا دَارَ عَلِيٌّ))[4].
وهنا ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾، تعني الملائكة والنبيين إذ هم يهدون إلى الحق بإذن الحق، وحتى إذا شملهم إلى الطواغيت والأصنام فهم ممن لا يهدّي إلا أن يهدى، فهل يترك هاديهم وهو الله إليهم وهم المهتدون بالله.
ولو أنهم اتبعوا الملائكة والنبيين كوسطاء بينهم وبين الله فقد اتبعوا الله، ولكنهم وهم يعبدونهم بين سائر المعبودين من دون الله، إنهم ليسوا إذا يتّبعون أصالة، إذ ليسوا ليهدّوا إلاّ أن يهدوا، والله هو الهادي غير المهدي، فهو الأصل في الهدى، فهو إذا الأصل في الاتباع ليس إلا.
﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾، تكوينا وتشريعا كما الله الذي ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾، ففي حقل التكوين أن يضع نظاما كونيا، وفي التشريع أن يرسل رسلا وينزل كتبا توقظ غفلان القلوب وتهديهم إلى الحق المرام، وحق الملائكة والنبيين إذ هم مهتدون بما هداهم الله في عمالة التكوين وحمل الشرعة إلى الرسل ولم يكونوا ليهدوا أنفسهم فضلا عمن سواهم. ﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾، بواجب أو راجح الاتباع لغير الله طاعة وعبادة وهما من شؤونه عز وجل؟
[1] سورة يونس، الآية: 35.
[2] سورة طه، الآية: 50.
[3] بحار الأنوار، ج 9، ص 213.
[4] المناقب، ج 3، ص 62.