ق
من ذاكرة صدى الروضتين
راءة في أدعية الإمام الحسين عليه السلام يوم الطف. (٢)
نادرة المرهون
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أول شيء بدأ به صبيحة يوم عاشوراء هو ذلك الخيل استقبلها (عليه السلام) برفع يديه للدعاء.
تحرك العدو وزحف نحو الإمام الحسين (عليه السلام) قبل الشروق... وهذه الساعة هي ساعة الإجابة، قال الإمام الصادق عليه السلام... (الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهي ساعة إجابة (ظلالهم بالغدو والآصال).
جمع الإمام الحسين (عليه السلام) بين الآثار الغيبية وأضاف إليها خصوصية دعائه من حيثية أنه لا ترد له دعوة لكونه حجة الله على خلقه، وكأنه ثبت نتائج هذا اليوم وأركان مجرياته من خلال المعاني التي حملتها كلماته.
تقدم الواحد تلو الآخر نحو الموت متلذذاً به على أنه قنطرة الوصول، فمنهم من مزق ثيابه، ومنهم من أظهر فرحه إلى أن التقوا جميعا، فقدَّم الإمام الحسين (عليه السلام) أولاده وأخواته وأولاد أخيه وبني عمومته، قرابين اللقاء الملكوتي العظيم، ثم برز بنفسه -بعد ذلك- وقاتلهم وفي آخر لحظاته ترنم بالدعاء الذي ينبض عشقاً وهياماً وفناءً، فقال عليه السلام
(اللَّهُمَّ مُتَعَالِيَ الْمَكَانِ عَظِيمَ الْجَبَرُوتِ شَدِيدَ الْمِحَالِ غَنِيٌّ عَنِ الْخَلَائِقِ عَرِيضُ الْكِبْرِيَاءِ قَادِرٌ عَلَى مَا تَشَاءُ قَرِيبُ الرَّحْمَةِ صَادِقُ الْوَعْدِ سَابِغُ النِّعْمَةِ حَسَنُ الْبَلَاءِ قَرِيبٌ إِذَا دُعِيتَ مُحِيطٌ بِمَا خَلَقْتَ قَابِلُ التَّوْبَةِ لِمَنْ تَابَ إِلَيْكَ قَادِرٌ عَلَى مَا أَرَدْتَ وَ مُدْرِكٌ مَا طَلَبْتَ وَ شَكُورٌ إِذَا شَكَرْتَ وَ ذُكُورٌ إِذَا ذَكَرْتَ أَدْعُوكَ مُحْتَاجاً وَ أَرْغَبُ إِلَيْكَ فَقِيراً وَ أَفْزَعُ إِلَيْكَ خَائِفاً وَ أَبْكِي إِلَيْكَ مَكْرُوباً وَ أَسْتَعِينُ بِكَ ضَعِيفاً وَ أَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ كَافِياً احْكُمْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ قَوْمِنَا فَإِنَّهُمْ غَرُّونَا وَ خَدَعُونَا وَ خَذَلُونَا وَ غَدَرُوا بِنَا وَ قَتَلُونَا وَ نَحْنُ عِتْرَةُ نَبِيِّكَ وَ وُلْدُ حَبِيبِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي اصْطَفَيْتَهُ بِالرِّسَالَةِ وَ ائْتَمَنْتَهُ عَلَى وَحْيِكَ فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا فَرَجاً وَ مَخْرَجاً بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.)
هذا الدعاء يحتوي على مضامين عرفانية كبيرة، ومطالب سلوكية تستحق أن تكتب بأقلام النور على جباه الحور،
فهي مقام المكان المتعالي الذي يمثل جنبة العزة والهيمنة للحضرة الإلهية وهي ليست مادية بالطبع، وهذا هو التعالي في قلوب الأولياء، والجبروت العظيم، هو المعروف في عالم الأسماء والصفات في مقام الواحدية.
وهو شديد المحال، شديد في ملكه وسلطانه، ولا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وهو غني عن الخلائق هو الغني بذاته، ولا يحتاج إلى أحد من خلقه، بل الخلق هم الذين يحتاجون إليه.
وهو عريض الكبرياء وتعني أنه تعالى واسع العظمة والمجد، ولا يُشاركه أحد في هذه الصفة.
وهو قادر على ما يشاء، قادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. مشيئته نافذة، وإذا أراد شيئًا فإنما يقول له "كن فيكون". له القدرة المطلقة على الخلق والتدبير.
وهو قريب الرحمة، رحمة الله قريبة من عباده، وهي تشمل كل شيء. الله قريب من عباده برحمته، يستجيب لدعائهم ويعفو عن زلاتهم. رحمته وسعت كل شيء، وهو الرحمن الرحيم.
وهو صادق الوعد لا يخلف وعده، فهو صادق في كل ما وعد به، سواء كان الوعد بالثواب للمؤمنين أو العقاب للكافرين، فإن الله لا يُخلف الميعاد.
وهو سابغ النعمة: نعم الله تعالى واسعة وشاملة على عباده. كل النعم التي يتمتع بها الإنسان من صحة ورزق وأمن وغيرها هي من فضل الله ونعمته التي لا تُحصى.
وهو حسن البلاء، أن الله تعالى يبتلي عباده بما هو خير لهم، حتى لو بدا الابتلاء صعبًا. الابتلاء قد يكون اختبارًا للإيمان أو تكفيرًا للذنوب أو رفعًا للدرجات، الله يعلم ما هو خير لعباده ويصرف الأمور بحكمته.
وهو قريب إذا دعيت: الله قريب مجيب، وهو يعلم ما في نفوس عباده ويستجيب لدعائهم إذا دعوه بإخلاص، وقربه ليس قربًا مكانيًا، بل قربًا بالإجابة والرحمة.
محيط بما خلقت: أن الله تعالى محيط بكل مخلوقاته، يعلم كل شيء عنها، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. علمه شامل، وهو المطلع على كل تفاصيل خلقه.
ومضى مسترسلاً في دعائه غارقاً في توجهه نحو المعبود ملقياً بكل توكله عليه فيشكو له غربته وكربته، ويعرض ظلامته على الله سبحانه وتعالى.
فقد دعا ربه للطلب بدمه، قال مسلم بن رباح مولى أمير المؤمنين قال: كنت مع الحسين بن علي (عليه السلام) يوم قُتل فرمي في وجهه بنشابة فقال لي: يا مسلم أدن يديك من الدم، فأدنيتهما فلما امتلأت قال (اسكبه في يدي) فسكبته في يده فرفع بهما إلى السماء وقال: (اللهم أطلب بدم ابن بنت نبيك)
ودعائه قبيل شهادته قال أبو مخنف: بقى الحسين (عليه السلام) ثلاث ساعات من النهار ملطخاً بدمه رامقاً طرفه إلى السماء وينادي: "يا إلهي صبراً على قضائك، ولا معبود سواك، يا غياث المستغيثين"
وقفت له الأفلاك حين هويّه
وتبدّلت حركاتها بسكون
وبها نعاه الروح يهتف منشداً
عن قلب والهةٍ بصوت حزين.
……………..
المراجع:
١-العرفان في الصحيفة السجادية وأثره في الفكر الصوفي/ الشيخ الدكتور علي المياحي
٢-دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء ببن النظرية العلمية والأثر الغيبي / نبيل الحسني
٣-ديوان السيد حيدر الحلي
٤-الإمام الحسين عليه السلام في حلّة البرفير / سليمان كتاني
٥-ديوان الإمام الحسين عليه السلام / شرح ومراجعة محمد شراد حساني وحيدر كامل فرحان الزرقاني
٦-ديوان رفيف الولاء/ الشيخ عبد الكريم آل زرع
من ذاكرة صدى الروضتين
راءة في أدعية الإمام الحسين عليه السلام يوم الطف. (٢)
نادرة المرهون
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أول شيء بدأ به صبيحة يوم عاشوراء هو ذلك الخيل استقبلها (عليه السلام) برفع يديه للدعاء.
تحرك العدو وزحف نحو الإمام الحسين (عليه السلام) قبل الشروق... وهذه الساعة هي ساعة الإجابة، قال الإمام الصادق عليه السلام... (الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهي ساعة إجابة (ظلالهم بالغدو والآصال).
جمع الإمام الحسين (عليه السلام) بين الآثار الغيبية وأضاف إليها خصوصية دعائه من حيثية أنه لا ترد له دعوة لكونه حجة الله على خلقه، وكأنه ثبت نتائج هذا اليوم وأركان مجرياته من خلال المعاني التي حملتها كلماته.
تقدم الواحد تلو الآخر نحو الموت متلذذاً به على أنه قنطرة الوصول، فمنهم من مزق ثيابه، ومنهم من أظهر فرحه إلى أن التقوا جميعا، فقدَّم الإمام الحسين (عليه السلام) أولاده وأخواته وأولاد أخيه وبني عمومته، قرابين اللقاء الملكوتي العظيم، ثم برز بنفسه -بعد ذلك- وقاتلهم وفي آخر لحظاته ترنم بالدعاء الذي ينبض عشقاً وهياماً وفناءً، فقال عليه السلام
(اللَّهُمَّ مُتَعَالِيَ الْمَكَانِ عَظِيمَ الْجَبَرُوتِ شَدِيدَ الْمِحَالِ غَنِيٌّ عَنِ الْخَلَائِقِ عَرِيضُ الْكِبْرِيَاءِ قَادِرٌ عَلَى مَا تَشَاءُ قَرِيبُ الرَّحْمَةِ صَادِقُ الْوَعْدِ سَابِغُ النِّعْمَةِ حَسَنُ الْبَلَاءِ قَرِيبٌ إِذَا دُعِيتَ مُحِيطٌ بِمَا خَلَقْتَ قَابِلُ التَّوْبَةِ لِمَنْ تَابَ إِلَيْكَ قَادِرٌ عَلَى مَا أَرَدْتَ وَ مُدْرِكٌ مَا طَلَبْتَ وَ شَكُورٌ إِذَا شَكَرْتَ وَ ذُكُورٌ إِذَا ذَكَرْتَ أَدْعُوكَ مُحْتَاجاً وَ أَرْغَبُ إِلَيْكَ فَقِيراً وَ أَفْزَعُ إِلَيْكَ خَائِفاً وَ أَبْكِي إِلَيْكَ مَكْرُوباً وَ أَسْتَعِينُ بِكَ ضَعِيفاً وَ أَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ كَافِياً احْكُمْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ قَوْمِنَا فَإِنَّهُمْ غَرُّونَا وَ خَدَعُونَا وَ خَذَلُونَا وَ غَدَرُوا بِنَا وَ قَتَلُونَا وَ نَحْنُ عِتْرَةُ نَبِيِّكَ وَ وُلْدُ حَبِيبِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي اصْطَفَيْتَهُ بِالرِّسَالَةِ وَ ائْتَمَنْتَهُ عَلَى وَحْيِكَ فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا فَرَجاً وَ مَخْرَجاً بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.)
هذا الدعاء يحتوي على مضامين عرفانية كبيرة، ومطالب سلوكية تستحق أن تكتب بأقلام النور على جباه الحور،
فهي مقام المكان المتعالي الذي يمثل جنبة العزة والهيمنة للحضرة الإلهية وهي ليست مادية بالطبع، وهذا هو التعالي في قلوب الأولياء، والجبروت العظيم، هو المعروف في عالم الأسماء والصفات في مقام الواحدية.
وهو شديد المحال، شديد في ملكه وسلطانه، ولا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وهو غني عن الخلائق هو الغني بذاته، ولا يحتاج إلى أحد من خلقه، بل الخلق هم الذين يحتاجون إليه.
وهو عريض الكبرياء وتعني أنه تعالى واسع العظمة والمجد، ولا يُشاركه أحد في هذه الصفة.
وهو قادر على ما يشاء، قادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. مشيئته نافذة، وإذا أراد شيئًا فإنما يقول له "كن فيكون". له القدرة المطلقة على الخلق والتدبير.
وهو قريب الرحمة، رحمة الله قريبة من عباده، وهي تشمل كل شيء. الله قريب من عباده برحمته، يستجيب لدعائهم ويعفو عن زلاتهم. رحمته وسعت كل شيء، وهو الرحمن الرحيم.
وهو صادق الوعد لا يخلف وعده، فهو صادق في كل ما وعد به، سواء كان الوعد بالثواب للمؤمنين أو العقاب للكافرين، فإن الله لا يُخلف الميعاد.
وهو سابغ النعمة: نعم الله تعالى واسعة وشاملة على عباده. كل النعم التي يتمتع بها الإنسان من صحة ورزق وأمن وغيرها هي من فضل الله ونعمته التي لا تُحصى.
وهو حسن البلاء، أن الله تعالى يبتلي عباده بما هو خير لهم، حتى لو بدا الابتلاء صعبًا. الابتلاء قد يكون اختبارًا للإيمان أو تكفيرًا للذنوب أو رفعًا للدرجات، الله يعلم ما هو خير لعباده ويصرف الأمور بحكمته.
وهو قريب إذا دعيت: الله قريب مجيب، وهو يعلم ما في نفوس عباده ويستجيب لدعائهم إذا دعوه بإخلاص، وقربه ليس قربًا مكانيًا، بل قربًا بالإجابة والرحمة.
محيط بما خلقت: أن الله تعالى محيط بكل مخلوقاته، يعلم كل شيء عنها، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. علمه شامل، وهو المطلع على كل تفاصيل خلقه.
ومضى مسترسلاً في دعائه غارقاً في توجهه نحو المعبود ملقياً بكل توكله عليه فيشكو له غربته وكربته، ويعرض ظلامته على الله سبحانه وتعالى.
فقد دعا ربه للطلب بدمه، قال مسلم بن رباح مولى أمير المؤمنين قال: كنت مع الحسين بن علي (عليه السلام) يوم قُتل فرمي في وجهه بنشابة فقال لي: يا مسلم أدن يديك من الدم، فأدنيتهما فلما امتلأت قال (اسكبه في يدي) فسكبته في يده فرفع بهما إلى السماء وقال: (اللهم أطلب بدم ابن بنت نبيك)
ودعائه قبيل شهادته قال أبو مخنف: بقى الحسين (عليه السلام) ثلاث ساعات من النهار ملطخاً بدمه رامقاً طرفه إلى السماء وينادي: "يا إلهي صبراً على قضائك، ولا معبود سواك، يا غياث المستغيثين"
وقفت له الأفلاك حين هويّه
وتبدّلت حركاتها بسكون
وبها نعاه الروح يهتف منشداً
عن قلب والهةٍ بصوت حزين.
……………..
المراجع:
١-العرفان في الصحيفة السجادية وأثره في الفكر الصوفي/ الشيخ الدكتور علي المياحي
٢-دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء ببن النظرية العلمية والأثر الغيبي / نبيل الحسني
٣-ديوان السيد حيدر الحلي
٤-الإمام الحسين عليه السلام في حلّة البرفير / سليمان كتاني
٥-ديوان الإمام الحسين عليه السلام / شرح ومراجعة محمد شراد حساني وحيدر كامل فرحان الزرقاني
٦-ديوان رفيف الولاء/ الشيخ عبد الكريم آل زرع