منذاكرة صدى الروضتين
اليائسون من رحمة الله
محمد محمود عبدالله
يحتاج الإنسان إلى المعنى المعبر عن جوهر وجوده الإنساني، بينما هناك الكثير ممن يعمل لزرع اليأس في الإنسان، وقضية اليأس ليست جديدة فقد واكبت التاريخ ولها غايتها وأساليبها، هو قطع الأمل قال أمير المؤمنين عليه السلام (الفقيه حق الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله)، تسع سور من سور القران الكريم ذكرت اليأس واليائسين، في سورة العنكبوت الآية 29 ﴿أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ يتوعد أهل اليأس، ويصل الأمر إلى النهي الصريح في سورة يوسف الآية 87 ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ﴾ واليوم جيوش من اليائسين يشيعون بالفضائيات والإنترنت أن النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" قد يأس من الوحي، وأراد الانتحار، والحقيقة مستحيل لبشر أن يصل إلى منزلة النبوة وهو يعيش مرحلة من مراحل اليأس، الأنبياء حاشاهم، هم عانوا من يأس الناس وقنوطهم من رحمة الله سبحانه.
في كل مجتمع هناك عصابات من اليائسين، حين فقد نبي الله يعقوب ابنه يوسف "عليه السلام" كانوا حوله عصابة من الياسين ومنهم أخوة يوسف.
والنبي يعقوب عليه السلام قدم لنا الدرس الأمثل لترك اليأس بعيدا عن إيماننا بالله، المشكلة التي أثارت اهتمام البحث، هي أن اليائسين هم قوم يؤمنون بالله وكتابه ورسوله وشريعته، ولكن مع هذا فهم يائسون من المعروف، واليائس يصدق كل ما يشاع، وكلما يؤثر على أمنه وأمانه، شح اليوم عندنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشحطت النصيحة، بسبب الخوف، كل واحد منا يقول على الإنسان أن يحافظ على نفسه وأن يحافظ على عقيدته ولا يهدر جهده في دعوة الغير.
الكوفة خرجت عن بكرة أبيها لنصرة مسلم بن عقيل، ما أن اشتغلت عصابة زرع اليأس حتى قلعت جذور النفوس عن ذكر الله سبحانه وتعالى، هدموا عزيمة الناس فانزاحوا ليتركوا مسلم وحده وسط هذه الأجواء المأساوية، ظهر رجل فلاح اسمه (حنظلة بن مرة الهمداني) رجل أعرابي من أهل واقصة، كان هذا الرجل راكبا مطيته راجعا من بستانه رأى رجلا تسحله الناس بالحبل، فسأل الخائفين الساكتين، والذين ربما ينظرون بلذة وشماته كونهم يعجزون عن النصرة ولا يرجون أن ينصره أحد كي لا ينال إثرة النصرة، نادى بغضب ويلكم يا أهل الكوفة ماذا فعل هذا الرجل الذي تفعلون به هذه الفعال؟
قالوا هو خارجي خرج عن الأمير يزيد بن معاوية، سأل: ـ يا قوم، بالله عليكم ما يقال له وما اسمه؟ ومن أي أعمام؟
قالوا هذا مسلم بن عقيل، ابن عم الحسين "عليه السلام" صاح بهم ويلكم إذا علمتم إنه ابن عم الحسين فلماذا قتلتموه وسحلتموه على وجهه، ثم نزل عن مطيته ووضع يده على سيفه وسله من غمده وحمل عليهم حتى قتل منهم 14 رجلا تكاثروا عليه حتى قتلوه، هذه الغيرة التي انفردت عن ذلك المجتمع الذي أكثر عليه اليائسون فقتلوه، استشهد هذا الرجل نصرة لمسلم بن عقيل "عليه السلام"، وهو اليوم لا يملك حتى ضريح يليق بموقفه.
اليائسون هم الذين يزرعون الخوف في الناس، والذين ينتشرون اليوم على الفضائيات والإنترنت يحبطون الهمم، وينكلون بعلماء الدين واتباعهم من المؤمنين، هم طبقة كبيرة لكنها ضعيفة نفسيا وأخلاقيا ومتذبذبة بين الأنماط والأشكال، يملكون الإغراء والخوف والمصلحة ولا يهمهم أن خالفوا العقل والمنطق والدين، يبذرون التفاهات لحرف الناس عن جادة الفكر والحضارة والثقافة والدين والهوية، بدل العمل لرفع البؤس والانتكاس، وشد رايات النهوض والريادة وتبني رؤية غنية متكاملة، حاربوا الدين باسم العلمانية، حاولوا بجد تركيز قضية اليأس عند الناس من الحاضر والمستقبل.
أغرب ما وجدته أن ظاهرة اليأس ليست جديدة، وجميع رسالات الله تعالى انطوى تحت ألويتها ناس اتبعوا الحق بوعي لكنهم عجزوا عن إبلاغه والدفاع عنه، واليائسون بارعون في نشر الخوف والقلق والانحلال الفكري، وسوقوا لنا دعاة حقيقتهم الفراغ واليأس، واحتيالات السلطة وسطوة الإعلام، يوهمون المساكين حتى وصل الأمر أن يسخروا من خاتم الأنبياء، وحين يعطي الكاتب المصري يوسف زيدان رأيا بأن صلاح الدين الأيوبي من أحقر الشخصيات في التاريخ وإذا بهذا الحديث يعمل ثورة ضده.
رئيس دولة عربية يعلن لشعبه عبر وسائل مباشرة وعلنية أن الشيعة أخطر على الإسلام من اليهود، هو رئيس مصر الأسبق محمد مرسي، وأعلن الجهاد في سوريا وليس في فلسطين، ونفذ حكم الإعدام بمجموعة من الشيعة المصريين وسحلوهم في الشوارع، وقضية الشهيد حسن شحاتة وجماعته خير الشهود، من يزرع اليأس يتحجج بقوة الخصم يقول لك أن إمكانياتهم قوية لا تتزعزع وأنت لا تعرض نفسك للموت، وكأن داعش إذا دخلت البلاد ستحرص على السلامة والعرض،
وأشاعوا أن لا طاقة لنا بداعش، عصابات مسنودة بقوى الطيش العالمي، ونسمع البعض يشيع لنا وعن إمكانيات الدواعش وقوتهم، مثلهم مثل طائفة من اليائسين الذين هالتهم القوه الظاهرة فقالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، وهذا مصير اليائسين في كل عصر وجيل ينطلقون من فكرة أن الحق ضعيف والباطل يملك جميع القوى التي تتيح له الغلبة في أي صراع، ويتبين لنا أن هناك أجهزة متمكنة تغذي الروح السلبية اليائسة، في نفوس الناس والمواقف اليائسة تشيد على تقدير خاطئ للقضايا، جاءت عن طريق الوهم وسوء الفهم وهيأت الجو النفسي، والقاعدة الفكرية لليائس من جدوى العمل في سبيل الله ودينه القويم، وحياة الناس.