من ذاكرة صدى الروضتين
بلاغة سيد الإنسانية والقيم علي بن ابي طالب ( عليه السلام)
د . حيدر علي الاسدي
علي بن ابي طالب (عليه افضل الصلوات والتسليم) شخصية تستحق التوقف الطويل والمتأمل عندها فهو ليس شخصية تاريخية دينية وحسب ولا يمكن ان نتوقف عن صلة قرابته من نبي الامة والإسلام الاكرم الصادق الأمين ( صلوات الله عليه) ولا دوره في بدايات الإسلام ولا لان من نسله انحدرت سلالة الاتقياء الائمة الكرام بل يجب ان نتوقف عنده كشخصية من ابعادها الإنسانية وكظاهرة اجتماعية ، فهو قدم كل القيم والمثل الإلهية التي ممكن ان تتجلى في سلوكيات الكائن البشري فقدم أروع مثل الشجاعة والكرم والايثار والعطف والتعامل مع الاغيار والحكمة ومراعاة الاسرة والتعامل مع الرعية وغيرها ، فهذه الشخصية كتب عليها الاف بل ملايين المجلدات والأوراق وكلها لم تف حقه لأنه قدم أروع المثل والقيم بالذود عن دين الله في ارضه فمنذ لحظة الولادة كان مميزاً بمكان الولادة ومرحلة الصبا وحتى اسهاماته في الإسلام وما قدمه لرجالات الإسلام وحتى مع ادارته للدولة وكيف تعامل مع دور القائد الإداري للدولة (القائد الأخلاقي) وفقاً للقيم المعاصرة لمفهوم الإدارة وصولاً الى نهايته المشرفة وما تركه من اثر حتى بعد رحيله فهو بحق شخصية عظيمة تستحق الدراسة المفصلة ولكل جانب من جوانب حياته ولعل ابرز ما كان يعرف عنه هو بلاغته وحكمته التي انتجت الكنز اللغوي والمعرفي (نهج البلاغة) وخطبته العظيمة بدلالاتها واكتنازها اللغوي والجمالي بما تتضمن من عمق المعاني والدلالات ولهذا تأثر في هذه البلاغة الكثير من المتأخرين الذين اعجبوا ببلاغة وحكمة هذا الرجل سواء في اجاباته لأسئلة الاخرين او من خلال ما يقدمه من خطب ودروس التعاطي الحياتي مع الأخرى ، لذا نرى الجاحظ يقول سمعت النظَّام يقول: (عليّ بن أبي طالب (عليّه السلام) محنة للمتكلّم، إن وَفى حقّه غَلى، وإن بخسه حقّه أساء، والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن، حادّة اللسان، صعبة التّرقّي إلا على الحاذق الزّكي) ويقول الجاحظ ايضاً (عند ذكر قول الإمام علي عليه السلام : قيمة كلّ امرئ ما يحسنه - : فلو لم نقف من هذا الكتاب إلّا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية ومجزية مغنية ، بل لوجدناها فاضلة على الكفاية وغير مقصرة عن الغاية) اما جبران خليل جبران فانه قال: ( إن عليّاً لمَن عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان) اما ميخائيل نعيمة فهو يرى ان بطولات الامام لم تقتصر على الحرب وحسب بل انه أيضا كان بطلاً في (سحر بيانه) اما على مستوى الغرب كذلك ثمة من تأثر بهذه البلاغة وسحرها الاخاذ فهذا ادوارد جيبون يرى في الامام علي بانه شخصية فريده متألقة شاعر ومؤمن ونبيل وقديس , حكمته كالنسيم الذي يتنفسه كل انسان فهي اخلاقيه وانسانيه، منذ تولده والي وفاته كان حكيما جمع تلاميذه وناداهم بإخوتي واحبائي , حقا كان هارون المتجدد صدّيق النبي موسى كما وصفه النبي محمد (ص) . كما تحدث (واشنطن آرفنغ) عنه في كتاب "خليفة النبي محمد – لندن – 1850" وقال بانه كان من انبل عائله من قبيلة قريش. لديه ثلاث صفات يعتز بها العرب : الشجاعة والبلاغة ، والسخاء.....نماذج بلاغته لا زالت مؤثره علي كل لسان عربي وعلي كل تفسير قرآني ، فالإمام علي كان متقدماً غي علم الخطابة وعلم الفصاحة والبلاغة كما يقول الشريف الرضي: (أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها. ومنه ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها). كما كان متقدماً جزلاً في الشعر وعلم العروض وعلم الوعظ وعلم الفلسفة والحكمة، وما رسالته الى مالك الاشتر : "الناس صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق" والتي اثرت أيما تأثير واعتمدت من الأمم المتحدة الا احدى اهم صور البلاغة في القول والمعنى، فهكذا كان هذا الرجل وعاش حياته معطاء ومضحي ومقدم مصلحة الامة والرعية على مصالحه وفي كل سلوكياته كانت ثمة دروس حقيقية وعملية تقدم للأخرين للإفادة من الخلق والقيم والنبل الإلهي الذي تجسد في شخصية علي بن ابي طالب طيلة حياته الشريفة وحتى مغادرته الحياة الى الرفيق الأعلى والارحم وحتى في هذه اللحظات كان يقدم المثل والقيم وطريقة التعامل مع الجاني (القاتل) ووصيته لأبنائه في كيفية التعامل مع هذا القاتل لهي حكمة أخرى وبلاغة أخرى يقدمها علي ليعطي لنا دروساً حقيقية في كيفية ان يكون العبد صالحاً مع الله ومع عموم البشر، طوبى له في ذكرى رحيله الموجع والصادم.